"ليبانون ديبايت"- زياد أنطوان الشويري

مِن حظوظِ الجمهوريَّة رَئيسُها، هوَ الّذي يتأَنّى في الحِفاظِ عَلى كَرامَتِها مُمسكاً بميزانٍ أينَ مِنهُ مَن يَزنُ غُبارَ الذَهَب... قدرَةٌ طاعِنةُ في الحِكمَةِ تُخَوِّلُ هذه القامَةُ الباسِقَةُ الإنتقالَ مِن عَصرِ "الأمرُ لي" إلى عَصرِ " الأمر للوَطَن" بِتؤدَة واحتِرافٍ بالِغَينْ.

ليسَ ما يَختَرِقُنا مِن رِماحٍ مَشروعُ هُواةِ أو إطلاق نارٍ صَديقَة، بَل يصحُّ أن نَقولَ كَم تفنَّنَ صانِعوها قَذفاَ وَطَعناً حتى "تكسّرِتِ النّصالُ عَلى النّصالِ".

ليسَ في نَوافِذ القصرِ في بعبدا زُجاجٌ ضِدَّ الرصاص بَل فيهِ رَجُلٌ ضِدَّ الخُضوعِ والإخضاعْ، إنْ حُكَّ مَعدُنُهُ بانَت يَدٌ لو هيَ مُدَّت حَضَنَتِ الشّرقَ بِكلِّ تَلاوينِهِ، الشرقَ أقولُ فكيفَ إذا بالأقربين؟

" الحَريري مِثلُ إبني، دَخَلنا مَعاً ونخرُجُ مَعاً" بِهذا الكَلام وقَّعَ الرئيس معاهَدَة "مار مخايل " أُخرَى ليس َمِن حارَة حُريك بَل من بعبدا فسمعتها الرياض.

كلامُ الرئيس عابرٌ للعَواصِمِ، صَداهُ يسمَعُ مِن المُحيطِ إلى الخَليجِ ووسطَ جَلَبَةِ التهديد والوَعيد اكتَفَى الرئيس بالتبنّي واعتناقِ بنوَّةٍ وطنيَّةٍ للرئيس الحَريري جَعَلَت صًورَ الرئيسِ عون تَدخُلُ بيوتَ أكثر المُغالينَ تطيّفاً في بيروت كما حوّلَت- بسِحرِ جنرال لبنان- الفِتنَةَ المَحبوكَةَ بِعنايَةٍ إلى فتنةٍ راقِدَةٍ عَلى رَجاءِ القيامَة.

لستُ في مَعرِضِ مديح الرئيس ولا في معرِضِ تأبينِ الفتنَةِ بَل في مَعرِضِ الدُّعاءِ لهذه اللُبنَةِ اللبنانيِّةِ التي ما أن تَدنو المطارقُ والفؤوسُ مِنها تَستَحيلُ وَطناً مِن فولاذ يَعصَى عَلى الفِتَن التي كانَت نائِمَة وسيحاسِبً اللهُ مَن أيقَظَها.

تقاطَرَ الرؤساءُ السابِقونَ إلى القَصر على وجهِ السّرعَة، سارَعَ رئيسُ المَجلسِ إلى الإشادَةِ بالحكمَةِ ، وأجمَعَ الإعلامُ على أنَّ الرئيسَ يَمشي مَلَكاً هنا، وقعُ قدميه يسمعه أُمَراءِ ال " هُناكْ".

فجأةً مُنِيَت الطائفيَّةُ بِهَزيمَةٍ نَكراء، هيَ التي تحكّمَت بِمفاصِلِ حياتِنا الوطنيَّة لأكثرَ مِن قرنٍ من الزمان المُخزِي،أمَرَها الرئيسُ أن تدخُلَ في قبرِها الماسيّ فَلَم تنبس ببنت شَفَة...أطاعَتهُ عَلى مَضض فيما يسعَدُ هوَ ولَو لِحينِ بوطَنٍ تخلَّصَ مِن جرثومتِهِ المُعدِيَةِ.

الرّجلُ قادِرٌ عَلى زَجرِ النّظامِ بأكمَلِه واجتراحِ نِظامٍ يشبِهُ أحلامَنا، يستطيعُ ذلكَ مِن عَلى مِذياعٍ أو مِنبَر. لا أعتَقِد أنه بالإمكان في هذا الزمن بالتحديد مقارَبَة رئاسَة الجمهوريَّة في لبنان من منظارِ الصلاحيات الدستوريَة، بَل من مِنظارِ القامَةِ ،قامة رئيس الجمهوريَّة الذي جعَلَ مِن صلاحيّاتِهِ شأناَ في غايَةِ الصِغَر ومِن هامَتِه شأناً في غايَة الكِبَر.

لبنان مَحظوظ برئيسِهِ، وهوَ كَلامٌ أسمَعُهُ من المُوالينَ والمُعارِضين، لا بَل أننا بأمسِّ الحاجة لِحظٍّ بهذا الحَجم لتفادي هذا الحَجم الهائِل من الكبائِرِ التي تَدنو مِنا كألفِ تَنين ملتَحٍ بالنار.

بعدَ أيامٍ قليلَة سيجلسُ رئيس الحكومة المُستَقيل تحتَ منصَّةِ الإستِقلالِ بِحضورِ رئيسِ مَجلِسِ النواب وفَخامَة الرئيس. أُريدَ لهذا الوَطَنِ الصّغيرِ أن يهدُمَ منصّتَهُ وأن يَعتَذِرَ من المَدعوّين، لكنّهُ عِوضاً عَن ذلكَ وسَعَ مَطارِحَها وأكَّدَ للمَدعوّينَ إقامَتَها، وحدَها الفتنَةُ لَم تُدعَ إلى وليمَةِ الإستِقلال، وحَدَها ستجلِسُ في مَنفاها تنتظِرُ مَوعِداً مؤاتياً لهجمَةٍ جَديدَة عساها تُواجَهُ بيدِ الرئيس التي إذا مُدَّت حضَنَتِ الشرقَ بكلِّ تلاوينِه...حضَنَتِ الشرقَ بكلِّ تلاوينِه!