Beirut
16°
|
Homepage
صمود الطائف أمام المثالثة
طارق حسون | المصدر: ليبانون ديبايت | الجمعة 05 كانون الثاني 2018 - 10:12

"ليبانون ديبايت" ــ طارق حسّون

لا شك أن الظروف والعوامل الداخلية والاقليمية والدولية التي ادّت الى انعقاد مؤتمر الطائف في ايلول 1989 كانت بالأساس تصّب في خانة النظام السوري. ومن بين هذه الظروف والعوامل؛ سقوط الاتحاد السوفياتي وحاجة الولايات المتحدة والغرب والدول العربية للنظام السوري كعامل استقرارٍ اقليمي بوجه طموحات صدّام حسين التوسّعية؛ تداعيات حرب التحرير والحصار البري والبحري على المناطق المسيحية الذي استنزف هذه المناطق؛ الانقسام المسيحي-المسيحي الذي اضعف المسيحيين وجعل منهم الطرف الأضعف في توازن القوى الجديد الذي افرزه الاتفاق.

وفي حين ان القسم الذي امّن غطاءً مسيحياً لاتفاق الطائف لم يقم بذلك عن قناعة مطلقة، وإنما لإيقاف حرب الأخوة والحّد من تداعياتها، وبالتالي لم يدافع عن اتفاق الطائف بحرارة، هاجم معارضو الاتفاق من المسيحيين اتفاق الطائف بشدّة، ممّا ولّد شعوراً لدى المسيحيين أن الطائف خلا من اية إيجابياتٍ لهم.


تم توقيع هذا الاتفاق من قبل البرلمانيين والحقوقيين اللبنانيين، اي ان الأحزاب والمليشيات التي وُلدت في الحرب وكانت مُشاركة بفعالية في سير الأحداث لم تكن حاضرة في المفاوضات بشكلٍ مباشر. وبالتالي فإن هذا الاتفاق طغى فيه الجانب المثالي/الأكاديمي على الجانب الواقعي/العملي، لكونه لم يأخذ بعين الاعتبار الحقائق التي افرزتها قوى الأمر الواقع على الأرض. وبالتالي فإن الممارسة على الأرض قد ظهّرت الثغرات وبينّت الفوارق بين المبادئ النظرية، والتطبيق.

جاء اتفاق الطائف في جانبٍ اساسي منه ليُعبر عن إرادة الدول الخارجية بالانتهاء من الحرب في لبنان، من اجل تفرّغها، في ذلك الوقت، لمسائل اقليمية ودولية باتت أكثر اهميةً والحاحاً من المسألة اللبنانية.

كان الطائف نتيجةً حتمية لمسارٍ من المطالبات الاسلامية بتعديل الدستور وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني، بدءاً بالوثيقة الدستورية في العام 1976، مروراً بلوزان وجنيف والاتفاق الثلاثي. في العام 1989 كان توازن القوى يسمح بتمرير هذه التعديلات بخلاف سنوات الحرب التي سبقت.

تمتع اتفاق الطائف بغطاءٍ سعودي-سوري شكّل نوعاً من التوازن الداخلي وعبّر عن نفسه من خلال انتخاب الرئيس رينيه معوّض، إلا ان اغتيال الأخير جاء بمثابة إخراج للسعودية من تلك التسوية وتفرّد النظام السوري بتطبيق الطائف على طريقته، وهذا ما أنتج اختلالاً داخلياً لصالح حلفاء النظام السوري.

وبالتالي كان يمكن لتطبيق الطائف ان يكون متوازناً لو استحوذ على إجماعٍ مسيحي كان ليمنح المسيحيين فيتو مجتمعي-سياسي بوجه القرارات التي جرى اتخاذها بمعزلٍ عن مصالحهم.

في العام 1989-1990 تاريخ ابرام الطائف، كانت الأجندة السياسية للطائفتين السنية والشيعية غير متعارضة، وذلك بمواجهة اجندة مسيحية-مسيحية متعارضة، وانقسام مسيحي حاد. اليوم، صار بالإمكان الحديث عن تعارض في الأجندتين السنية والشيعية، في مقابل تقارب مسيحي-مسيحي، حتى ولو كان نظرياً. وبالتالي فإن كل تقاربٍ مسيحي-مسيحي، في مقابل كل تباعدٍ سني-شيعي، يمكن ان يُحسّن الوضعية الدستورية للمسيحيين داخل النظام، ويسمح لهم باستعادة بعض الصلاحيات التي فقدوها، وهذا ما يلمسه الرأي العام اليوم من خلال استعادة رئاسة الجمهورية زمام المبادرة بكل فعالية.

كرّس اتفاق الطائف المناصفة بين المسيحيين والمسلمين عندما كان الانقسام القائم مسيحي-اسلامي. امّا اليوم فإن الانقسام بات اسلامياً_اسلامياً، اي انقسام سني-شيعي، من هنا بدأت بعض الأوساط بالحديث عن المثالثة. لكن من الناحية الموضوعية، يمكن القول إن المثالثة، في ما لو جرى تطبيقها، لا تفي بالمطلوب اسلامياً للأسباب التالية:

1- أحد اهم اركان الميثاق الوطني غير المعلنة هو في إقرار قوانين انتخابية توصل المعتدلين الى السلطة من ضمن لوائح اسلامية مسيحية مشتركة، وهذا الشّق غير المعلن قد شكّل ضمانة للمسلمين بعدم وصول راديكاليين مسيحيين الى السلطة. وبالتالي، فإن المثالثة تعني حكماً سقوط للميثاق الوطني وبروز قوانين انتخابية تحاكي الواقع الطائفي الجديد، وهي قوانين ستكون على غرار القانون الارثوذكسي حكماً. اي ان المثالثة تزيد من عدد النواب المسلمين، لكنها تُقلّص من عدد النواب المسيحيين الذي يصلون بأصوات المسلمين. اي انها تُعطي المسلمين بيد وتأخذ منهم باليد الثانية، وتحول بالتالي دون تمددّهم في الدولة تحت غطاء المناصفة الصُورية.

2- المثالثة لا يمكن ان تخدم الطوائف الاسلامية في ظل الانقسام السني-الشيعي. فهي تُعطي السنة او الشيعة عدداً محدوداً من المواقع، لا تزيد عن 8 نواب لكلٍ منها، وهي اعداد تُعطّل بعضها بعضاً، وكأن شيئاً لم يكن.

3- ما يُبقي اتفاق الطائف حتى اليوم هو الانقسام المذهبي/السياسي السني الشيعي من جهة، وخروج المسيحيين من دائرة الصراع الطائفي مع المسلمين الذي كان سائداً منذ العام 1920، من جهةٍ ثانية. ولو كان المسلمون موحدين بمواجهة المسيحيين، لما ترددوا في المطالبة بتعديل هذا الاتفاق ليتناسب مع رجحان ميزان القوى لصالحهم.

4- المثالثة لا يمكن ان تحصل إلا في ظل توافق سياسي واستراتيجي سني-شيعي، وفي ظل ابتعاد هذا الثنائي عن المسيحيين، وهو ما ليس متوفراً ومتاحاً اليوم.

5- يرفض السنّة تكريس المثالثة عملياً ودستوريا، لما لذلك من تداعيات على تركيبة الدولة اللبنانية بحدّ ذاتها. فالطائفة السنية المبعثرة جغرافياً لا تُحبذّ المسّ بتركيبة الدولة، وإنما تُفضّل ممارسة المثالثة نظرياً، من خلال تفصيل قوانين انتخابية تصب لصالحها. امّا الطائفة الشيعية فهي تطمح لبسط نفوذها السياسي على كامل السلطة في لبنان مستفيدةً من سلاحها من جهة، ومن علاقتها بالجمهورية الإسلامية صاحبة المشروع التوسعي من جهة ثانية، ومن محاولتها تذويب بعض الفئات او الطوائف في اجندتها تحت شعارات وطنية ووحدوية. لذلك، فإن المثالثة قد تُبعد الشيعة عن تحقيق مشروعهم الاستراتيجي عوض ان تُقرّبهم خطوةً منه، وذلك لأنها تُكرّس حقوق الطوائف واستقلاليتها ككياناتٍ سياسية قائمة بحد ذاتها.

انطلاقاً من ذلك كلّه، يبقى اتفاق الطائف بعثراته، وثغراته، ومعوقّات تطبيقه، هو اتفاق توازن القوى القائم حتى إشعارٍ آخر، لو مهما كره الكارهون...والسلام.
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
منصوري يكشف سبب تأخر المصارف بتطبيق القانون 166 9 بعد الإعتداء على محامية وتحرُّك القضاء... إليكم ما فعله الزوج! (فيديو) 5 بعد تغريدة أشعلت المملكة السعودية... وهاب "مُحاصر" بالشائعات! 1
كمينٌ مُركّب لحزب الله... إسرائيل تستخدم ساتر دخاني لسحب الخسائر! 10 إنخفاضٌ في أسعار المحروقات! 6 بلبلة في صفوف قوة الـرضوان والسيّد يتدخل شخصيًا... يا ويلكن ويا سواد ليلكن! 2
إهتمام قطري بآل الحريري 11 "إلغاء تعميم الـ 20 مليون ليرة"... بيان من "الضمان" 7 الساعات القادمة حاسمة... تحرّكات "مفاجئة" تلوح في الأفق! 3
جلسة التمديد تفضح علاقة باسيل بأعضاء كتلته… نائب يتحول إلى ساعي بريد 12 الحلبي يعدّل عطلة عيد الفصح الأرثوذكسي 8 إلى القوات وحلفائها… حان وقت الإستقالة 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر