"ليبانون ديبايت ــ فيفيان الخولي

تسعة أعوام تفصل انتخابات 2009 عن 2018، كانت كافية لخلق ثورة لن يتمكّن أيّ سياسي القضاء عليها لاختراقها الساحة اللبنانية، بجنون، كما لم تستثن في اجتياحها أية خصوصية. هي الثورة الوحيدة التي بإمكانها قتل المرشّح لا الناخبين، إذ للمرّة الثانية تجري الانتخابات النيابية في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن هذه المرّة، هي أكثر حنكة وخبرة، ما جعلها أكثر تأثيراً، الأمر الذي يُقلق السياسيين والطامحين إلى دخول ساحة النجمة.

الباحث عبر صفحات "فيسبوك"، و"تويتر"، و"انستغرام" يلاحظ الكمّ من الحملات الإعلانية الانتخابية التي انطلقت قبل تلك التي تعمُّ الشوارع حاملة الشعارات الرنّانة والخياليّة. وأهم ما يمكن التوقُّف عنده هي قدرة بعض القيّمين على صفحات تتبع لجهة معيّنة أو مرشّح أو سياسي يهوى العودة "للمرة المئة" إلى كرسي البرلمان، على تشويه صورة منافسه، بسهولة، من دون أية رقابة رسميّة معنيّة بالتدقيق في حقيقة هذا التشويه والصفحة، ومن خلفهما.

وبات واضحاً الكمّ الهائل من المال الانتخابي المنتشر عبر هذه المواقع، إذ تشهد الساحات الالكترونية "طفرة" صفحات لمرشّحين عدة، وما إن ينشر القيّم على صفحة أحدهم خبراً لإحدى جولاته "التبشيرية" تنطلق الجيوش الالكترونية الخاصة بمنافسه مسلّحة بالتعليقات الساخرة والفاضحة لحقيقة الأمر. ولا تخمد الحرب إلّا بإعلان انتصار أحدهما الذي يحسمه عدد المشاركين في هذه الحملة، وتأثير أصدائه إعلامياً ضد الطرف الآخر.

حرب انتخابية الكترونية لاحتلال مقعد نيابي تهدّد أي طامح، وما أكثرهم، وهي أقوى من تلك المُعلنة على الأرض، إذ يمكن للمرشح دفع الرشى لبعض الأهالي مقابل أصواتهم، مشترطاً عامل السريّة، لكن تسريب الخبر لمصدر واحد ونشره عبر مواقع التواصل كفيل بتدميره أخلاقياً، وسياسياً.

الجميع يعلم أنّ هيئة الاشراف على الانتخابات هي المخوّلة بمراقبة هذه الحملات والتهجمات، أو عمليات التشويه، التي تزداد حماوة يوماً بعد آخر. وهذه الهيئة مشرّعة قانوناً إلا أنّ دورها لا يقتضي أكثر من كونها شاهد زور، وفقاً للباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، باعتبار أنّه في انتخابات 2009 صُرفت مبالغة طائلة، وجُيّشت حملات إعلانية هائلة ولم تستطع الهيئة أن تقوم بأية خطوة لمكافحة هذا الفساد.

ويوضح أنها مجرّد هيئة تعكس مصالح القوى السياسية التي تعيّنها، وبالتالي، فإن أي موقع الكتروني تابع لجهة سياسية معيّنة ينشر خبراً وهميّاً لن تتمكن الهيئة من التحرك أو اتخاذ أي اجراء ضد المخالفات التي قد يرتكبها. ويضيف أن هيئة الإشراف التابعة للسلطة لا تملك حتى القدرة أو الوسائل التكنولوجية لمواكبة هذا الأمر.

وللمقارنة بين المال الانتخابي على الأرض وعبر مواقع التواصل، يجيز قانون النسبية هذا النوع من المال الذي قد يصل إلى حوالي مليارين ونصف المليار لكل مرشح في بعض الدوائر. حسابياً، يلجأ هذا الطامح إلى العالم الالكتروني لإنشاء موقع أو صفحة تبلغ تكلفتها حوالي ألفَي دولار، أضف إلى راتب موظفين لمدة 5 أشهر (قبل الاستحقاق النيابي) 8 آلاف دولار، يعملان على نشر تحركات المرشح، ومنها لخلق إشاعات ضد المنافس، ما يعني أنّ العملية تكلّف بحدها الأقصى 10 آلاف دولار.

أمّا على الأرض، يضطر المرشح إلى فتح خزانته على مصراعيها تبدأ بـ200 ولا تنتهي بـ800 دولار للصوت الواحد، أضف إلى المشاريع الإنمائية، والزفت، وغيرها الكثر من وسائل الترضية لكسب المواطن. وهنا يبدو واضحاً أنّ الطريقة الأقل كلفة، والأكثر تأثيراً تكمن في ضخ المال عبر مواقع التواصل، لكن ذلك لا يمنع من استخدام الوسيلتين، لكسب فئة عمريّة غير معنيّة بالتكنولوجيا، وأخرى فعّالة ومؤثرة عبر هذه المواقع.

ويشير شمس الدين إلى أن الحل الوحيد لمكافحة هذا النوع من الفساد يكمن في تشكيل هيئة مستقلة من قبل وزارة الداخلية، وتقوم بجميع هذه الأدوار والمهام الرقابية، وبهذه الطريقة لا تكون خاضعة للمحاصصة، كما هي الحال عليه اليوم.