Beirut
16°
|
Homepage
قرار محكمة العدل الدولية بشأن فرض عقوبات أميركيّة على إيران
دارينا صليبا أبي شديد | الثلاثاء 16 تشرين الأول 2018 - 10:02

ليبانون ديبايت - د. دارينا صليبا أبي شديد

في مطلع الأسبوع الماضي، أصدرت محكمة العدل الدولية أوامرها للولايات المتحدة الأميركية لتخفيف العقوبات التي فرضتها على إيران بعد التخلي عن الاتفاق النووي في أيار/مايو 2018.

وقد حكم القضاة بقرار أوّلي على الولايات المتحدة بإزالة "العوائق" لتصدير السلع الانسانية، بما في ذلك معدات الغذاء والدواء وسلامة الطيران المدني. واحتجت الولايات المتحدة واصفةً الحكم بال"هزيمة" لإيران، قائلةً أنها قد أتاحت المعاملات الإنسانية بالفعل.


في ما يتعلّق بالاسنادات التي قُدّمت أمام المحكمة، فبالنسبة لإيران، انتهكت العقوبات المفروضة عليها معاهدة الصداقة والعلاقات الاقتصادية والحقوق القنصلية الموقعة بين إيران والولايات المتحدة عام 1955، والتي تمنح محكمة العدل الدولية الاختصاص بفضّ النزاعات.

وقالت أيضاً أن الأسباب التي ذكرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإعادة فرض العقوبات لا أساس لها، لأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أكدت مراراً وتكراراً أن إيران تمتثل لشروط الاتفاق النووي الذي وقعته طهران عام 2015 مع القوى العالمية الست.

وجادل المحامون الأمريكيون أن لا اختصاص لمحكمة العدل الدولية في هذا المجال وأن التأكيدات الإيرانية تقع خارج حدود المعاهدة.

وقد أكدت محكمة العدل الدولية سابقاَ أن معاهدة عام 1955 صالحة حتى ولو وُقّعت قبل ثورة عام 1979 في إيران، التي شهدت الإطاحة بالشاه المدعوم من الولايات المتحدة وأدّت إلى أربعة عقود عداء بين البلدين.

وقد رفض الفريق المؤلف من 15 قاضي دعوة إيران بالأمر بإنهاء العقوبات الأميركية دون تأخير، وتعويض الولايات المتحدة خسائر إيرادات إيران التي قد تكبدتها.

وأقرّت محكمة العدل الدولية بالإجماع بأن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تضمن منح الرخص والتصاريح اللازمة، وأن الدفعات والتحويلات المالية يجب ألا تكون خاضعة لأي قيود، وألا تعيق العقوبات وصول السلع الإنسانية إلى إيران، وضمان سلامة الطيران المدني وحركة الملاحة الجوية.

وهذه في الواقع المرة الأولى التي يأمر القضاة الدوليون على ما قد يوصف بأنه حالة من "الحرب الاقتصادية".

الجدير بالذكر هو أن هذا القرار جزئي وقد صدر استجابةً لطلب عاجل لإيران قبل الجولة الثانية من العقوبات. وبإمكان هذا القرار أن يشجع الشركات الأوروبية، التي كانت قد توقفت عن التجارة مع إيران إعادة النظر في موقفها.

وقالت وزارة الخارجية الإيرانية، في بيان نشرته وكالة "تسنيم" للأنباء: "يثبت القرار مجدداً أن الجمهورية الإسلامية على حق وأن العقوبات الأمريكية ضد أبناء ومواطني بلدنا غير قانونية وقاسية". ولكن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو اتهم إيران بالإساءة إلى محكمة العدل الدولية لتحقيق غايات سياسية معلناً أن الولايات المتحدة أنهت "معاهدة الصداقة"، مضيفاً أن هذا القرار أتى متأخراً 39 عاماً. وقال أيضا أن الولايات المتحدة لديها أدلة "صلبة" أن إيران هي المسؤولة عن الهجمات الأخيرة ضد القنصلية الأميركية في مدينة البصرة العراقية والسفارة في بغداد.

وقد نصّ الاتفاق الذي وقّعته الدول الكبرى وإيران في فيينا عام 2015 لتحديد مسار البرنامج النووي الإيراني تحت رقابة صارمة بأن تحُدَّ "الجمهورية الإسلامية" من أنشطتها النووية المثيرة للجدل مقابل تخفيف العقوبات الدولية على طهران. ولكن بحسب الرئيس الأميركي ترامب "فشلت الاتفاقية في تحقيق الهدف الأساسي المتمثل في حظر كافة المسارات لقنبلة نووية إيرانية" كما أنها لم تتناول "الأنشطة الخبيثة لطهران، بما في ذلك برنامجها للصواريخ البالستية ودعمها للإرهاب".

في محاولة لحمل إيران على الموافقة على اتفاق جديد، أعاد الرئيس الأميركي فرض عقوبات تستهدف شراء الحكومة الإيرانية الدولار الأمريكي والتجارة الإيرانية للذهب وغيره من المعادن الثمينة وقطاع السيارات.

في تشرين الثاني/نوفمبر، ستكون هنالك دفعة ثانية من العقوبات المدمرة على النفط الإيراني وقطاعات النقل البحري، فضلاً عن البنك المركزي. وتعهدت الأطراف الأخرى للاتفاقية بالتزامهم بهذه الصفقة (المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، والصين وروسيا)، ولكن العديد من الشركات قد انسحبت من إيران.

المهم أن الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية ملزمة في الأصل ولكن المحكمة لا تملك وسائل لتنفيذها. صحيحٌ أنها الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وتسوية المنازعات القانونية بين الدول الأعضاء. ولكن في الماضي، تجاهلت معظم الأمم أحكامها.

فنظام المحكمة الدولية هو تطوّر حديث في القانون الدولي وقد بلغت ذروته في نهاية القرن العشرين بموجب "معاهدة روما" التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية. إستندت محكمة العدل الدولية على سابقة مهمة: "المحكمة الدائمة للعدل الدولي" (التي كانت تابعة لعصبة الأمم)، وهي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة. مقرّها في قصر السلام في لاهاي (هولندا). بإمكان فقط "الدول" أن تمثل أمام محكمة العدل الدولية في القضايا الخلافية، وذلك بعد موافقتها، في الحالات التي تختلف فيها الأطراف على نقاط قانونية أو وجهات النظر القانونية، نشير بالذكر هنا أنه مجرد أن تكون دولة عضواً في الأمم المتحدة تكون تلقائياً عضواً في المحكمة.

كما بإمكان أجهزة ووكالات الأمم المتحدة (مجلس الأمن، الجمعية العمومية، منظمة الصحة العالمية...) التماس آراء استشارية من المحكمة في المسائل القانونية المحالة إليها، وتشمل هذه الحالات التي يسعى جهاز من أجهزة الأمم المتحدة أو وكالة متخصصة توضيحاً مكتوباً من المحكمة فيما يتعلق بمعنى أو تفسير لكلمة أو عبارة، أو لشرط وارد في معاهدة أو صك قانوني ما، يشكل خلاف بين الدول.

وكثيراً ما قد أشارت المحكمة إلى أن ولايتها تتوقف على إرادة الأطراف. فإنّ النظام الأساسي للمحكمة يشترط لتحقيق ما يسمى «اختصاص الإلزام الأساسي» اعتماد أحد الأساليب التي نصّت عليها المادتين 36 و37 من النظام الأساسي للمحكمة (Statute of the ICJ)للتعبير عن إرادة الدولة باللجوء إلى المحكمة من أجل منازعاتها القانونية بواحد من الأساليب الثلاثة التالية: الاتفاقات الخاصة، أو التعهد المسبق، أو التصريح الاختياري. وهو نتيجة طبيعية لمبدأ المساواة في السيادة بين الدول، وفي غياب أحكام مخالفة. وهناك طرق أخرى من خلالها يمكن لدولة ما الوصول إلى محكمة العدل الدولية بشروط معينة كالقبول بالتزامات كل عضو في الأمم المتحدة بحسب المادة 94 من الميثاق، والتعهد بالمساهمة في نفقات المحكمة. وتقرّر المحكمة وفقاً للمعاهدات الدولية والاتفاقيات السارية، والأعراف الدولية، والمبادئ العامة للقانون والقرارات القضائية.

إن إحدى أكبر التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي هي عدم الامتثال للالتزامات الدولية بشكل عام. والقصور الجزئي (وهو مهم للغاية) يتمثّل بصفة خاصة بعدم إمكانية تنفيذ الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية باعتبارها الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة. وتُعتبر مشكلة تنفيذ القرارات القضائية في إطار النظام المؤسسي والحلّ السلمي للنزاعات الدولية ظاهرة تهدّد سلامة هيئة قضائية دولية وسلطتها وصلاحيتها. كما أنه يُضعف أيضاً استقرار الإجراءات القضائية الدولية والسلم والأمن الدولي.

يتمثل أحد المبادئ الأساسية المتعلقة بالامتثال للالتزامات القائمة في العلاقات الدولية في مبدأ "احترام المعاهدات" pacta sund servanda ذات الصلة بمبدأ "النية الحسنة" bona fides (مراعات الاتفاقيات والالتزامات بحسن نية). وهو مذكور في عدة وثائق دولية مثل المادة 26 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التي اعتُمدت في 6 مايو 1969 (Vienna Convention of the Law of Treaties).

ووفقاً لهذه المادة ، يجب أن يكون أي اتفاق (أو اتفاقية دولية) ملزماً بين الأطراف، وأن تُحترم بحسن نية الالتزامات الناشئة عنه. تُشكّل هذه المبادئ جزءاً من الأسس التي تقوم عليها العلاقات الدولية وتعاونها بشكل صحيح. فإن الاعتراف العالمي بهذا المبدأ يعود إلى تاريخ اعتماد ميثاق الأمم المتحدة (1945) باعتباره الوثيقة الأساسية التي تحكم عمل الأمم المتحدة (المادة 26) بالرغم من أنه يضع الميثاقية في إطار "المثالية النموذجية".

إحتكار تنفيذ أحكام محكمة العدل الدولية هو من اختصاص مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. البند الأساسي الذي يتعلق بهذه المسألة هو المادة 94، الفقرة 2 التي تنصّ على أنه في حال عدم امتثال الدولة لمجلس الأمن ، في ظل شروط معينة (من جانب مقدّم الطلب) يُمنح المجلس الحق في استخدام الإكراه لتنفيذ القرار. ووفقاً لنص المادة عينها، يتصرف مجلس الأمن بناءً على مبادرة من الطرف المتضرّر. فإنه يترتّب على ذلك عدم إمكانية مجلس الأمن التدخّل ما لم يكن هناك شكوى معيّنة من الضحية التي تضعه في موقف الكيان غير التلقائي المُخوَّل لإنفاذ القانون الدولي.

إذا شكّل عدم الاذعان للحكم أو الرأي الاستشاري تهديداً للسلم والأمن الدولي، بإمكان الطرف المدعي، التوجه إلى مجلس الأمن الدولي واستصدار قراراً منه، يزيل الضرر الذي ألحقه به الطرف الرافض لحكم محكمة العدل الدولية وفقاً للمادة 39 من الميثاق من الفصل السابع المتعلّق بحالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان، بحيث يمكنه أن يقرّر ما يجب اتخاذه من تدابير لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه. ومع ذلك ، إذا كان هناك حاجة إلى استخدام القوة في سياق الالتزام غير الدولي ، فيجب على مجلس الأمن أن يعمل بموجب المادتين 39 و 94 الفقرة 2، مما يعني أنه يمكنه التصرف بشكل مستقل ودون استهلال الخصوم. بيد أن هذا يتعلّق بالتدابير المرتبطة باستخدام القوة ، حيث أن مجلس الأمن وحده الذي يحتكر منح الإذن باستخدامه (إذا لم نحسب إمكانية الدفاع عن النفس) والتنفيذ اللاحق للتدابير وفقاً للمادتين 41 و 42.

عاملٌ آخر يحدّ من فعالية عملية تنفيذ قرارات المحكمة هو حق النقض الذي يُمنح للأعضاء الخمس دائمي العضوية. وهذا يعني أنّ تنفيذ القرارات متعلّق بإرادة بعض البلدان (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، روسيا، الصين وفرنسا). لكل من هذه الدول الحق في منع تنفيذ تدابير بموجب الفقرة 2 من المادة 94. ألمشكلة التالية هي إذا كان العضو الدائم في "مجلس الأمن" للأمم المتحدة طرفاً في النزاع. فقد تفشل هذه البلدان بتطبيق الإجراءات القسرية المتخذة للامتثال للقرار المشار إليه في الحكم.

وأخيراً، نظراً لتاريخ عمل منظمة الأمم المتحدة، وتجاهل الولايات المتحدة وإيران السابق لقرارات محكمة العدل الدولية، إذ كانت هناك عدة حالات مماثلة من تضارب للمصلحة الوطنية مع مصلحة المجتمع الدولي في مراعات الالتزامات الدولية، نرى في نهاية المطاف أن ذلك يقلّل من إمكانية تنفيذ القانون الدولي واحترام الالتزامات الناشئة عن الحكم الصادر من محكمة العدل الدولية. ويبقى السؤال الأخير: إذا جاء القرار النهائي لمحكمة العدل الدولية لمصلحة إيران، كيف سيتصرّف المجتمع الدولي لفرض احترام القانون الدولي؟
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
منصوري يكشف سبب تأخر المصارف بتطبيق القانون 166 9 بعد الإعتداء على محامية وتحرُّك القضاء... إليكم ما فعله الزوج! (فيديو) 5 بعد تغريدة أشعلت المملكة السعودية... وهاب "مُحاصر" بالشائعات! 1
كمينٌ مُركّب لحزب الله... إسرائيل تستخدم ساتر دخاني لسحب الخسائر! 10 إنخفاضٌ في أسعار المحروقات! 6 بلبلة في صفوف قوة الـرضوان والسيّد يتدخل شخصيًا... يا ويلكن ويا سواد ليلكن! 2
إهتمام قطري بآل الحريري 11 "إلغاء تعميم الـ 20 مليون ليرة"... بيان من "الضمان" 7 الساعات القادمة حاسمة... تحرّكات "مفاجئة" تلوح في الأفق! 3
جلسة التمديد تفضح علاقة باسيل بأعضاء كتلته… نائب يتحول إلى ساعي بريد 12 الحلبي يعدّل عطلة عيد الفصح الأرثوذكسي 8 إلى القوات وحلفائها… حان وقت الإستقالة 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر