"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

لم يكُن هدوء النّائب السّابق وليد جنبلاط بعد فراغه من "غزوة" بيت الوسط "ساعة تخلٍ" بقدر ما هو فعل مرسوم مسبقاً جاء كنتيجة طبيعية لتدخلات على أكثرِ من خط سياسي ودبلوماسي، أفضت في النهاية إلى سحبِ ذيول التوتر وإرساء قاعدة الهدوء النسبي.

النتيجة أعلاه جاءت بعد إدراك جنبلاط أنه أوصل الرسالة التي عليه أن يوصلها إلى من يعنيهم الأمر، وإن دولاً وجهات معنية بالملف اللبناني، فهمت أن "وليد بك" ليس لُقمة سائغة تؤكل في ظرف حساس، بل هو "مشروع مشكل" في حالِ مس به و بموقعه. أما الآن وبعد أن أفرغ ما في جعبته، تراجع عن الخطوط تاركاً سبل المعالجة ورسم خطوط الطول والعرض إلى حشدٍ من أركانه من جهة، والرعاة من جهةٍ أخرى.

أمرٌ آخر، أن جنبلاط الذي ثبت لديه بالوجه الشرعي أن الحريري "يشذ عن القاعدة"، كان لا بد له من القيام بحركة تعيد "سعد" إلى "بيت أبيه"، وهو المدرك قطعاً أن إرسال "وجبة إنتقادات" صوب حليفه القديم، لها أن تحدث ركلجة من قبل القيمين على رئيس الحُكومة سياسياً، وهذا يعني أن "َغزوة جنبلاط" كانت منسقة الأهداف ومحسوبة سلفاً وجاءت كفعل ضروري.

لم تكن الزيارة الخاطفة التي قام بها وزير الصناعة وائل أبو فاعور إلى الرياض "عابرة" أو خارجة عن سياق الإشتباك والأهداف من وراء ذلك، بل جاءت متزامنة مع حركة السّفيرة الأميركية في بيروت، إليزابيث ريتشارد، التي هرعت يوم حمل جنبلاط على الرّئيس الحريري إلى كليمنصو مستفسرة. كل هذه التفسيرات تقود إلى مدى التأهب الذي تكون على ضفاف طرق جنبلاط على حديد التوازنات الدقيقة.

الحديث دارَ بعد الزيارة حول ما وضعه زعيم المختارة في عُهدة السّفيرة الأميركية. ثمّة من يقولُ أن "البيك" اشتكى "ظلم ذوي القربى" وأن خروجه عن "السمع" إلى "الصراخ العالي" لم يكن ليكون لولا دخول تعديلات على خط الحريري السياسي، فسرها بتغريدات لاحقة تحت عنوان "باريس ٢"، وكأنه أراد أن يجري هندسة على رئيس الحكومة، ولو أنه لم يرى جنوحاً حريرياً في الأفق قد يؤدي إلى حدوث خلل سياسي، لما ثار هذه الثورة.

السفيرة ريتشارد المتفهمة لهواجس جنبلاط والتي تعده سيبة تحالفها اللبناني، دعته إلى الهدوء كي لا تخرج تفسيرات يستفيد منها خصومه، ثم ترك سبل المعالجة إلى من لهم قدرة عليها.

بالتوازي، كانت السعودية مهتمة بقفز جنبلاط إلى خطوطِ التوتر العالي وبنفس الوقت متخوفة من إحتمال إستدارة قد يقومُ بها كنتيجة لتضارب التيارات، لذا كان من الضروري أن تسمع الهواجس وتدخل طرفاً في حَل المشكلة.

كلف "البيك" الوزير وائل أبو فاعور الذي يحمل صفة "المعاون السّياسي" عرض وجهة النظر الجنبلاطية أمام القيادة السعودية التي تحولت في الفترة الأخيرة إلى تفضيل نموذج السماع عن قرب وليس عبر الواسطة.

ثمّة من يسألُ عن سبب ذهاب أبو فاعور إلى الرياض وليس السّفارة التي تقع على مرمى حجر من كليمنصو؟ ليأتي الجواب أن الملف اللبناني سعودياً بعد "ثامر السبهان" أمسك من قبل المستشار الملكي نزار علولا يساعده مدير المخابرات خالد حميدان، لذا كان الخيار أن يطلقَ العنان لما في البطون في البلاط وليس في السّفارة.

تسرب أوساط أن المسؤولين السعوديين سمعا من أبو فاعور ما لذ وطاب من معلومات حول الأزمة مع سرد قيم "يبنى عليه"، ليتكفلان بالإستناد إلى ما باتَ بين أيديهم، بالمعالجة على قاعدةِ "حقن الدماء عند الحلفاء"، وطبعاً متى طلبت المملكة من "الشيخ سعد" فهو يلبّي، لذا تحرّكت الموجات من بين الخطوط لترسو أخيراً على ضفافِ الهدوء المرصّع بعبارات الغزل وأمجاد العلاقات القديمة، وتعيد جمع الطرفين إلى طاولةٍ تُفيد المعلومات أن لجانها تشكلت لـ"النقاش الصريح بعمق الأزمة ومنع حصول أي تجاوز للهدنة في الأوقات القادمة".

اللّافت في ذروة الإنتفاضة التي شنّها جنبلاط، أن خصومه في الطائفة الذين يتموضعون على طرف نقيض من الحريري، نأوا بأنفسهم عن الأزمة وتراشق الكلام، رغم أن جنبلاط أدخل البعد الدرزي في المُشكلةِ، وبدوا في لحظةٍ كما يدعو إلى "إرساء المصائب وإبعاد المصلحين".