ليبانون ديبايت - عبدالله قمح

إقتنعَ وليد جنبلاط أخيراً أن "أنتيناته" صدئة وبلغها العمر؛ إجمالاً نستطيعُ القول الآن أنّ "البيك" أخذَ وبعد طولِ إنتظار بنصيحة "السّيد حسن" ثم شرعَ عبر تويتر في تدشينِ ورشةٍ إستبدلها من دونِ إجراء مناقصة عاهداً أعمال التّلزيم إلى نفسه.

إنتقى الزّعيم التّقدمي الإشتراكي من ورشةِ التكنولوجيا "دِشاً" عملاقاً ليحلَ مكان "الأنتينات".. تبدو الأمور صعبة عند "البيك" هذه الأيّام، حيث إستلزمَ تطوره إختيار أكبر صنفٍ من "الدِشّات" كي يفي بالغرض! أمر لا يبعث على الخير أبداً، ويدل إلى أحوالِ البيك الصّعبة، حيثُ باتَ يحتاج إلى أجهزةٍ عملاقة كي يلتقط الإشارات.

يضحكُ قطبٌ سياسي حينَ يشاهد "تغريدة وليد" الباعثة عن "دِش"، ثم يبدأ النظر في أحواله. يقرّ بصعوبة التقاط الإشارات في ظل أجواء ملبدة بالغيوم، لكنه يرتاب من إختيار "سيد المختارة" لأرفع نظام تكنولوجي في العالم كي يساعده في تحديد مسار الأمور ووجهتها، وذلك إنما ينم عن تراجعٍ بالغٍ في القدرات.. عموماً، أن تأتي متأخراً خيرٌ من أن لا تأتيَ ابداً.

قد يبعث تطور البيك الأخير على ظنون تراود حامليها، من أن الصعوبة التي فرضت تعزيز القدرات التكنولوجية ترتبط حصراً بالسعي خلف التقاط ذبذبات السيد حسن نصرالله، والتقدير هذا يصح حين تُقاس أعداد ساعات النهار التي يقضيها "البيك" في تناول الردود على "السيد"، بشكلٍ مباشر أو بالواسطة أو بالمواربة، إن عبر توتير أو تسريبات صحافية أو من خلال مقابلات أو تحركات سياسية يتلقّى نوابه أوامر تنفيذها.

عند النّقاط أعلاه يصبح واقعياً القول أن نصرالله تحول بالنسبة إلى جنبلاط بمثابة هاجس أو هو أقرب إلى كابوسٍ سياسيٍ يراوده، ما حمل القطب ذاته عن الحديث حول "أمورٍ مبهمة سياسياً قد يكونُ يخفيها جنبلاط لنصرالله"، سارداً جملة تشابيه مستمدة من زمن إنقلاب "البيك" على "زعيم الشّام" وتحطيم صورته في بيروت، على صورة المساهمات الكلامية عالية السقف.

ما يبعثُ على ذلك، التّمحيص والتدقيق الجاريين في طريقةِ مواكبة جنبلاط لأزمتين أساسيتين: معمل عين دارة وحادثة البساتين - قبرشمون. من الواضح وفقاً لما تكوّن، أن مشيئة جنبلاط تكمن في تحويلها إلى قضيةِ نزاعٍ "شخصي" مع نصرالله.

في أعقابِ قضية عين دارة، إرتكزَ جنبلاط في ردود فعله على محاولة التّقليل من قيمة حزب الله "السّاعي خلف معمل فتوش" وفق تقديره. يحمل مثل هذا التصرف نوايا حول تصغير وتوهين القضايا الإستراتيجية ذات الإهتمام بالنسبة إلى الحزب وجعل "معمل ترابة" مرادفاً لها، وهو أسلوب متقن يعملُ جنبلاط على نشره وتوظيفه في إظهار "دونية" و "تسخيفاً" لقدرات الحزب الباعثة على فضِ تفاهمات إكراماً لـ"معمل تربة"!

ثم أن جنبلاط لفح نصرالله في مناسبتين بإنتقادات تحمل أبعاداً شخصية ما فوق السّياسية. الأولى رددها من على درجِ بيت الوسط حين قال: "مش حلوة بحقك يا سيد أن تنتهي بالمطالعة الكبيرة من اليمن إلى السعودية إلى إيران بالحديث عن فتوش!" والثّانية حين شكره (أي نصرالله) لتفرغه وإعطائه من وقته، في ظلِ الصراع الكبير بينهم وبين الأميركيين. إذ يبدو أنه يهتم كثيراً بحادثة البساتين".

في المناسبتين ، أرادَ جنبلاط التّلميح إلى "دونية" في التّفكير لدى قيادة حزب الله، وبدا أنه يستعمل ذلك في سبيلِ مشروع "تهشيم صورة نصرالله"، من قيادي قطب يأخذ في المسائل الإقليمية على درجةٍ عالية من الإهتمام، إلى رجل يتفرغ لقضايا معامل تربة وما شاكل.

ثم أن جنبلاط، بيّنَ لمتابعيه وزواره، أن نصرالله يدرج العلاقة ويرسم حدودها معه على قاعدة حدود "معمل فتوش"، ووفقاً لهذه المضبطة يصبحُ مسار تصحيح العلاقة مع الإشتراكي لا يمر إلّا بسلوك مضيق عين دارة - الأرز.

وفي هذا التوقيت، كان "الإشتراكيون" على وزن نواب ومسؤولين، يتقصدون تسريب أجواء إلى عدد من وسائل الإعلام، توحي أن إرتماء حزب الله في أحضان عين دارة، تقف خلفه أسباباً تجارية قائمة من باب الشراكة في المعمل بين الحزب واستطراداً نصرالله وبين آل فتوش، إنما ذهب أبعد من ذلك حين ألصق المعمل بمصالح الحزب شخصياً، ما جعل القضية أمام العامّة كمن يسعى إلى جناية مصالح مالية أو هو ساعٍ للدخول في مضاربةٍ تجارية مع جنبلاط، هذا بالضبط ما يسوقه "البيك".

كل هذه الأمور التقطَ إشاراتها أحد ساسة ٨ آذار باعثاً برسالة "مكتوبة" إلى "السّيد" ينذرهُ فيها من مغبة عدم الإلتفات إلى أساليب الشخصنة التي يعتمدها "وليد جنبلاط" ضدّه ، وأنه قد يكون يرمي من وراء إستهدافها إلى إسقاطاتٍ شخصية، مذكراً بمبلغ الـ٥٠٠ مليون دولار الذي صُرِف على وسائل إعلام معروفة في خدمةِ "تهشيم" تلك الصورة.