Beirut
16°
|
Coming
Soon
Coming
Soon
بلديات
الرئيسية
الأخبار المهمة
رادار
بحث وتحري
المحلية
اقليمي ودولي
أمن وقضاء
رياضة
صناعة الوطن
ورثة بشير... من حراسة الجمهورية إلى حراس الأحراش
قاسم يوسف
|
الخميس
19
أيلول
2019
-
7:04
"ليبانون ديبايت" - قاسم يوسف
رفض بشير الجميّل المنطق البليد للسياسة اللبنانية التقليدية، ورفض أيضًا سرديات التراكم المتدرج والصبر الاستراتيجي والعض المرحلي على الجراح المثخنة. أراد منذ طلته الأولى أن يقلب كل الطاولات ويتجاوز كل السقوف، وأن يقفز كما يقفز المغامرون وهم يمارسون هواياتهم القاتلة، وقد قفز بالفعل إلى حتفه، لكنه ترك أثرًا لا يزال شاخصًا وحاضرًا ومؤثرًا، وترك معه تلك الصورة العميقة التي تكتنز جدلية الالتحام بين الضدين: القداسة الناجزة، والشيطان الذي لا بد منه.
جسّد بشير تلك الجدلية الرشيقة وذاك التوثب المستدام نحو تحقيق الجانب الأكثف من الماروناوية المشتهاة، قبل أن يعود ويرتطم بسقف المعادلة المستحيلة، فصار في وصوله وفوزه ثم في اغتياله وشطبه، علامة فارقة وحقيقة مؤكدة، لكن النتيجة كانت مباغتة ومزدوجة، حيث لامست في شهر واحد قمة الانتصار ومنتهاه، وأقصى معالم الهزيمة والإحباط والانكسار.
ثمة مذاك ركيزة ترسخت في خلفية العقل السياسي والوعي الجماعي، حيث صار للتاريخ حدًا يفصل ما قبل بشير عمّا بعده، فيما أخذت التداعيات الإنهيارية تتجاوز إمكانية التأسيس على النتائج، إلى ما يشبه الهزيمة المتدحرجة والهاجس المصحوب بالذعر الوجودي، وهنا تمامًا حضرت المعضلة الكبرى، فغرقت الأحلام في أزقة التخبط والعشوائية والصراع على الفتات، واستحالت الصورة الكارثية موزعة بين السجن والنفي والمقاطعة، وبين فيض من الإحباط والمظلومية واللايقين.
أمس كما اليوم، يعيش ورثة بشير ما تبقى من حياتهم السياسية والوطنية في هاجس تجربته التي لم تبلغ أشُّدها، وهم إذ يتنازعون بين الاحتفاظ بالخط التاريخي للمارونية العميقة، وبين الاندماج في أحلاف الأقليات، فإنهم يُغفلون وظيفتهم المحورية في إعادة انتاج دورهم كأهل دولة وكصنّاع رأي وسياسات، ويُغفلون أيضًا أن حضورهم في التركيبة السياسية لا بد أن يتجاوز منطق المصلحة والمحاصصة إلى مصاف الواجب التاريخي الذي يُحتّم عليهم الخروج من كنف الاشتباك الاقليمي إلى رحاب اللبنانية المجردة، ومن إدارة الأزمات إلى ابتكار حلولها، ومن الارتصافات العامودية إلى نقطة اللقاء.
ليس لهذا الكلام أي وقع في معركة حامية الوطيس، الكل يبحث عن حضوره وعن حصته، غير آبهين بانهيار الدولة وتردي الحريات وتقلص السيادة وانعدام الأمل، دخلوا جميعهم، وإن بنسب متفاوتة، في لعبة الاستحواذ على مكتسبات واهية، وفي سباق ممنهج نحو ضرب تنوعهم وصولاً إلى ما يشبه الشطب والإلغاء، حتى بدا أن اتفاق معراب الشهير كان ينطوي على بند سري ووحيد يقضي بتقاسم المغانم، وهذا بحد ذاته كبوة تفوق كل كبوة.
أهمية بشير القصوى لم تكن في ما فعله أيام الحرب، بل في ما كان سيفعله عقب وصوله إلى سدة المسؤولية، حتى شاع حينها أن الدولة برمتها سلكت درب الاستقامة، وأن الرئيس يتحضر مع كوكبة من المحترفين والمتخصصين للشروع في صناعة مستقبل أفضل، وقد قرر يومذاك أن يُعيّن مُسلمًا مُستحقًا في حاكمية مصرف لبنان، بعد أن راح يُردد أمام غلاة قومه: يكفي المسلمين قهرًا أنني أصبحت رئيسًا للجمهورية.
يترك حراس الجمهورية وورثة بشير كل هذا الإرث ويبحثون خلف تحقيق المناصفة الكاملة قبل تعيين حراس الأحراش، وهم بذلك يظنون أنهم يربحون أو يزرعون، لكن فاتهم أن من يزرع الريح لا بد وأن يحصد العاصفة.
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News،
اضغط هنا