"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

قَتَلَ الشّعبُ بُعبعاً إسمُه السّكوت. قطَّع جثَّتَه إِرَباً إرَباً. قريباً سيرقصُ باشلائِها في شوارِع الوَطَن. هذا ما تحمِلُهُ الآتياتُ من الأيام عَدا السّهو والغَلَط.

في هذا الخِضَمّ، لَن ينفَعَ أحدٌ اتّهام الشّعب بأي طابور. طابور واحِد ربّما يفيدُه ولو لمرَّة أن يتّهمَ ذاتَه هو طابور السلطة. ولكن ماذا تنفعُ اليوم تلاوة فِعلِ النّدامَة؟ لبنان في البئر.
تماماً مثل يوسف. حكّامُه دفَعوا بِه إلى القعر. الغريقٌ يُدعَى لبنان ومعه عائلَة مِن أربَعة ملايين مواطِن. يوسف الغَريق هذا سيُدخِلَنا مُدُناً جديدَة هي مدنُ الغَضَب.

سنشهَدُ عَلى يافِطاتٍ يكتُبُها الفقرُ والمرض. المَرضى والفقراء والعاطِلون عن العَمَل. التجّار والصناعيّون والمعلّمون. المهندسون والمحامون والأطباء. كلّ المتعلّمين والأميين سيكتبون يافِطَة واحِدَة. إرحَل! إرحَل!

إرحَل يا مَن سَرَقتنا. يا مَن نَهبتَ أحلامَنا. مَن قطفتَ ثِمارَنا. من زرعتَ يأسنا وبؤسَنا. إرحَل نائِباً. إرحَل وَزيراً. إرحَل مديراً أو موظّفاً أو أجيراً أو ضابِطاً . إرحَل!

ذَبَحَنا المقرَّبون والمُعَيَّنون والمَعنِيّون في الحَديقَة الخلفيَّة. ذَبَحتنا الأصولُ والفروعُ والجذوعُ والغصونُ تستجمُّ في الحَديقَة الخلفيَّة . نستحلفُ رئيس الجمهورية بأولادِنا وأحلامِنا ورَجائِنا المَذبوح أن يجمَّها فلا تستَجِمّ. يصوّرون الحديقَة غنّاءً وبالألوان. نحن يا فَخامَة الرئيس نعيش في حديقَةِ جمهوريَّة قاتِمَة. في وَطَنٍ سُدَّت فيهِ النّوافذ. مسكَن جَماعي دونِ شُرُفات. يطلُّ عَلى الخَيبَة ومُحكَمُ الإقفالِ كزنزانَة.

لا يضرّنا الإعتراف يا فَخامَة الرئيس في لحظةِ تجلٍّ بأننا أمَّةٌ متسوِّلَة. دولَة عقيمَة. إدارَة سَخيفَة. الأسوأ أنها تعتاشُ من كارِ التسوّل. إقتِصادُنا كانَ رَيعيّاً. يعيشُ مترَجّياً كَرَمِ المُحسِنين. مِن الحلول التي نصلّي مسبحة الورديَّة حتى تتحقّق، أن تنعَم علينا دولَة أجنبيَّة بوَديعَة. يا خَجلَتَنا ! نعيش عَلى إحسانِ السِتّ " وديعَة " فيما يركبُ العُصاةَ المَعاصي من غير مبالاة.

في عزِّ التسوّل نجدُ أغلَب الطبقة السياسيَّة تَهدُر وتسرُق وتأكل من لَحمِ الفقراء. وبَدَل أن يواكِبَكَ حرّاسُ الحَديقَة الخلفيَّة في حلمِكَ الوَطني الكَبير دَخَلوا في صِناعَة المَفروشات السياسيّة الصغيرَة وتخصّصوا بالكَراسي. كَراسي كَراسي يا فَخامَة الرئيس. لا مؤامرات ولا دسائِس ولا متربّصين ولا نمّامين. فقط " موبيليا " في الحديقَة الخلفيَّة.

أحطتُم أنفسَكُم بالصالِحين. لَم يَكونوا الكثرَة الكاثِرَة للأسف. سلّمتم شِعاراتِكم للمتنبّي. يمدحُكُم للسلطَة. يَهجوكُم خارِجَها. تمَّ الإقتِصاص مِن مناقبيَّة الصالِحين بسرعَة. أضطُهِدوا مِن أجلِكُم يا فَخامَة الرئيس. ضُرِبوا وشُتِموا وسُجِنوا في أيام النّضال. نُبِذوا وطُرِدوا وفُصِلوا في أيامِ القِطاف. عومِلوا كأنهم مُصابونَ بالكوليرا. الكوليرا فخامَة الرئيس هو تحوّل مشروع الوَطَن الذي حمّلتنا إيّاه إلى مشروع " موبيليا " ما عدنا نحتمِله.

فَخامَة الرّئيس. لَقَد وَعدتم بتسليمنا وَطناً بعد ثلاث سَنوات حالُهُ أفضَل من أيامِنا هذه. هل تبدأ تباشيرُهُ بأزمَة طَحين وبنزين؟ هَل يبدأ الوطن المَوعود بأزمَة نَقد وعَجز وديون وفساد صارَت مَضرَب مَثَل يُدرَّس في جامِعات العالَم؟ هل يبدأ بالبَطالَة والهجرَة وأقساط المَدارِس وفواتير المستشفيات؟ هل يبدأ بالبواخِر والمَطامِر والتلوّث وكَساد المَواسِم؟ هل يبدأ بالإضرابات والإحتجاجات وحرقِ الإطارات؟ هل يبدأ بتَجويع الجيش والإمتناع عَن تَوقيع بريدِه الإداري؟ نحنُ ركّاب السفينَة. إلى مَن نتوجّه باللوم؟ إلى الفنيّين في غرفَةِ المحرِّك أم إلى القبطان؟ لقد ارتضيتَ يا فَخامَة الرئيس مهمّة القبطان وها نحنُ نشاهِد ثقوبَاً في بَدَنِ السفينَة أفلا تُعطينا على الأقل إِذناً شرعيّاً باللومِ والعِتاب؟

"يستَطيعُ العالَم أن يَسحَقني لكنّه لَن يأخذ تَوقيعي ". حفِظنا كلامَك عَن ظَهرِ قَلب طوال مدّةِ إبعادِك. اليوم يقول لكَ الشّعب أن الدولَة التي ترأسها تستَطيع أن تسحَقَهم لكنّها لَن تأخذ تَوقيعَهُم. فَخامَة الرئيس. أي خطوَة شجاعَة سَتكون محطّ تَقديرِنا البالِغ. لا تأخذوها رَجاءً وأنتم برفقَة الأصولِ والفروع والغصون في الحَديقَةِ الخلفيَّة. وحدها حديقَة الوَطن تحفظَ مهابَة حديقَة القصر.أطلُب إجتماعاً واحِداً مع أعزّ من لَديك. ضَميرُك. بعدَها نحنُ جاهِزون للغرَق متَمِّمينَ كل واجِباتِنا الدينيّة.