Beirut
16°
|
Homepage
عصفُ الثورة مسيحيًّا
ايلي بدران | الخميس 21 تشرين الثاني 2019 - 3:00

"ليبانون ديبايت" - ايلي بدران

احدَثَت الثورة في النسيجِ اللبناني تبدّلات جذريّة، قد يكون ابرزها إجماع اطيافِ المجتمعِ المُتَنَوِّعِ على مطالبٍ اجتماعيّةٍ اقتصاديّةٍ، بعيدة كلّ البعد من السياسةِ والاحتجاجاتِ في الدول المحيطة.

للمرّة الثانية، يَنتَفِض الشارعُ الشيعيُّ مطلبيًّا بعد "ثورةِ الجياعِ" في تسعينيّات القرن المُنصَرم، وللمرّة الثالثة، يَنتَفِض الشارعُ المسيحيُّ بعد عاميّة انطلياس عام 1820 وعاميّة لحفد 1821، لكن لانتفاضةِ المسيحيين اليوم دلالات كثيرة نرجو أن تعيده الى جذوره وقراه.


عاشَ المسيحيُّ خصوصًا بعد الحرب الاهلية، في نمطٍ معيشيٍّ "ماركانتيلي"، الذي تخلّى عن حقوله الزراعيّة، وانغمَسَ في الاقتصاد الريعي، باعَ معظم اراضيه وحوَّلَ امواله الى التجارة والفنادق وركوب السيارات الفخمة وشراء الوكالات الحصريّة... إلخ. ممّا لا يقبل الشكّ، نقَلَت تلك الثورة الاجتماعيّة لبنان من حقبةٍ الى اخرى، شيَّدت المدن الكبيرة وتوزَّعت المحال التجارية وتقلَّصَت بطبيعةِ الحال المهن الحرّة مع مرورِ الوقتِ.

جميع المؤشراتِ الاقتصاديّةِ، تشير الى أنّ الازمة المالية التي يمرّ بها لبنان ستطول لسنواتٍ، لا بل لم تبدأ بعد، فلِمَن يبيع التاجرُ المسيحيُّ بضاعته المكدَّسة في المستودعات؟ والأخطر كيف سيأكل في ظلِّ اختفاءِ العملةِ الصعبةِ (الدولار واليورو) من المصارفِ وكيف سيستورد مواده الغذائيّة من بلادِ المنشأ؟

ثورةُ اليوم، هي ثورةُ تمرّدٍ على الواقعِ المعيشيِّ الشاذ وليست تمرّدًا عبثيًّا، إن طالت الازمة ونأمل ألّا تطول، سيلمس المسيحي الفرق الكبير بينه وبين جاره الفلاح أو المزارع أو التاجر الذي اهتمّ بحقوله التي ورثها وحافظ عليها، أبناء البلدات والقرى سيجدون ما يمكنهم "سدّ" جوعهم به، أما ساكن علبِ الباطون في المدن فأمله الوحيد ايجاد ما تبقَّى من موادٍ غذائيّةٍ في السوبر ماركات ومحلات البقالة، مع ما سيتعرَّضون له من ابتزازاتٍ في اسعارها.

نرجو أن تشكَّل حكومة قريبًا، ولكن الحكومة وحدها لن تفي بالغرضِ، لأنّ كسب ثقة الرأي العام الدولي أهمٌّ من أسماءِ الوزراءِ وهوية رئيس الحكومة، أن تجدَ اموال "سيدر" طريقها الى مصرفِ لبنان أهمٌّ بكثيرٍ من الثقةِ التي ستنتظرها الحكومة في المجلس النيابي، والاهم، أن يتَّعظَ المسيحي اليوم من الازمة الاقتصادية ويهتم بأرضهِ ويُعيد تشجيرها ويكفّ عن بيعِ ما تبقَّى منها، لأن الارض بحدِّ ذاتها هي مصدرٌ للخيرِ وعنصرٌ اساسيٌّ من عناصرِ الحياة.

نجا اجدادنا من مجاعةِ الحرب العالميّة الاولى لسبَبَيْن، الاول ما تركه الجراد في الحقول والبساتين، والسبب الثاني، وجود الماعز بكميّاتٍ، لا الشقق الفخمة ولا السيارات ولا البضاعة الالكترونية ولا مواد التنظيف والزجاج و"الألمنيوم" والحديد وغيرها. البضائع المكدسة اليوم في المستودعات والمحال التجارية من الصعبِ تسييلها، وبالتالي، غير قادرة على ابقائنا احياءً اليوم، ستنتهي الازمة لا محال ولتكن العبرة بعد انتهائها بإعادة الاستثمار في القطاعِ الانتاجي، عودوا الى قراكم اهتمّوا بحقولكم، ازرَعوا الاراضي "البور"، ساهموا بتصدير انتاجكم، راقبوا الاغراءات التي تقدِّمها تركيا للمستثمرين في زراعة اشجار الجوز.

"الاتكالية" على توفر الاموال وشراء ما نبتغيه لم يعد نافعًا، أرجو مع انتهاءِ المئويّةِ الاولى لإعلان دولة لبنان الكبير، أن نفتحَ نافذة على المئوية الثانية ببناءِ أمنٍ غذائيٍّ للاجيال القادمة.

أتوجَّه الى المجتمعِ المسيحيِّ حصرًا في هذا المقال لأنّ المجتمعات الاخرى حافظت وما زالت على أمنها الغذائي بشكلٍ أو بآخر، ربما لأنّ السهول الطبيعيّة الزراعيّة متوفرة في بيئتهم أكثر من سهول عكار الى البقاع الى الجنوب الى اراضي الشوف الغنية بالتربة الخصبة والمياه، بينما تاريخيًّا، لجأَ المسيحيّون الى الجبال الوعرة هربًا من الاضطهاد.
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
منصوري يكشف سبب تأخر المصارف بتطبيق القانون 166 9 بعد الإعتداء على محامية وتحرُّك القضاء... إليكم ما فعله الزوج! (فيديو) 5 بعد تغريدة أشعلت المملكة السعودية... وهاب "مُحاصر" بالشائعات! 1
كمينٌ مُركّب لحزب الله... إسرائيل تستخدم ساتر دخاني لسحب الخسائر! 10 إنخفاضٌ في أسعار المحروقات! 6 بلبلة في صفوف قوة الـرضوان والسيّد يتدخل شخصيًا... يا ويلكن ويا سواد ليلكن! 2
إهتمام قطري بآل الحريري 11 "إلغاء تعميم الـ 20 مليون ليرة"... بيان من "الضمان" 7 الساعات القادمة حاسمة... تحرّكات "مفاجئة" تلوح في الأفق! 3
جلسة التمديد تفضح علاقة باسيل بأعضاء كتلته… نائب يتحول إلى ساعي بريد 12 الحلبي يعدّل عطلة عيد الفصح الأرثوذكسي 8 إلى القوات وحلفائها… حان وقت الإستقالة 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر