"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

لم يَعُد سؤال بَك المختارَة " إلى أين؟ " مثيراً. خفّت شهيَّة الناس عليه بعد أن أجابَ بِنفسِه عَن السؤال. العهد انتهى على ما قال منذ أيام مغرّداً ومُردِفاً أن الطائف لقي المصير نفسه. سينهمك الزعيم الدرزي في ترميم بيت الحزب الداخلي. حرفية ما قال نورده. التحدي الأكبر سيكون أمام تيمور وريثه في قيادة الحزب التقدمي الإشتراكي. كان من المفترض بالزعيم الشاب أن يقود ثورة تقدمية إلى جانب مطالب الحِراك المحقّة. بعد أن سبقت صرخة الإصلاح والجوع الزعيم الشاب سيكون عليه أن يفعل ذلك من داخل حزبه. مصالحة التقدّمي مع الجماهير ستكون صعبة لكنها غير مستحيلة. عبّد له والده جزءاً من الطريق بأن قرّر عدم المشاركة في أي حكومة مقبلة. الإنفتاح على المكوّن الآخَر جسر عبور إلزامي. على الضمير الشيعي أوّلاً. على الواقع الإستراتيجي الإقليمي ثانياً. على المكوّن المسيحي ثالثاً. التعداد لا يعني أسبقية انفتاح على آخر. يعني التوازي بالإنفتاحات وبسرعة متّزِنة.

القوات من جهتها لم تطرح أي سؤال وجودي. قدّمت أجوبة. جمهورية جديدة تشبه هتافات الناس هي تلك التي يروّج لها ناسك مِعراب. سيكون الحوار مع حزب الله بشأنها مشوباً بِعِقَد متبادَلَة. الثقة المفقودة عقدة أولَى. عناصر تفكيك العِقَد متوفّرة. الأمر منوطٌ بالإرادة السياسية. القوات اليوم أقوى من الزمن الذي كانت تمتلك فيه ثلاثمئة دبابة وثلاثين طوافة. بتؤدة يخلق الحكيم جاذبية دبابات أكثر تطوّراً. دبابات من طراز إلتفاف مسيحي على فكر القوات الجديد. الحِراك سيتماهى تدريجاً مع إستراتيجيتها. لا يمكن غضّ الطّرف عن مُحاوِر مسيحي سيرث ساحة قُدِّمَت على طبق من " إتفاق معراب " دون أن يزرع فيها التيار الوطني أي شجرة مثمرة.

من أبرز إنجازات الحِراك وضع التيار الوطني الحر على كرسي نقّال. في أفضل الأحوال وضعه على عكّازات. التيار أُصيب بطلق حِراكي خطير أدّى إلى ضرب عموده الفقري. هو الآن في حالة شلل نصفي. لكنه لم يبلغ عمر اليأس ويبقى قادراً على الإنجاب باعتماد العلاج المناسب. من دون ذلك سيكون على جمهوره إمّا التحوّل إلى أكثرية صامتة على قارعة الحياة السياسية إما الإنضمام إلى مدّ قوّاتي متعاظم على الحلبة المسيحيّة. لا يجب أن يفقد تمايزه وكيانه. في هذه الفترة العلاجية سيكون على حزب الله أن يختار بين وفائه لمؤسس التيار ومرشده الأعلى أي الرئيس عون وبين البحث عن غطاء مسيحي وازن. التيار الوطني قادر على تحمّل علاج فيزيائي يعيد إليه قدرة المَشي من جديد في المدى الآني إذا أحسن اختيار بروتوكول طبي مناسب. إعادة تأهيله متاحة إنما المسار العلاجي طويل. أركان في هذا التيار تمايزوا حتى لا نقول إنشقّوا منهم على صلة رحم بالمؤسس. ظاهرة لا يمكن تجاهلها.

أما تيار المستقبل فيعيش التباساً وجوديّاً. أعضاؤه التكتيكية في الشارع وقراره الإستراتيجي بين صَحراوين. الربع الخالي ونيفادا. تتناتشه صفقة قرن كوشنير من جهة وحسابات الأم بي أس من جهة أخرى. بين تمزيق صور الحريري في الساحات العامة وبين اعتباره ضحيّة طائفية يبدو هذا التيار على مفترق طرق. إما الإدعاش وإما الإنعاش. الحريري قادر على الغنج حتى الآن. الإسراف في الدّلع سيؤدي إلى بروز قادة جدد وأعلام سوداء. سيكون شادي المولوي من المعتدلين عندما يبرز هؤلاء القادة. هذه مشيئة الشرق الأوسط الجديد. ولِدَت في العام 1992. عمرها الآن سبع وعشرون سنة وفي لياقة بدنية عالية.

ملاحظة برسم الطوباويين. مقولة محو الطائفية خرافة لبنانية قديمة. تعويذة فاشلة. مستحيل تطبيق علاج " مسحة الرّسول " عليها للتخلّص منها. كانت في أوّجها في حِراك 1975 قبل أن تهجم القبائل على بعضها البعض. كلّفتنا خمس عشرة سنة من حرب ضروس بين المسيحيين والمسلمين. أتى الطائف ليكرّس هدنة الطوائف ليس إلا. هدنة مستدامة إذا أحسنّا التطبيق. لا يمكن إصلاح النظام اللبناني إلا بإحترام الخصوصيات الطائفية. دستورنا سيبقى دستور تطمين هواجس وتهدئة خواطر العائلات الروحية. إستنتاج مؤلم لكن تفرضه واقعية التوصيف. بحسرة نستنتج أن الحِراك لا يستطيع إنتاج شعب جديد. على العكس. سيؤدي إلى تثبيت مسمار الطائفية في الخشب اللبناني.

الحلّ. عاميّة جديدة على شكل حِراك مضادّ. حِراك لا يقوّض هتاف الحِراك. يعطيه ما يمكن للبنان أن يتحمّله. مؤتمر تكريسي لا تأسيسي. ليس على أنقاض الطائف. مؤتمر تدعيم للطائف لا إعدام له. في دير سيدة التلة ربما أو في أي كنيسة جامعة رسولية أو لِم لا في قلعة راشيا. إعتقال طوعي لزعماء لبنان ينتج عنه معاهدة مار مخايل جديدة. حزب الله والقوات سيكونان حرّاس هيكل الطائف. هذه ليست هرطقة. إنها صرخة شهداء تحت تراب لبنان. لو كان استفتاؤهم ممكناً بغير الدّعاء لحضّروا بأنفسهم جدول الأعمال. المستقبل والإشتراكي مدعوّان فوق العادة. الحِراك ضمن فريق بروتوكول الإستقبال على المدخل على أن يشارِك في الإجتماعات بصفة مراقب. مؤتمر يكون برعاية التيار الوطني الحر لِحفظ الجميل.. وماء الوجه.

حتّى الآن يعتقد برنار هنري ليفي أنه على المسار الصحيح. مسار تدمير لبنان. يجب أن يرى وبسرعة أنّ الجِراك المضاد قادر على تغيير قواعد اللعبة وقواعد الإشتباك.