"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

دافيد هيل في بيروت الأحَد مِن دونِ طبلٍ وزمر. فقط طبول الفِتنَة تعدُّ مراسيم استقبالِه. يصِل عبر مدارِج مَطار رفيق الحَريري الدّولي أو مِن مدرَج آخَر. باَتَ المدرَج أمراً ثانويّاً بعدَ أن وُضِعَ مَطار القليعات ضمن مَطالِب " الثّورَة ". المهِمّ. " هيل " سيكون مندوباً سامِياً للباب العالي. عندَما كان لبنان تحتَ الوصايَة السوريَّة كان غازي كِنعان ومِن بعده خَلَفُه رستم غَزالي يفكِّكانِ العِقَد. كانا يَقولانِ " كُن " فيَكون. الدولَة اللبنانيَة تشبِهُ غلاماً فقدَ والِدَه وتيتّم في عمرٍ مُبكِر. تعوّد على " خبز " الوصّي. طحينه مَضروب. انتَهَتِ الوَكالَةُ الحصريَّة التي أعطتها أميركا إلى سوريا. لَم تتجدّد الوَكالَة فحضَرَ الأصيل. سيصِلُ "هيل " بين أهلِه. مع رشَّة إضافيَّة مِن بهار الفُكاهَةِ الأسوَد لقلنا: " أهلاً بِهيل في البو ريفاج ".

الحدود مِن جَديد. لبنان يحدُّه بَحراً الطّمَع الإسرائيلي بالنفطِ والغاز. برّاً ساتِر إسمَنتي على طول الخَطّ الأزرَق وسلسلة من خروقاتٍ إسرائيليَّة للقرار 1701. .يحدّه عمقاً رعبٌ إسرائيلي مِن أنفاق المقاومَة. أنفاقٌ تجعَلُ مِن إصبَعِ الجَليل وجبَة طَعام لحزب الله ساعَة يَشاء. " تعنّتُ " لبنان سيكلِّفه غالياً. " هيل " هذه المرَّة مزوَّد بشرعيَّة شعبيَّة أكبَر مِن شعبيَّة " الرّئيس القَوي ". حجّتُهُ أقوى مِن حجَّة المفتي دريان. مَونَة " هيل " عَلى أهالي كفرّمان وساحَة إيليا والنبطيِّه وساحَة النّور وجلّ الدّيب حوّلتهُ إلى لاعب محلّي أساسي. لا أتعجّب أن يَخوضَ أتباعُ " هيل " الإنتِخابات المقبِلَة وأن يتمثّلوا بكتلَة " هيليَّة " وازِنَة في البرلَمان المقبل. أي تمرّد عَلى " هيل " خلال زِيارَتِه المرتَقَبَة سيكونُ لَه آثارٌ مدمِّرَة في وسَط بيروت عموماً. في بيت الوسَط تَحديداً. مع بهار إضافي على الرشّةِ السابِقَة يمكن التكهّن برفع تِمثال من البرونز لِ " هيل " على أحد مَداخِل بيروت. تِمثال ينافِس نُصُب جمال عبد الناصِر " رمز شَهيد الإتحاد الإشتراكي العَرَبي ".

إسمٌ جَديد سيدخلُ في التدّاول الجدّي. كانَ إسم نواف سلام يُطرَحُ في الساحات. لَكِن بالكاد كنّا نسمَع الإسم بوضوح. كانَت قرَقَعَة الطّناجِر تَحولُ دونَ أخذ هذا الإسم عَلى مَحمَل الجَدّ. الوصيّ الأصيل يطرَحه. إسمٌ بِمثابَة صاروخ بالستي. مدمِّر لكّل الطبقة السياسيَّة. لَن يمرّ في بعبدا. لَن يمرّ في أي مقرّ آخَر. نوّاف سيُنهِي حقبَة كامِلَة مِن الرّموز دونَ أن تُوجَّه لَها كلِمَة شكر واحِدة. حتّى الجنازَة عَن نفس الميت ممنوعَة. حكومَة نواف سلام ستكون أشبَه بِجهاز تنفّس إصطِناعي صُنِع في صندوق النقد الدولي. سيسمَح للدولَة بالشّهيق والزّفير فَقط. سينتقل سلاح المقاومَة مِن عصر " الإستراتيجية الدّفاعيَّة" إلى عَصر إصدار قرار إبطالِه في مجلس الأمن. ترقيَة سَفير وقاضٍ إلى رتبَة مندوب عَن مجلس الأمن موكَل بشؤون لبنان. كل الوزراء التكنوقراط سيكونون في حكومَة مشابِهَة إذا شُكِّلَت مُحامينَ متدرِّجين في المَكاتِب الجانبيَّة لمجلِسِ الأمن.

وزرُ المعانَدَة سيكونُ كارثيّاً. سنتدرّج مِن رتبَة تحرّش طائِفي إلى فِتنَة طائفيَّة. مِن مواجَهات مَع رِجال الأمن إلى مناوشات ثمَ إلى حرب مَفتوحَة. سيدخلُ الفَقرُ بسلاسَة إلى البيوت. فقرٌ مبدِع في أساليبِه. الغَني غير قادِر على استِعمال مدّخراتِه في المصرِف لشراء حاجيّاتِه. الفَقير سيدخل إلى بيتِ الغَني ظنّاً منه أنه أغنى منه. فقير متمرِّس بالفَقر سيقتل فَقيراً غير متمرِّس. سندخل النموذَج السوري مِن بابِه العَريض. مع فارِق أنَّ حكماً قويّاً كالذي في سوريا ما زالَ يتخبّط بعد ثماني سنوات من الحَرب الضّروس. كَم سَنَة تخبّط سيعدّها لبنان على أصابِعِ ندَمِ حكّامِه وهو البلدُ الذي تحكُمُه نعراتُ الطّوائِف بإسمِ توافقٍ كاذِب وتسويات مُهينَة وصفقات صلِفَة واهتراءٍ خَطيرٍ في أخلاقِ الخاصَّةِ والعامَّة؟

" هيل " عَلى وشك أن يودِع الدولَة اللبنانيَّة شروط تأليف حكومَة نتانياهو في بيروت. مَزيد من الطناجِر يُنتَظَر وصولُها إلى الشوارِع والأزقَّة. لبنان دخلَ عاصِمَة المجهول. سيمكثُ هناكَ إلى أجلٍ غير مُسَمّى.