"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

تستفزّني كلمة " إستفزاز ". فيها شحنة من الطاقة الخطرة. تدفعك لنصرة أخيك ظالماً كان أم مظلوماً. نعم، أخوك في الدين أيضاً. الموضة الرائجة هذه الأيام إستفزاز " أهل السنّة ". طبعاً على قاعدة هزالة الأصوات السنية التي حصل عليها الرئيس المكلّف خلال الإستشارات النيابية الملزمة. إبتداءً من أي عدد أصوات لا يعود التكليف إستفزازاً؟ ميثاقية مربوطة بالنسبة المئوية.

ميثاقيةٌ لا بأس أن تكون عنصرية. تفتّشُ عن مرسوم تجنيس لِرَجُل لتشحذ سيفها. تخيَّلوا كَمْ هو مقيتٌ نبشُ هذا القبر. كَمْ عائلة نظيفة " عرقياً " يبقى في لبنان إذا حذفنا الوافدين إليه منذ مئة سنة فقط ؟ إفراغ حسّان دياب من أهليّة مواطنيَّته اللبنانية أشبَهُ بالإغتصاب. من هذا المنظور تبدو الميثاقية كما تُمارَس اليوم فِعلاً منافياً للحشمة الوطنية.

سنّةٌ وشيعةٌ ومسيحيون ودروز. ألا يستفزُّكم أكثر تحوُّلُكم إلى طلّاب إعاشة على مداخل البنوك ؟ ٦.٥ مليار دولار هربت في زودياغ أو طائرات خاصّة أو على متن طيران فروع مصارف ما بعد الدوام دون أن تتحرك النيابة العامة فوراً. دون أن يدعو البنك المركزي هيئة التحقيق لديه للمتابعة الفورية. هذا إستفزاز باب أول. بابٌ لم يقرعه أحد.

ألا يستفزُّكم أكثر مشهد السان سيمون؟ أطفال وعجزة يلتحفون موج البحر في غرفٍ بلا أسقفٍ ولا جدران. في الجناح كما في طرابلس المينا كما في عكار والبقاع والنّبعة وسواها. دولة نائمة ومواطن ناقِم. قريباً وتبدأ الأولى بارتداء البيجاما والثاني بِسَتر عريِه. العاصفة لولو..خذيهم دوكما إلى هونولولو.

تبرز إيجابية في هذه الآونة. رئيس جمعية المصارف يبشّر صِغار المودِعين أن نهاية " الكريزا " وشيكة. كأني أسمعه يدندن : " عزٌّ بعد فاقة الأمير علّاقة " . نحن شعبٌ " مُنَكرَز " و " مُكرَّز ". قسمٌ كبيرٌ مِنّا يعيشُ على المهدئات والمنوّمات وحبوب " التّسطيل ". لم يحدث أن نزل زبون في العالم إلى بنك وفِي يده فرّاعة أو ساطور أو مِعوَل. نحن فعلناها. حتّى الفرّاعة متعجّبة من الدَّرْك الذي وصلت إليه. مِن مهمّة قصّ فرع شجرة إلى مهمة الإقتصاص من مدير فرع.

" كريزا " أخرى على وشك أن تبدأ. وجعها يقاس بمليارات الدولارات. بطلها ميزان المدفوعات. إسألوا جواد عَدرا عنها. كاد أن يكون وزيراً. " كريزا " كان عنوانها يومَها توزير اللقاء التشاوري. الدولية للمعلومات تفيد بالأرقام أن الرواتب وفائدة الدين أكلت وحدها كل واردات الدولة النائمة حتى أيلول من هذه السنة. لم ندفع كلفة الكهرباء بعد. يا " عَدرا ".

وسطَ هذه " الكرايز " هبط علينا توصيف لغوي سياسي جديد في تعريف الناس المنتشرين في الشوارع. لا هو مستَوحى من " محيط المحيط " ولا مستأنس من " لسان العرب ". الوزير وئام وهّاب يؤكد أن جمهوراً ينزل كرمى لعيون فاسد يكون فاسداً هو أيضاً. وظيفة جديدة للشعب في اليوم السبعين من الثورة على الفساد. الصَّالِح راحَ بِعَزا الطّالِح.

عودة إلى الميثاقية. دفنها نهار أمس النائب محمد الحجَّار. المسؤول عن قتلِها غير معروف وإن كان جُبران باسيل المتَّهَم الأبرز. قد يُحَمَّل الرَّجلُ أيضاً مسؤولية سقوط جدار على طريق حريصا وتفسّخ عارضة على كورنيش عين المريسة أو حتى قد يتمّ تجريمه بإهمال صيانة مبنى في الحدت أودى الحريق فيه نهار أمس بحياة إمرأة من التابعية الإثيوبية. ماروني من البترون قاتل ميثاقية سُنّي من صيدا. بلد العجائب.

يبدو من كل ما تقدّم أن طرقات بلَدنا سالكة. نحن بِحاجةٍ فقط إلى أعصابٍ من دفع رُباعي وصبرٍ من سلاسل معدنية.