"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

مرَّ مشهدُ تبعثر مقبرة اليهود في بيروت مرورَ الكِرام. شواهد القبور كادت تلقي التحيَّة على المارّة والسائقين على الطريق العام. أول لقاء حقيقي في التاريخ الحديث بين الأحياء والأموات بمسعى مشكور من العاصفة لولو. لولو جمعت أهل المقابر بأهل البلد. عاصفة كلها عاطفة. بلدٌ أمواتُهُ أحياء وأحياؤه أموات.

ليس بعيداً عن مقابر اليهود مقبرةٌ جماعيةٌ ترقد فيها جثامين الطبقة السياسية. موتى الضمير بأجسادٍ حيّة. من مقابرهم ما زالوا يمتلكون موهبة التراشق. يتراشقون برفاتهم. مرحوم يهاجم مَرحوم. يرميه بجمجمة أو ضرس بلا عقل. يقاطعُ واجب العزاء ويلعن الجنازة. الموتى كلُّهُم في حالة استنفار. " الثورة " على وشك أن تنبش قبورهم قبراً قبراً. ثورة مهَّدت لها " لولو ".

للبنوك قصةُ موتٍ مختلفة. تفليسٌ إحتياليٌ على ما يؤكد الخبراء. مصرف يتظاهر بالموت. يحفر قبره بالعملة الصعبة. هكذا لا تنفعُ معه لا فرّاعةٌ ولا فأسٌ ولا مفقوس. وفاةُ الدولار ستكونُ خسارةً لا تعوَّضُ إلا بالليرة. لسنا أمام قصّ شعر نقدي. نحن أمام حَلطٍ حتى الصَّلعة. شعبٌ لبناني أصلَع في جمهورية صلعاء. كل بصلَةٍ مزروعة ستكون من الآن وصاعداً بوصاية من " كوافير " البنك الدولي.

من مقبرةِ اليهود إلى المستشفى الحكومي. دايةٌ تسحبُ المولودَ من رجلَيه. حكومَةٌ أوَّلُ دخولها الرَّفس. حكومَةٌ من دون صرخة ولادة. فيها ما يكفي من هياكل عظمية لتثير الرعب. مولودٌ بثمانية عَشَر رأساً. يمزّقُ بيت رحم النظام. حكومة لترميم مقابر أهل النظام منعاً لاحتكاك الموتى. معضلةٌ أساسيةٌ قبل لفِّ المولود بالأقمشة. ماذا نسميه ؟ حكومة دفن الموتى؟ حكومة على رجاء القيامة؟ حكومة شَيل البخور ؟

في فترةِ تنكيسِ الأعلام هذه يُحاصَرُ حسان دياب. إما يُقدِم إما يُعدَم. من سجلات نفوسه لا يبدو بالسلاسة التي توحي بها قسمات وجهه. تشكيل حكومة؟ بالتأكيد. من دون ثقة برلمانية لن يكون حسان دياب أقل ثقة بما تحقق. مِن بئر تصريف الأعمال سيُخرجُ ماءً. زمزم وسانت لورد في توليفةٍ مبدعة تروي عطشنا المزمن.

عودةٌ ميمونةٌ للخَليلَين. خبيران في الحياة والموت. وثائق ولادة ووثائق وفاة جاهزة في مَحفَظَتَيهِما. كل واحد منهم خِلٌّ وفيٌّ مِن دون خَلّْ. رَجُلا إسعاف لتنشيط الطَّلق. ليس مستَغرَباً بعد الطائف أن يصبِحَ الشيعةُ حراسُ النظام. لم يجد المسيحيون وقتاً للحراسة. كانوا منشغلين بقتل بعضهم. السنَّةُ انشغلوا بالإعمار والدروز بتصويب الرادار. شكراً للثنائي.

الرئيس سعد الحريري الآن يربطُ حزامَ الأمان. صوتُ المضيفِ يتأهلُ به باللغات الثلاث. يعبرُ الأجواءَ الإقليميةَ بسلام. يحطُّ في شارل ديغول إيتوال. يستحقُّ جاكوزي للإسترخاء وجلسةَ تدليكِ معنويات . لعله من الطائرة يفكّرُ بطاقمه الإستشاري. قتَلَهُ المستشارون من فرط الميثاقيةِ أو كادوا. سيحطُّ في باريس وسطَ انتشارِ الستراتِ الصفراء. حناجر فرنسية من دون هيلا هيلا.

على مقربةٍ من مدرج مطار رفيق الحريري الدولي يقفُ إيلي الفرزلي. دولة الرئيس. عالِم فِراسةٍ في أوقات الفراغ. ميشال حانق على سعد. سعد حانق على سمير. وليد حانق على الجميع. دولته يقرأُ في القسمات وخطوط الأيادي والفنجان. الشاطر من يأخذُ على دولته ممسكاً في المبنى والمعنى.
وإلى حين تعيدُ الدولة مقابرَ اليهود إلى راحتها الأبدية سيكونُ علينا أن نحملَ أكفاننا على أيدينا كلَّ صباح.