"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
المرض العُضال الذي تعاني منه إسرائيل منذ زمن اسمه "حزب الله"... رعب الحزب دائم، هذا ما أثبتته وقائع نهار الامس. كاد الإسرائيلي من شدّة رعبه أن يفتك بجسده، طوال ساعة كاملة ترجم فيها رعبه من خلال "حفلة جنون" نارية بناءً على هلع مصدره تحركات مزعومة للمقاومة خُيّلت ربما لأحد جنوده. خُيّل للاسرائيلي تسلل مقاومين، لذا اطلقَ حمم غضبه في كل اتجاه، فكاد أن يحرق جنوده المرعوبين حين امطر محيط مواقعه في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة بقذائف المدفعية، بينما المقاومين كانوا على الطرف المقابل يضحكون!
كان الظن يوم أمس أن المقاومة قد بدأت تنفيذ ثأرها الموعود رداً على استشهاد مقاوم في محيط مطار دمشق الاسبوع الماضي. طوال ساعة كاملة دكَّ الاسرائيليون مرتفعات مزارع شبعا و تلال كفر شوبا وصولاً إلى الهبارية بمختلف الأعيرة. في الداخل كانت وسائل اعلامهم تتحدث عن تبادل لاطلاق نار. طبعاً كلام من هذا الصنف، يسربه عادة الجيش الإسرائيلي على اعتبار أن الرقابة العسكرية تحذر وسائل الاعلام تناول هذا الصنف من المعطيات من دون العودة إليها. رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو انضم إلى "حفلة الجنون" حين غادرَ اجتماع مجلس الوزراء على عجل متحدثاً عن "حدث أمني غير بسيط عند الحدود مع لبنان"، موحياً أن ثمة عمل عسكري استثنائي يحصل هناك.
في هذا الوقت كان العدو يستمر بإطلاق القذائف من جانب واحد، واعلامه يغرق في مزيدٍ من المعلومات المسربة عن الجيش. دام ذلك فترة من الوقت بدأ معها الحديث عن شكل رد حزب الله وانه عبارة عن عملية تسلّل قد تمّ احباطها، لكن وسائل الاعلام الإسرائيلية كانت حذرة حيال صمت حزب الله الذي لم يعهد أن تأخرَ في اصدار بيان تبني لحدث كهذا، وتأخر حزب الله اصابَ وسائل الاعلام بإرباك شديد وسط ايحاءات بدأت تظهر حول غياب أي معطى دقيق وواضح حول حصول عمل عسكري من جانبه، حتى صدر الاعلان بعد وقت نافياً اقدام المقاومة على الرد، بل زاد الطين بلة بالنسبة إلى الاسرائيلي حين ادرجَ "قصف منزل الهبارية" ضمن سجل الحسابات... هكذا وقعت إسرائيل في صدمة، وقد نشطت في اعطاء تبريرات لروايتها عبر الزعم تارة عن استهدافها خلية وتارة اخرى احباط عملية تسلل وتحقيق إصابات بين قتيل وجريح!
كان واضحاً منذ البداية أن ثمة غموضاً في ما يحدث. المقاومة كانت صامتة وصمت المقاومة له تفسيره. اسلوب القصف أو الرد كان مبهماً وغير واضح ومن أي جهة مصدره، وبدا بالنسبة لنا كمعلقين، أن لا يجدر بنا أن نتسرع أو نقدم تحليلاً اولياً حول "الحدث" ربطاً بأن ما يرد قد يأتي بخدمة للاسرائيلي، بانتظار بيان المقاومة خشية من مكيدة اسرائيلية أو تلفيق أو اختلاق لحوادث أو افتعال لأخرى يُقصد بها توريط الحزب برد غير مدروس يسلبه بريق رده وينتزع منه حقه.
على الأرجح وسنداً لما توفّر من معطيات، كان الاسرائيلي ربما يخطط لما حدث في مزارع شبعا بصورة معينة، كإظهار ما جرى وكأنه عبارة عن رد فشلت المقاومة في تحقيقه، وهذا يؤمن له من خلال ذلك، أولاً نزع صلاحية رد الحزب وإنهاء فعاليه أو استئصاله قبل أن يبدأ، على اعتبار أنه اُنجز ولو أنه لم يحقّق هدفه، وثانياً يُقدّم الحزب على أنه حقق فشلاً أمنياً ذريعاً، يتيح للإسرائيلي استثماره لاحقاً في سياق استهداف الحزب في لعبة "كي الوعي"، ويحرجه امام الرأي العام الداخلي والخارجي، معتقداً انه سيزيد من ازمات الحزب أزمة اضافية ويفرع قدرته على تحقيق الرّد، أي باختصار أن ما جرى هو عبارة عن فخ ارتأى العدو أن ينصبه للمقاومة فوقع فيه!
الآن وبعد رد المقاومة ببيان، اتضح أن لا علاقة لها، فحافظت على صلاحية ردها وحفظته امام الداخل والخارج بل طوّرته وزادت من تحصينه، وعلى اصحاب الظنون والنوايا المسبقة، الآخذين بتصديق الرواية الاسرائيلية (إن وجدوا) أن يعيدوا حساباتهم بالنظر إلى ما جرى، وان يتخلوا عن لعبة الزعم بأن الحزب ردَّ وفشل وإنتهى الأمر!
من جانب آخر، أوقعَ نتنياهو نفسه وعموم أهل العسكر من المتبنين للرواية الأمنية الاسرائيلية في حرج بل أزمة تزيد أصلاً من ازماته، ناقلاً سيل التساؤلات واتهامات الفشل إلى وسط تل ابيب، المقبلة كما يبدو على عاصفة انتقادات وردود فعل سياسية عنيفة ومن أوسع الابواب، رداً على ما حدث وفشل الرواية الامنية في اثبات أن ما جرى هو كناية عن عملية لحزب الله، سيتولى ادارتها الاعلام الذي طلّق نتنياهو منذ ما قبل الانتخابات الماضية، ويحتاج إلى مادة من أجل تظهير فشله بشكل أكبر.
في الخلاصة، نجا حزب الله من الفخ الإسرائيلي ونجح مرّة أخرى في استثمار طروف الحرب الناعمة لصالحه، اما الإسرائيلي فوقع بالفخ الذي نصبه لغيره. الآن، الانظار مشدودة إلى طبيعة ردّ حزب الله طالما أنه ادرجَ حوادث الأمس على لائحة دفع الثمن، وما سيخلفه من ازمة اضافية متراكمة على نتنياهو وجيشه اللذان باتا في وضحٍ لا يحسدان عليه، وصورة الجيش الذي لا يقهر، قُهر مجدداً وبطريقة أسوأ من قبلها.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News