Beirut
16°
|
Homepage
قراءة في أولويات "حزب الله" في المرحلة الراهنة
بولس عيسى | الجمعة 10 أيلول 2021 - 13:07

"ليبانون ديبايت" - بولس عيسى

يُقال إن "الطبع يغلب التطبّع" لدى الإنسان، كذلك الأمر في السياسة لدى التنظيمات والمجموعات والأحزاب. ففي البدء كانت فكرةٌ وموقفُ، تحوّلت إلى إيديولوجيا وعقيدة وقضيّة يُبنى على أساسها التنظيم السياسي، فإذا كانت القضيّة حريّة وسيادة واستقلال وديمقراطيّة، يُبنى الحزب على إنه حزب سياسي يقوم على أسس ديمقراطيّة، أما إذا كانت الإيديولوجيا هي "ولاية الفقيه" والمهمّة هي تصدير الثورة الإسلاميّة في إيران إلى لبنان بالطريقة التي يعتمدها النظام الإيراني في مختلف دول المنطقة، فعندها يُبنى التنظيم الجماعي على أسس عسكريّة وتتفرّع منه الأذرع والأقسام السياسية والإعلاميّة والإجتماعيّة وإلى ما هنالك. لذا لا يُخطئنّ أحد التقدير في "حزب الله" بعد كل ما نراه من عمل سياسي، فهذا الحزب بُني على أسس عسكريّة بمهمّة واضحة، لذا أولوياته دائماً ما تتقدّم فيها الشؤون العسكريّة على أي شيء آخر.

من هنا، لا بدّ لنا وبعد كل ما نسمعه ونقرأه عن مصادر من هنا وأوساط من هناك أو تحليل سياسي أن نبحث وفي العمق في أولويات "حزب الله" في المرحلة الراهنة لنرى ما إذا كان ما يُساق عن أولوياته السياسيّة، هو صائب أم أنه غير دقيق.


في العمق، "حزب الله" تنظيم عسكري وأي تنظيم مماثل يخوض حرباً كالتي خاضها هذا الحزب في سوريا، بهذه الشدّة والضراوة والمدّة الطويلة، يخرج منها مُنهكاً على الصعيد العسكري، ويكون أمامه عملٌ كثير للقيام به من أجل إعادة جهوزيّته العسكريّة إلى المستوى المطلوب منه للإستمرار في نشاطاته العسكريّة والمهمة الكبرى المطلوبة منه.
لذا وبشكل سريع ومن دون الإطالة في الشرح، بعد خروج الحزب، أو إعادة تموضعه في القصير في الحرب السوريّة، سيكون ضرباً من الغباء، والذي قيادة الحزب طبعاً لا تتمتع به عسكرياً، أن يولي الحزب الأمور والقضاية السياسيّة والإجتماعيّة، الأولويّة على إعادة تأهيل تنظيمه ومجموعاته العسكريّة ورفع مستوى جهوزيّته خصوصاً في ظل الأوضاع الضبابيّة في المنطقة والمفتوحة على كل الإحتمالات.

إنطلاقاً من هنا، وجد "حزب الله" نفسه أمام أولويات عسكريّة طارئة جداً، وهي:

- تعيين قادة ميدانيين ليحلّوا في مكان القادة الذين سقطوا خلال الحرب السوريّة، وهم كثر. فالحرب تفرز بشكل تلقائي قادةً بالإنابة والممارسة، إلاّ أن أي تنظيم عسكري كـ"حزب الله" لا يمكنه الإستمرار بمن فرزتهم الحرب خصوصاً لجهّة تركيبته المعقّدة وارتباطاته (Links) المتعددة مع النظام الإيراني على مختلف المستويات، لذا عليه إعادة تعيين قادة ميدانيين يأخذ بعين الإعتبار خلال عمليّة تعيينهم، بنيته المعقّدة وبيئته الحاضنة وروابطه مع النظام الإيراني على مختلف المستويات، وهذه المسألة ليست أبداً بالامر السهل، خصوصاً أن عليه أن يقرن كل هذه المواصفات بخبرات عسكريّة استثنائيّة لكي يكون السلف خير خلف.

- إعادة هيكلة فصائله وكتائبه وسراياه ووحداته العسكريّة القتاليّة واللوجستية والإستخباراتيّة. فالحزب، وخلال خوضه المعارك في سوريا خسر قرابة الثلاثة آلاف عنصر من تركيبته العسكريّة وهذه الخسائر البشريّة تؤثر بشكل كبير على الحركيّة العسكريّة على الأرض والفعاليّة وفي بعض الأحيان في انقطاع انسياب الإمرة العسكريّة من الأركان إلى الوحدات المقاتلة على الأرض، لذا عليه وبشكل سريع القيام بإعادة هيكلة مجموعاته ووحداته العسكريّة هذه.

- إعادة تأهيل الوحدات العسكريّة من أجل نقل الخبرات العسكريّة من جهّة وإعادة الإنضباطيّة إلى صفوفه العسكريّة من الجهّة الثانيّة، باعتبار أن ظروف الحرب الطويلة تفرض على القيادة التساهل بعض الشيء في مسألة الإنضباطيّة من جهّة، كما أن أي فصيل عسكري كـ"حزب الله" يعمل على صقل خبراته العسكريّة بالتدريب والممارسة، عليه أن يتحاشى أن تكون بين صفوف عسكره، هوّة كبيرة في الخبرات العسكريّة القتاليّة بين مقاتل وآخر، لذا من الضروري جداً بعد حربٍ كالحرب السوريّة التي أكسبت الحزب الكثير من الخبرات، أن يقوم بنقلها ومشاركتها مع جميع وحداته العسكريّة من أجل الوصول إلى رفع الخبرة العسكريّة القتاليّة الجماعيّة بين صفوفه.

- إعادة تشكيل المخزون الإحتياطي الحربي الإستراتيجي، فأي حرب بهذه الضراوة والمدّة الزمنيّة وإن كان خط الإمداد مؤمّناً للحزب في سوريا، إلا أنها ستُنقص كثيراً من هذا الإحتياطي والمخزون، وبحكم وجود الحزب في لبنان ووجود إمكانية أو فرضيّة ضرب حصار عليه وقطع خطوط الإمداد، فهذا الإحتياطي هو حيوي جداً بالنسبة للحزب وهو الضمانة له بالصمود في حال اندلاع أي حرب مفاجئة ولا يمكنه أبداً أن يعيش يوماً واحداً من دون تأمين هذا الإحتياطي. لذا نرى الحزب مندفعاً كثيراً في مسألة البواخر الإيرانيّة التي عبرها سيتمكن من تأمين احتياطي استراتيجي من الوقود، ليكفل حركيّة وحداته العسكريّة في حال اندلاع أي حرب، وهذا الإحتياطي اليوم له أهميّة كبيرة خصوصاً وأن لبنان يعاني من نقصٍ حاد في هذه المواد ولا يمكن للحزب في حال تم حصاره، تأمين ما يحتاجه من خلال مصادرة أو الإستيلاء على مخرون النفط المحلي. من جهّة ثانية، يجد الحزب من أولوياته العسكريّة إعادة رفع مستوى احتياطه الناري، واحتياطه اللوجستي، وهذا يمكن تأمينه بشكل سهل عبر المعابر غير الشرعيّة عبر الوحدات العسكريّة الإيرانيّة الموجودة في سوريا.

- إعادة تكوين كتائبه العسكريّة الخاصة، وعلى رأسها "كتيبة الرضوان"، التي مُنيت بخسائر كبيرة في الحرب السوريّة. وهذا النوع من الكتائب يتطلّب الكثير من العمل وبجهد كبير من أجل إعادة هيكلته وتأهيله، باعتبار أن عمليّة اختيار العناصر التي يُمكنها أن تنضمّ إلى هذه الوحدات دقيقة ومعقّدة لأن المجموعة المستهدفة للإختيار هي نخبة النخبة، والعنصر في كتائب مماثلة يخضع لعدد كبير من الدورات والتدريبات العسكريّة فضلاً عن أنه يجب أن يتمتع بمقدارٍ عال جداً من الحنكة العسكريّة والذكاء الفطري والإنضباطيّة النفسيّة والعلم والمعرفة العسكريّة الشاملة، وهذه الخصائص والمميزات نادرة الوجود مجتمعةً في فرد واحد.

بعد كل هذه الأولويات العسكريّة الأساسيّة لدى "حزب الله"، تأتي الأولويات السياسيّة والإجتماعيّة، لأنه إذا ما خسر جهوزيّته العسكريّة فكل قوّته السياسيّة التي يتمتع بها اليوم لا معنى لها، ولهذا السبب تحديداً نجد أداء الحزب السياسيّ المشجّع لتأليف الحكومة من أجل التخفيف من الضغط الإجتماعي في بيئته الحاضنة، إلاّ أنه لم يولِ هذا الأمر الأولويّة القصوى فاستمر تعطيل التأليف سنة وشهر، والسبب؟ إنشغاله قلباً وقالباً في تأمين الأولويات العسكريّة قبل جلوس إيران إلى طاولة المفاوضات في فيينا التي لا أحد يعلم إلى ماذا ستنتهي، وبالتالي الخيارات في المنطقة مفتوحة على الصعد كافة.
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
"الرجل الطيب الودود"... الحريري ينعى زوج عمته 9 كلاب بوليسية وانتشار أمني... ماذا يجري في الضاحية؟ 5 الحقيقة بشأن جريمة باسكال سليمان 1
"سوريا الثورة" تثير البلبلة في البترون! (صور) 10 بعد كشف ملابسات جريمة العزونية... بيانٌ من "التقدمي الإشتراكي"! 6 بو صعب خارج "التيّار" رسميًا! 2
في جونية... سوريّون يسرقون مخزناً للبزورات! 11 وكالة اميركية تتحدث عن تلقيح السحب بِفيضانات الإمارات! 7 الحزن يخيم على عائلة الحريري! 3
نائب يتعرض لوعكة صحية! 12 "ما زلت أحفظ شيئاً من الود"... وهاب "يهدّد" خلف الحبتور! 8 إشكال وجرحى في بلدة لبنانية... ما علاقة "الزوجة الثانية"؟! (فيديو) 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر