"ليبانون ديبايت"
بعد 4 سنوات وبدون القيام بأي تدقيق لناحية الموجودات أو الخسائر في المصارف وخسائر المصرف المركزي وحتى بدون إقرار صندوق إستعادة الودائع، أطلّت الحكومة عبر نائب الرئيس سعاد الشامي بمشروع قانون لهيكلة المصارف بمعنى "هيكل جديد" على أنقاض جثث ودائع اللبنانيين.
وبعد المجزرة المدويّة بحق آلاف المودعين وسرقتهم بشكل وقح وبدون رادع أخلاقي أو قانوني، جاءت الحكومة اليوم لتُقدّم لهم ما يُمكن إعتباره "سمك بالبحر"، لا سيّما أنها إستبقت مع الحكومة السابقة هذا الإنجاز الوهمي بقتل الثقة بالقطاع المصرفي ولم تترك له أي مجال أو إمكانية حتى يتمكّن من التعافي.
ولم تقدّم هذه الحكومة أو سابقتها أي قانون يُتيح إعادة الثقة بالقطاع المصرفي الذي كان يُشكل عماد الإقتصاد اللبناني، وتأتي اليوم للتباهي بإنجاز أسمته "مشروع قانون هيكلة المصارف"، مع العلم أنها كغيرها من الحكومات التي تعاقبت طيلة السنوات الماضية مسؤولة عن هذا الواقع الذي وصل إليه القطاع بالتكافل والتضامن مع مصرف لبنان عندما أقرض الدولة ممثلة بالحكومات أموال المودعين بدون أي ضمان لودائع الناس.
وكأن ما حصل لم يروِ ظمأهم بل يطرحون مشروعهم هذا اليوم للقضاء على آخر ما تبقّى من هيكل القطاع المصرفي بتحميل المصارف والمودعين المسؤولية كاملة من خلال إعادة الهيكلة.
ومن يتمعّن بمشروع القانون هذا يجد أنه يمنح هيئة الرقابة على المصارف صلاحيات واسعة، وكأن هذه الهيئة قامت بما يتوجب عليها متناسياً أنها أهملت دورها الرقابي إن على المصرف المركزي أو على بقية المصارف، طيلة الفترة الماضية ما قبل الأزمة الإقتصادية أو خلال الأزمة الممتدة منذ 4 سنوات، فلم تقم بأي إجراء إن عبر التدقيق بالموجودات أو منع هدر المزيد من أموال المودعين بعد الأزمة في سياسة دعم عشوائية لمتطلبات الدولة.
والأخطر اليوم هو أن إعادة هيكلة المصارف تجري بدون الإستعانة بشركة تدقيق عالمية لحصر الموجودات والمترتبات على كل مصرف مما يشي بعشوائية الإجراءات المترتبة على هذا القانون، فكيف تتم الهيكلة لمصارف لا تعرف الدولة حساباتها الدقيقة وموجوداتها أم ما قامت به من عمليات تهريب واسعة للأموال إلى الخارج، وبالتالي على أية أرقام ستستند هذه الهيكلة.
الدولة اليوم من خلال المشروع المقترح تُمارس دور الجلاد لكنها تستعين بثوب القاضي لتغطية سرقة العصر التي قامت بها وتسن قوانين لتحمي نفسها، وتزج بالقطاع المصرفي في قفص الإتهام والمودعين يجلسون على مقاعد الضحايا بإنتظار حكم القاضي الجلاد.
ومن دون شك إن قانون اعادة هيكلة المصارف بات أمراً مطلوباً كخطوة في إتجاه الخروج من الأزمة ومن القوانين الأساسية لمعالجة قضية المصارف وقضية المودعين، لكنه يبقى ناقصاً في حال لم يقترن بمخطط الإنتظام المالي.
فالانتظام المالي يعني مناقشة وتحديد الخسائر بشكل واقعي إضافة إلى تحديد المسؤوليات بشكل منطقي وبناءً على أرقام حقيقية, عندها يمكن أن يكون القانون المذكور أحد الأسس في مخطط الإنتظام المالي.
ويجب عدد مناقشة عدد من بنود القانون, خاصة بما بتعلّق بموضوع كيفية رد الودائع إلى المودعين, وبما يتعلّق بالمساواة بين المودعين, لأن هذا المشروع لا يساوي بين كل المودعين.
كما أنه لا يتلفّت إلى أن المصرف المتعثّر لن يتمكّن من دفع الأموال للمودعين كما حال المصرف غير المتعثّر وذلك من باب المساواة.
وهذا القانون على ما يبدو أنه بحاجة إلى دراسة أعمق وبشكل دقيق وإلى تعديل بعض البنود والنقاط بما يحفظ القطاع المصرفي ويحمي أموال المودعين، ولا يحمل ثغرات يؤثر على التنفيذ مستقبلا.
|