"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

أنَفنا على الهزيع الأول من ليلِنا العُمريِّ بعد ثلاثينَ سنة مضاعفة. لا بأس باعتقادي مع مجيء هذا الخصم اللدود للشباب أن نعقد قرانًا مع الكهولة لا نعلم مدى التزام كل منا بعدم فضِّه على حين غرّة. إطعن واقعك الطاعن في السن بسكّين القبول وتغزّل بكهولتك بشيء من التندر عليها فتخف وقاحتها.

كنا نسمع من السابقين أن الأعمار ومضات تبرق هنيهة فيصاحبها الوميض هنيهة أخرى ثم تتوعدنا الرعود الهاطلة. ونحن نسمع ذلك كان الشباب فينا يرى الآماد ممتدة والآجال مرتدة. لا يمكن رؤية النهايات من البدايات.

وأنت في قلب الهمَّة لا تلوح لك أزمنة العكازات. تراها فلا تتوقع انها ستؤول اليك. تماماً كما في السلطة. لو دامت لغيرك ما آلت اليك. أنت تؤبد بقاءك من قلب ديمومتك المؤقتة. الموت هو دائمًا موت الآخرين. غريب جدًا كيف انك تشارك في جنازة أحدهم ولا ترى نفسك مصلّى على جثمانك الذي يتوسط الكنيسة والجامع. لعل السبب في ذلك يعود الى ان قوة الحياة فينا أقوى من قوة الموت. تعلّم في كل مرة ترتل فيها فليكن ذكره مؤبَّدًا ان ترتل ذكرك المؤبد أيضًا.

ما يبقى كل مطلع عام من جردة حساب هو قدرتك على ان تبقى كما كنت فلا ترمي من ذاتك شيئًا. ليس من الخارج بل من الداخل. ان يغزوك المشيب من الرأس دون أن تشيب من الداخل. ينحني ظهر مظهرك مع الوقت. المهم الا تنحني مبادىء عشت لأجلها. بين شخصك الكريم وشخصيتك الأكرم عليك ان تختار ما يدفع الآخرين الى احترام شخصيتك أي مدى احترامك لمبادئك. شخصك يزول. شخصيتك لا تزول.

أجمل ما في هذه المعادلة أن تتحلى خصومتك مع الآخر بطابع الاحترام. ان تحترم الآخر ويبادلك الآخر الاحترام نفسه وسط الخصومة الشريفة. لا تحسب للخصم غير الشريف أي حساب. هو أشبه بنملة سوداء أو شقراء بمنتهى الصِّغَر على دربك لا تستحق أن تُداس.

أنظرُ الى المرآة بتمعن في كل مرة أهُمّ بعدها في الخروج من البيت. أناقة هندامي يجب ان تكون أقل جمالًا من أناقة مبادئي. أسأل نفسي كل يوم وأنا أمام هذا الزجاج العاكس هل هندامي الاخلاقي جميل؟ تصرّف بأن تكون ربطة عنقك أقل جمالًا مما يصدر من عنقك.

ستصادف وانت في الرحلة عبوات ناسفة شديدة الانفجار. رمّانات غيرة فوسفورية وقاذفات أحقاد وقنابل غيرة خارقة. احرص في مواجهة شظاياها على ان ان تُبقي قلبك مليئًا بالحب. الحب أمضى سلاح يمكن ان تطلق منه الرصاص. رصاص الحب وحده يحميك من النيران الصديقة وغير الصديقة.

تقدم شيئًا فشيئًا في العمر وتقدم في كل أشياء الحب. كلما فعلت ذلك زادت حدة ذكائك. أخطر ما يهدد الذكاء هو مبادلتك الحقد بالحقد. اذا سقطت هذه السقطة تشوشت افكارك ومات فيك الابداع. لا تنسَ وانت في حالة الحب أن تحافظ على طفولتك بلا تجاعيد وبلا أورام خبيثة. حب الأطفال أجمل الحب وأصدقه.

ستطعنك بعض وظائفك الحيوية مع التقدم في العمر. معدلات السكر والشحوم في العروق والشرايين. ستستيقظ صباحًا بنشاط متناقص. ستنام بصعوبة من دون مسكنات. ستمشي بتثاقل ملحوظ وستلاحظ ان الرجفة ستنال من بعض أطرافك. عش هذه الخيانة الوظيفية بالحب أيضًا. أحبب كل ما يحيط بك لتتشبه بالله لأن الله وسط الخلاف على التعريف به هو محبة صرف.

بهذه الوصفة البسيطة على ما أظن ستبقى طفلًا طاعنًا في السن. وهل أجمل ان تتحايل على الطبيعة فتولد طفلًا صغيرًا وتموت طفلًا كبيرًا؟