Beirut
16°
|
Homepage
المسيح ومحمد أقوى من وارسو والأطلسي
روني الفا | المصدر: ليبانون ديبايت | الجمعة 26 كانون الثاني 2024 - 17:13

"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

الموت مخلوق لغوي يترعرع في كنف المعاجم. لا قيمة حقيقية له إلا عندما نصف به الشهداء. اللفظ نوع من التورية النثرية والشعرية ليس إلا. كيف تعبّر اللغة عن موتٍ لا يشبه المنيَّة؟ الأجدى أن نقول وافته الشهادة لا المنية. هم مرحومون بالمعنى الديني لكنهم الرحمةَ بالمعنى الوطني. رحمةً بنا ارتَحلوا كما ترتحل الزنبقة إلى حضن الكتاب. نقرأ أريجَها مع تصفّح الرواية.

ماذا يا تَرى يختبر الشهداء قبل تسليم الروح؟ يطلقون النار على موتهم فَيُضَرَّجُ أمام أعيُنِهِم قبل أن يُضَرِّجَهُم. دماؤهُم تصيرُ تتمّةً لآخِرَةٍ هي مبتدأُ خلودِهِم. الروح التي تقاتل فيهم تستمرُّ نابِضَة من جثامينِهِم. شهداء من هذا الطراز يقاتلون بصواريخِ الرّفات. مِن تحت الأرض يَحمون مَن فوقَها. عصيٌّ على الهزيمة مَن روحُه تُقاتل.


حماةُ الثّغورِ على أرضِ الجنوب. يَجمعون بين الصَّلاةِ والصِّلَة. دعاؤهُم من لَدُنِ الله وعظامُهم جسورُ العبور نحو الحريّة. لا تُقحموهم في السياسة. هم لا يصنعون السياسة. هم يصنعون الذاكرة والوجدان. السياسة سوقٌ وتجارةٌ وسلعة. هم الحضن. هم " خذوا كلوا هذا هو جسدي". هم هُطول البَركات. البَركة لا يشتريها المال. المال أمام المقاومين نَعْلا خِفَّينِ بالِيَين.

جنوب لبنان أرض مقدّسَة. تقدّسَ فيها عرسُ قانا. انتظرت مريم في مغاورها عودةَ ابنِها المخلّص. فيها يتقدّسُ موكب الجنازات اليومية. تنتظر الأمهات على ضفاف مقابرها أن يخرج الأبناء من حروف الفاتحة لغةً منزَلَة من القبلات وقرآنًا من سُوَرِ الدعاء. رافقتكَ الملائكةُ يا ولدي ليبقى لنا من بعدِكَ بلدي.

القصة ليست في مدى الصاروخ ولا في دقَّتِه. إسرائيل لا تخشى الصواريخَ فقط. تخاف من الصوت الذي يرافق إطلاقَها. الأنبياء والرسل والأئمة هم الذينَ يحاربون إسرائيل من الجنوب. اتَّحدوا هناك. يرتّلون صلاةً مشتركة. صراطً مستقيمًا. صراط الذين أنعَمَ الله عليهم فكشف لهم وجهَه الرائع. ناداهم: " أنتم غير المغضوب عليكم بالضلال وما ضللتم بفتنة".

على جبهة الجنوب يحبُّ المقاومون بعضُهُم بَعضًا كما أحبّهم الله. يقاتلون من أجل المسيح ومن أجل محمّد. مساجدُهم كنائس وكنائسُهم مساجد. يتّحدُ على مفارقِ سَهَرِهِم القرآن والإنجيل. يضعونهما فوق هاماتهم ويمضون نحو قدس الأقداس. ليس من قوة في العالم باستطاعتها كسر هذا الحلف. أقوى من وارسو والأطلسي تلاحُمُ يدِ المسيح بيَدِ محمد. المشرق الجديد يولد من هنا. من أرض الجنوب المقدسة.

من الجنوب لا من أي مكان آخَر يولد المشرق الجديد. المشرق الإنساني العابر للدين والطائفة والمذهب. إنسانيّة المشرق تمرّ عبر مواجهة الموت الزاحف إليه من الصهيونية. هي اختزال وهو احتضان. لا يتعايش البغض مع المحبة ولا الجدران مع النوافذ. لا يمكن العبورُ نحو نور المشرق الإنساني قبل القضاء على نفايات الظلمة التي تخنقه.

القوة والبأس معبران ضروريان لجرف جبل النفايات. ستمر أزمنة الإحباط على مثاوي الشهداء في الجنوب مرور الغيوم الداكنة تحت قرص الشمس. النور المنبثق من خُوَذ المقاومين أقوى من شرقهم الأوسط الجديد. يقاومون لتبقى العربية لغةً منزلَة. المقاومة لا مسقط رأس لها. ليس لها مدينة مفضَّلَة. مدينتها المصطفاةُ القدس.

كلمة قد تُغيظ. لا نسجلها لإحداثِ الغيظ. نكتبها كظمًا له. المسيحيون قبل غيرهم معنيّون باعتمار الخُوَذ. ما يحدث لا يجب أن يكون بمثابة فيلم أطلسي طويل مُعَدٍّ للمشاهدة.

المسيحيون ليسوا اكتظاظًا على شبّاك تذاكِر. مطلوب منهم أن يكون كل واحد منهم عُمر مختار وأدهم خنجر وشعلان أبو الجون والمهاتما غاندي وسلطان باشا الأطرش وأنطون سعادة وفرحات حشاد وسعد زغلول وعز الدين القسام والسيد حسن نصرالله واللائحة تطول. لا تسألوا عن دين هؤلاء ولا عن طوائفهم. إسألوا إلى أي حدٍّ تسكنهم الإنسانية والحرية. علينا الإنتماء إلى إنسانيَّتِنا أولًا. بعدها يصبح مباحًا أن نتكلّم في السياسَة.
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
قضية التيكتوكرز... "حرفٌ زائد" يورط رئيس بلدية سابق! 9 "مش كل مرّة بتسلم الجرّة"... حادثة لا يمكن الإستخفاف بها! 5 قطع طريق ورمي أحجار... ماذا يحصل في خلدة؟ 1
إنخفاضٌ في أسعار المحروقات! 10 تطورات صادمة في ملف "التيكتوكرز"... وتوقيفات جديدة! 6 ماذا وراء الإنخفاض "اللافت" في أسعار المحروقات؟! 2
دير الأحمر اتخذت قرارها بشأن السوريين… المهلة حُدّدت وهذا ما سيحصل غداً! 11 خوف مسيحي… قلق شيعي وارتياح سني 7 بلبلةٌ لا مثيل لها في صفوف الموظفين... وإجتماع "عاجل"! 3
ما علاقة ملاحقة سلامة أوروبياً بهبة المليار يورو؟ 12 "هزة قوية"... راصد الزلازل الهولندي يُثير الجدل من جديد! 8 إستبدال الشباب اللبناني بالشباب السوري.. فضيحة الهجرة الموسمية! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر