"ليبانون ديبايت" - المحرر السياسي

بدون أي رادع قانوني او أدنى حس بالمسؤولية لدى من المفترض أن يكون رجل الدولة، قرّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي المضي في انتهاك كافة النصوص وتجاوز الصلاحيات الممنوحة إلى الوزراء مستنداً إلى فتاوى "مفتي السراي الحكومي" أمين عام مجلس الوزراء القاضي محمود مكية الذي أمطر "العهد الحكومي الوكيل" بدراسات قانونية غب الطلب تستند إلى مصالح ضيّقة على حساب المصالح الوطنية والعيش المشترك.

فقد انتهك مجلس الوزراء اليوم بإسناد "حزبي ممانع" وإهمال "سيادي" فاضح للدستور ونصوصه الواضحة في موضوع تعيين رئيس هيئة الأركان في الجيش اللبناني، حيث لا يغفل عن الجميع أن هذا التعيين يجب أن يمرّ بوزير الدفاع الذي أناط به الدستور والقانون مهمّة اقتراح الإسم الذي سيتولّى هذا المنصب، ولكن المجلس وبخطوة مفاجئة ذهب إلى التعيين ضارباً بعرض الحائط كافة المواد القانونية التي تمنعه من هذا الأمر.

وكيف لا يقدم على أمر كهذا ما دام "المفتي القانوني" في الدار المباركة على استعداد تام لمدّه بالدراسات القانونية التي بدأت تسمو على الدستور والقانون ولا ضرورة معها بالمرور بوزير الدفاع في خطوة باتت السراي تتّقنها في تجاوز صلاحيات الوزير التي كلّفها الدستور في أكثر من مادة.

وإن كانت حجّة مجلس الوزراء جاهزة بأن الوزير لم يرفع أي إقتراح، فإن الوقائع تكذّبها لا سيّما أن وزير الدفاع موريس سليم أبدى رغبة كبيرة بإجراء تعيينات شاملة من قيادة الجيش إلى هيئة الأركان إلى المجلس العسكري وملء الشغور فيه، ولكن الحكومة سلكت الطرق الملتوية بهدف التمديد لقائد الجيش في المجلس النيابي لتعود اليوم، وتقوم بتعيين رئيس للأركان الذي تعتبره ضرورة ملحة.

ولكن لماذا لم تعتبر تعيين قائد للجيش ضرورة ملحة، وتماهت مع التمديد لقائد الجيش؟ ولماذا أسقطت سلّة التعيينات المتكاملة بملء الشغور في المجلس العسكري؟ والأهم لماذا استمر الشغور في هيئة الأركان طيلة سنة ونصف؟ ولم تستفق الحكومة إلا اليوم على هذا الشغور؟.

ما حصل اليوم يحمل دلالات لا يمكن إلا الإلتفات إليها تتعلّق حصرياً بقائد الجيش الذي سيتمكّن مع تعيين رئيس الأركان (الذي يحل مكانه في حال السفر) من أن يبدأ حملته الإنتخابية في عواصم القرار العالمية أو أن يذهب إلى تلك العواصم تحت ضغوط دولية خارجية تتعلّق بترتيبات ما عند الجبهة الجنوبية.

وبعيداً عن الأهداف التي أبرمت صفقة التعيين لأجلها، فإن ما يمكن القلق منه هو الصمت غير المبرر للبطريركية المارونية إزاء الإنتهاك الفاضح لصلاحيات الرئيس، هو صمت يدين هذا المقام الكبير الذي يترك لحكومة "مبتورة " أخذ صلاحيات الرئيس والقبول بالتعيين في ظل الشغور الرئاسي وهو ما رفضته عند الحديث عن تعيين لقائد جيش جديد، وهل ستتحرك البطريكية اليوم لوضع الأمور في نصابها أم سيكتفي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بعظة "مملة وممجوجة" تتناول الموضوع بكلام لا يرقى إلى مستوى الحزم بالدفاع عن حقوق المسيحيين، لا سيّما انتهاك صلاحيات الرئيس المؤتمن على الدستور.

ولا يمكن تحميل البطريرك المسؤولية وحده، بل المسؤولية تقع على من يرفع شعار الدفاع عن الحقوق المسيحية، أي رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي مرّر في السابق التمديد لقائد الجيش ليسمح للمتطاولين على صلاحيات الرئيس اليوم بتعيين رئيس أركان في مشهد يرسخ القناعة بمفهوم "مرقلي لمرقلك" مع الحزب التقدمي الإشتراكي.

وكذلك ينطبق الأمر على رئيس التيار الوطني الحر هل سيكتفي ببيانات الرفض؟ أم سيلجأ إلى تصرف قانوني يضع حداً للتجاوزات الفاضحة التي تستمر الحكومة بانتهاجها؟.

الصفعة التي تلقّاها الدستور اليوم تردّد صداها في الضاحية الجنوبية التي تعهد سيّدها بأن لا تمر التعيينات في ظل الشغور، فمن منا لا يذكر الكلام المتلفز لسيد المقاومة حسن نصر الله الذي جزم فيه أن لا تعيينات في ظل الشغور في كلام يتماهى مع تحالفه مع التيار الوطني الحر، فهل عاد صاحب "الوعد الصادق" عن تعهداته، وسمح لوزرائه بتأمين النصاب وتعيين رئيس للأركان؟ فهل ما التزم به قبل طوفان الأقصى تغيير، ولم يعد يصلح لمرحلة ما بعده؟، أم أن الإنفتاح على الإشتراكي عوّضه عن التيار بعد أن بات التعامل بينهما "ع القطعة".