"ليبانون ديبايت" - فادي عيد

لم تستغرق رحلة سفراء "الخماسية" ما بين عين التينة وبكركي أكثر من ساعات معدودة، إلاّ أن المسافة بين المقرّين، كانت طويلة وشائكة، وهي المسافة الفاصلة ما بين سلوك الطريق القانوني والدستوري لانتخاب رئيس الجمهورية في أقصر وقت ممكن في المجلس النيابي، أو اعتماد السبيل الشاقّ وغير المنصوص عنه في الدستور اللبناني لإجراء الإستحقاق الرئاسي.

وبعد هذه الرحلة تكرّست معادلة على المستوى الرئاسي، وهي أن الفراغ الرئاسي هو المرشّح للبقاء في قصر بعبدا بفعل المعطيات والمواقف السياسية الثابتة، التي لا تبدو قابلةً لأي تعديل، على الأقلّ، قبل جلاء الصورة في المنطقة وليس في غزة، حيث يذكّر مصدر سياسي على تماس مع بكركي وثوابتها المعلنة إزاء رئاسة الجمهورية، بأن الإستعصاء في هذا الملف، قد سبق حرب غزة، وربط أي "حلحلة" بوقف النار في غزة، لا يعدو كونه استثماراً أو توظيفاً لهذا الأمر الواقع، من أجل إطالة أمد الفراغ الرئاسي، من قبل الفريق الذي ما زال مصراً على الحصول على ضمانات مسبقة من أجل التوجّه إلى المجلس النيابي لانتخاب رئيس الجمهورية.

ولا تقتصر هذه الضمانات على تطبيق الدستور، بل تتخطى هذا الواقع، يقول المصدر، وهي تقتضي عدم طرح أي مرشح للرئاسة باستثناء رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، وهو الموقف الذي كانت قد تبلغته أطراف نيابية عملت كمجموعة أو كمستقلين، على تحريك الملف الرئاسي وتقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية والحزبية المكوّنة لمجلس النواب.

لم تكن جولة سفراء "الخماسية" متوقعة، على الأقل خلال الشهر الحالي، وإن كانت نتائجها معروفة، وقد توقّعتها بكركي، على حدّ قول المصدر السياسي المطلع، وهي نتائج تغيب عنها أية بشائر حلّ، علماً أن ما حقّقته الإجتماعات في عين التينة وبكركي، وثم في معراب والرابيه وكليمنصو، هو طرح أسئلة واضحة عن الإستحقاق الرئاسي وعن مواصفات وهوية المرشحين الذين يؤيدهم كل فريق من الأفرقاء الذين اجتمعوا مع سفراء اللجنة الخماسية.

وعلى الرغم من أن الصورة متشابكة بعد رحلة السفراء الخمسة، فإن المعطيات التي يحرص المصدر على تأكيدها، على الأقل على مستوى بكركي وموقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، تدفع للإستنتاج بأن ستاتيكو الأمر الواقع الحالي، أي غياب رأس الدولة، هو الخيار المرجّح في المرحلة الراهنة التي ستتحدّد مدّتها الزمنية مع تحديد موعد ومدة الهدنة في غزة.

لكن أي هدنة متوقّعة ولفترة ستة أسابيع قابلة للتمديد، لن تكون سوى خطوة مؤثرة في الميدان الجنوبي، حيث سيتراجع صوت المعركة، ومن دون أن يعني هذا الأمر حكماً إنصرافاً إلى الداخل وإلى أجندة الإستحقاق الدستورية التي تبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية، وبتنفيذ إصلاحات تسمح ببدء عهد جديد. وعلى هذا الأساس، يتحدث المصدر عينه، عن استحالة تعبيد الطريق أمام أي مرشح اليوم إلى قصر بعبدا، وعلى وجه الخصوص المرشح الثالث.

وإذا كان السفراء أبلغوا القيادات التي زاروها أنه ليس لدى أي منهم مرشح جاهزٍ لخوض المعركة الإنتخابية، فإنه من الصعب الإقتناع من قبل أي طرف لبناني، بأن الإستحقاق الرئاسي يقترب من الحل الداخلي وعلى طريقة طرح كتلة "الإعتدال الوطني" المدعوم من هؤلاء السفراء. فالمصدر المطلع، يكشف بأن الحلول بعيدة والهوة عميقة والمسار الرئاسي معلّق على التسويات الإقليمية التي لا تزال في مراحلها الأولية، ولن تتبلور صورتها قريباً.