مختارات

الفضل شلق

الفضل شلق

السفير
الجمعة 04 كانون الأول 2015 - 07:49 السفير
الفضل شلق

الفضل شلق

السفير

الدين والاستحالة.. الدولة والإمكان

placeholder

في المنطقة ثلاث مجموعات إثنية كبرى: العرب والأتراك والإيرانيون. أنشأ الإيرانيون دولة دينية منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن؛ قبل ذلك كانت دولة علمانية أو ما يشبه ذلك. تميل الدولة العلمانية التركية إلى أن تصبح دولة دينية. أنشأ العرب دولة دينية مع ظهور الإسلام. لا يحتاجون إلى دولة دينية مرة أخرى. يحتاجون إلى دولة وحسب.

الواقع أن الإسلام السياسي العربي حاول إقامة دولة دينية بعد ثورة 2011. فشل في ذلك، بعد أن كاد ينجح في مصر وتونس. ربما كان ذلك من أسباب الغضب الذي يمثله «داعش» وأخواته. مشكلة العرب ليست في قيام دولة دينية أو عدمها، بل في أن الثورة المضادة هي التي تسيطر في مختلف الأنحاء العربية. تعيد الثورة المضادة زمن الاستبداد. هي لا تفهم معنى الدولة ولا تريدها. ترغب أن تبقى سلطة ولو على حساب تفتيت البلدان العربية. تستنجد بالخارج من أجل البقاء. لم يعد سايكس ـ بيكو عبئاً. صار الهم الأولي هو الحفاظ على كيان سياسي عربي.

ليس مهماً كيف تنشأ الدول. المهم هو أن تصير شرعية بعد مرور الزمن وأن تصير عقداً اجتماعياً، أي بعد أن يتعود عليها الناس ويمنحوها تأييدهم، أو الرضى بها، عند العرب إثنيات وأقليات دينية وقومية تحاول الاستفادة من ضعف الدولة. ليس الأمر كذلك في تركيا وإيران. هنا دولة في كل منهما، تمارس الدولة القمع للأقليات حيث يلزم. في البلدان العربية تأخذ الأقليات حقوقها من الدول حيث يلزم وحيث يمكن. ليس لدى العرب أدوات قمع، لأن ليس لهم دول حقيقية. لديهم دول ضعيفة، ربما كان ذلك مفيداً. لدى الإيرانيين والأتراك الدولة كأداة قمع. يستطيعون قمع الأقليات.

ما حسم الموضوع لدى العرب، بعد ثورة 2011، هو فشل الإسلام السياسي في إقامة الدولة. صار سهلاً إسقاط الإسلام كمكون في الهوية الجماعية. يصير الدين فردياً كما يجب أن يكون، مكوناً في الهوية الفردية. لا ننسى أن التعددية الجماعية من بين عناصرها الأديان والمذاهب والطوائف والإثنيات. التعددية داخل الفرد، فالفرد فيها ذو مواجهة مباشرة مع الله، وهذا هو الإيمان الحقيقي؛ وفي مواجهة الفرد والدولة لا وسيط (طوائف، مذاهب، إثنيات) بينهما. يصير الفرد هو الدولة، والدولة هو الفرد.

من يبني الدولة على الدين، يؤسس لحرب طويلة، مستترة أو ظاهرة. من يبني الدولة على الفرد يحقق إمكانيات أن تصير الدولة محررة من كل ما يعيقها، تصير الدولة دولة حديثة؛ يحتضنها الفرد وتحتضن هي الفرد. في البلدان ذات الدين الفردي يرتقي الإنسان مراحل متقدمة على البلدان حيث الدين جماعي.

الأكثرية في المنطقة العربية تتشكل من أفراد يعتبر الواحد منهم أنه عربي، بسبب اللغة المنطوق بها أو غيرها. يقرر الفرد قوميته. في الدول الإسلامية السياسية وفي الدول البعثية تقرَّر القومية والدين سلفاً. في أكثر الأحيان يكون الدين والقومية أداة بيد السلطة لقمع الناس أو تدجينهم ليصيروا أشبه بالقطعان، تسيرهم قيادات الدين والإثنيات. في هذه الدول هندسة اجتماعية وتطهير عرقي كي يسكن المناطق أناس متجانسون. في دولة الفرد هناك السياسة التي تجمع بين مختلفين، والتي تؤدي إلى تراكمات وتسويات، ولا تكون التراكمات إلا نتيجة تسويات جدية. تسويات ليس فيها احتيال على أبناء الأقليات. ربما كانت الأكثرية أكثر مظلومية من الأقليات، لكنها لا تستطيع أن تمحو ظلم الأقليات ما دام المجتمع منقسماً إلى أكثرية عددية وأقليات عددية.

في هذه الدولة، إذا حدث قمع أو خفض للحريات، فإن الدولة هي التي تقمع لا الأكثرية، وإذا ظلم أحد فإن الفرد هو الذي يتعرض للظلم لا الطائفة. حالة مثلى يجب السعي إليها. لكن لا خلاص من دونها.

يتطلب الأمر عقداً اجتماعياً لبناء الدولة مؤسساً على الفرد والدولة من دون وساطة بينهما. ويعتمد الأمر على وعي غير السائد. وكل ذلك يتطلب جهداً ونضالاً يبدأ بالنخب السياسية والثقافية.

ليس المطلوب دمج الأقليات ولا تذويبها، ناهيك عن قمعها. المطلوب هو تحويل كل الناس من الأقليات والأكثريات إلى مواطنين أفراد لا حواجز بينهم وبين الدولة. لا يتساوون بالحقوق والواجبات إلا عند ذلك. من غير المستطاع فرض هذا الأمر بالقوة، وإلا عدنا إلى نقطة الصفر؛ المطلوب أن يحدث ذلك في الوعي وفي سياسة الدولة والفرد.
في هذا الإطار تصير المؤسسات الدينية (الجامعات الدينية، مراكز الإفتاء، قيادات الطوائف للأديان غير الإسلامية) تصير أشبه بجمعيات المجتمع المدني، أي تقدم خدمات دينية للأفراد وللجماعات، لمن يختار لا لمن يفرض عليه أن يختار.

الطريق صعب. لكن لا بد منه ليصير المجتمع مدنياً، ولتصير الدولة كائناً حديثاً.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة