ضمن مشهد سياسي شديد التعقيد على مستوى المنطقة والعالم، لا سيما بعد التوتر الأخير بعد القطبين الوازنين، السعودية وإيران، تبرز القدرات العملية لكلى البلدين في دخول صراع طويل الأمد، خصوصًا في خضّم معركة "عض أصابع" على خلفية الحرب النفطية، بحيث يتضح بأن السعودية تمتلك أدوات ضغط متنوعة غير متوفرة لإيران، الأمر الذي يوّسع هامش تحركها وقدرتها على الكسب في نهاية المطاف.
تاريخيًا لعبت التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط دورا حاسما في زيادة المخاوف، لا سيما حول أن الامدادات النفطية في خطر وأن الأسعار ستصعد الى مستويات قياسية، رأينا ذلك في السبعينات والثمانينات والتسعينات، وبالتالي كان هناك ارتباط مباشر بين نشوب الأزمات السياسية والعسكرية وتصاعد أسعار النفط.
والمفارقة الغريبة العجيبة الآن أن منطقة الشرق الأوسط تشهد حروب وتوترات منذ سنوات، العراق يخوض حربًا ضد داعش، والساحة السورية تشهد حربا لا هوادة فيها بين النظام والمعارضة منذ صيف عام 2011، وليبيا تعاني من انقسامات بين غرب البلاد وشرقها، ودخول داعش على الساحة زاد الأمر تعقيدا. والحرب في اليمن لا تزال قائمة، ورغم كل هذه التوترات والحروب الا أن الأسعار واصلت الانخفاض، لذا من غير المحتمل ان نشهد ارتفاعًا شاهقًا للأسعار بسبب التوتر السعودي الايراني، اذا اقتصر التوتر على المشادات الاعلامية ولم يتصاعد الى حرب فعلية.
الاسىتثناء الوحيد يبقى أننا قد نرى تصاعدًا كبيرا في الأسعار اذا ما ارتكبت ايران حماقة كبرى مثل محاولة اغلاق مضيق هرمز، الذي تمر عبره يوميا أكثر من 400 سفينة محملة بشتى أنواع البضائع تمثل 7% من الملاحة العالمية، ويشمل ذلك 20-30 ناقلة نفط يوميا، محمّلة بنحو 40% من النفط المنقول بحراً على مستوى العالم.
التنافس على النفوذ الاقليمي في الشرق الأوسط بين ايران والسعودية يعود لعقود من الزمن واشتد هذا التوتر مع اندلاع الثورة السورية ووقوف ايران مع نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري، وفي اليمن تدعم ايران الحوثيين ضد السلطة الشرعية، ويؤدي النزاعان السوري واليمني الى تصاعد التنافس الاقليمي بين ايران والسعودية.
العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران اجبرتها على تقديم صفقة تنازلات، وهذه ستتيح الفرصة للأخيرة بالعودة الى اسواق النفط بقوة بعد رفع العقوبات، وحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، فان المملكة العربية السعودية تعارض الاتفاق النووي، ولذا رفعت انتاجها النفطي من 9.6 مليون برميل يوميا في نوفمبر 2014 الى 10.2 مليون برميل يوميا بعد عام، مما يضمن عودة ايران الى سوق متخم بالنفط وأسعار منخفضة.
وتتأرجح الأسعار الآن بين 34 و 36 دولار للبرميل اي ثلث ما كانت عليه عندما فرضت العقوبات على ايران في يناير 2013، بعبارة اخرى يتعين على ايران ان تقوم بتصدير 7.5 مليون برميل يوميا لكي تعود الى مستويات المداخيل التي كانت تحصل عليها قبل فرض العقوبات.
وهذا مستحيل حتى بعد رفع العقوبات، لأن الانتاج الايراني لن يصل الى أكثر من 3 ملايين برميل حتى 6 شهور بعد رفع العقوبات. وما دامت المملكة العربية السعودية قادرة على تحمل العجز الناتج عن هبوط الأسعار، فان ايران لن تحقق أكثر من نصف المدخول التي رسمت ميزانيتها بموجبه عام 2015، الا انه من الناحية الجيوسياسية تمتلك السعودية أوراق ضغط قوية ضد ايران وأيضا ضد روسيا لاجبارهما على مراجعة مواقفهما العدائية في عدد من الملفات الاقليمية وعلى رأسها سوريا.
ونجحت السياسة النفطية السعودية في ارباك ايران وتقليل أهمية عودتها للسوق النفطي العالمي، ونجحت أيضا في تعميق ازمة الاقتصاد الروسي مع انهيار الروبل. هذا اصافة الى اضعاف منتجي الصخر الزيتي في الولايات المتحدة. وبغض النظر عن حقيقة ما يحدث في سوق النفط، فانه يضيف بعدا جديدا الى صراع اقليمي يعصف فعلا بمنطقة الخليج، ومن ورائها الشرق الاوسط. ورغم الاتفاق النووي والغطرسة الايرانية الا ان السعودية تبقى القوة الأكبر في سوق النفط العالمي.
ولدى المملكة العربية السعودية سلاحا قويا آخر بالامكان استخدامه اذا لزم الأمر، وهي الاحتياطات المالية الضخمة، والتي تقدر بمليارات الدولار والمستثمرة خارج المملكة، ويزيد احتياطي العملة الصعبة لدى المملكة عن احتياطيات الدول العربية الإحدى والعشرين المتبقية مجتمعة، وتمتلك السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم وأكبر صنوق سيادي في الشرق الأوسط، بأصول وصلت إلى 676 مليار دولار في نهاية العام الماضي 2015، وفق تقديرات دولية.
ويشمل إجمالي الأصول الاحتياطية لمؤسسة النقد، الذهب، وحقوق السحب الخاصة، والاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي، والنقد الأجنبي والودائع في الخارج، إضافة إلى الاستثمارات في أوراق مالية في الخارج. وتتمتع المملكة بنفوذ كبير في البنوك الأجنبية بسبب الأرصدة الكبيرة.
حيث تستطيع ان تسحب أرصدتها الضخمة من البنوك التي تتعامل مع ايران او تقدم تسهيلات مالية لها. وهناك قلق في المؤسسات المالية الدولية ان العقوبات المفروضة على ايران قد تشتد وطأة بعد أن تنتهي ولاية اوباما، فالتهديد السعودي قد يساهم في تهميش ايران واضعافها اقتصاديا، رغم ان ايران شعرت انها نجت من الضغوط الاقتصادية الأميركية والأوروبية بعد توقيع الصفقة النووية، الا انها ستواجه ادوات حرب سعودية اقتصادية أكثر فعالية، ومهما يحدث في المستقبل القريب سوف لا ترى ايران الانفراج الاقتصادي الذي تتوقعه. وحسب استنتاجات "وول ستريت جورنال" فان السعودية لديها المقدرة على الصمود اقتصاديا في وجه ايران التي ستخسر الحرب النفطية.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News