خاص "ليبانون ديبايت" - المحامية رانيا ايليا نصره:
(الجزء الثاني من سلسلة "البلديات 2016")
قبل شهرين على انطلاق عملية انتخاب اعضاء المجالس البلدية والمختارين الجدد، ينفرد موقع "ليبانون ديبايت" بنشر مجموعة مقالات وتقارير حول البلديات في لبنان تتناول في أبعادها احاطة القارئ المواطن بدقائق العمل البلدي بدءاً من تاريخ نشأة البلديات والقوانين التي تحكم عملها وصولا الى طرق الرقابة المسبقة واللاحقة عليها، كما سيكون لنا وقفة مفصلة بموضوع عائدات البلدية .
يأتي هذا العرض المتعلق بأوجه الرقابة على العمل البلدي من نافذة تسليط الضوء على مكامن الضعف التي تشوب الية تصديق سلطة الرقابة على أعمال وقرارات الهيئات المحلية والتي تمارسها السلطة عليها بهدف التأكد من احترام تطبيق القوانين وحماية المصلحة العليا للدولة والحد من المخالفات والتجاوزات التي قد ترتكب. ويبقى الاهم من اهداف الرقابة الطريقة التي تطبق بها هذه الرقابة عند اجرائها اذ لابد من تحقيق التوازن بين مبدأ استقلالية البلدية كهيئة محلية لا مركزية مستقلة عن الدولة وبين مبدأ تبعية البلدية كهيئة محلية للدولة بهدف حماية المواطنين في حال تعسف البلدية وتجاوزها حدودها القانونية.
ترتبط البلديّات إرتباطاً وثيقاً بوصاية السلطة المركزيّة رغم تمتّعها بإستقلاليّة كبيرة لما للمجلس البلدي من مهام شاسعة محددة بفعل القانون على سبيل المثال وليس الحصر وهو ما يجب تعزيزه في سبيل تحقيق اللامركزية الادارية الموسعة. والوصاية قديمة العهد اذ لحظ قانون البلديات الذي أقره مجلس المبعوثين (النواب ) التركي على رقابة الوالي بالاضافة الى نصه على العقوبات على مفتش البلدية أو أحد الجاويشية في حال تأخره عن القيام بايفاء مأموريته حقها.
سنناقش الرقابة على البلديات من خلال القانون المعمول به حاليا بالمرسوم الاشتراعي رقم 118 تاريخ 30/6/1977، وهي مقسمة الى رقابة ذاتية وتسلسلية ومالية وقضائية وادارية وسياسية وشعبية.
ان اخطر ما في الرقابة الذاتية التي تجريها هيئة أو موظف على الاعمال المنفذة للتأكد من صحة انطباقها على النصوص القانونية ، انما بكونها تبقى عاملا اراديا محضا يتوخى تصحيح الاخطاء البسيطة المرتكبة ومرد ذلك يعود الى عدم وجود اي نصوص تجيز اخضاع الموظف لعقوبات او مؤاخذة على الاخطاء المكتشفة بعد المراقبة والتدقيق. اما الاخطاء الجسيمة التي تمس الوظيفة انما يخضع فاعلها للملاحقة التأديبية تصل الى حد فصله من الوظيفة هذا ويمكن ملاحقته جزائيا في حال كان الفعل المرتكب يشكل جرمأً. وهو عكس ما يجري بالنسبة للرقابة التسلسلية التي تخول الرئيس التسلسلي صلاحية مراقبة تصرفات مرؤوسيه والتدخل فيها فيحق لرئيس البلدية مثلا ابطال تدابير المرؤوس المشوبة بعيب عدم الشرعية. وتنسحب اعمال الرقابة هذه الى السلطة التقريرية داخل البلدية التي تلزم بوضع تقارير بنتيجة اعمال المراقبة على حسن سير العمل البلدي لرفعها الى سلطة الوصاية. وتقتضي الاشارة الى كون الرقابة الذاتية والتسلسلية المجراة من قبل رئيس وموظفي البلدية انما تندرج تحت لواء الرقابة الادارية الداخلية.
اما عن الرقابة الادارية الخارجية فهي تتمثل بالرقابة التسلسلية اذ وفقا للمادة 58 من المرسوم الاشتراعي رقم 118/1977 يكون على رئيس المجلس البلدي ارسال قرارات المجلس الخاضعة للرقابة الى سلطة الرقابة المختصة مباشرة خلال 8 ايام من تاريخ صدورها على ان يبلغ نسخة منها المراجع التسلسلية، أي ان القرارات التي تتطلب تصديق محافظ ترسل مباشرة الى المحافظ ويبلغ نسخة عنها الى القائمقام. في حين ان القرارات التي تتطلب تصديق الوزير فترسل مباشرة الى الوزير ويبلغ نسخة عنها الى المحافظ والقائمقام لأخذ العلم.
وفيما خص هذا الشق من الرقابة، تجدر الاشارة الى انه امام سلطة الرقابة المختصة مهلة شهر واحد لتصديق القرار او رفضه تبدأ هذه المهلة بالسريان من تاريخ تسجيل القرار البلدي في الوحدة المختصة لدى سلطة الرقابة (هذا مع الاشارة الى كون القرارات الخاضعة لهذه الالية من الرقابة الادارية لا تشمل تلك المتعلقة بالموازنة ونقل الاعتماد والقروض التي اخرجها المشرع عن هذا التدبير ). ان مرور شهر من تاريخ تسجيل القرار دون تصديقه او رفضه يجعل منه مصدقا حكماً. ولكن ما يجري فعليا هو انه في كثير من الاحيان تمر مهلة الشهر دون ان تصادق سلطة الرقابة على القرار المحال اليها ما يجعله ضمنا بحكم المصادق عليه ويتوجب في هذه الحالة على رئيس البلدية ابلاغ سلطة الرقابة المختصة بأن القرار اصبح مصدقا دون حاجة لأن تعطي الأخيرة الى البلدية صلاحية التنفيذ .
ان ابرز القرارات التي اخضعها القانون لرقابة القائمقام وعددها على سبيل الحصر فهي تشمل الموازنة البلدية ونقل وفتح اعتمادات، الحسابات القطعية، تحديد معدلات الرسوم البلدية (الخ)، التي تبلغ قيمتها سقف معين. بالاضافة الى ذلك فقد اعطى القانون القائمقام بعض الصلاحيات الادارية، اهمها تلك التي أولته صلاحية مسك سجل خاص لتسجيل عدد السجلات ودفاتر الايصالات التي يجري ختمها وتوقيعها مع بيان عدد أوراق كل منها، ايضا فقد منح القائمقام الحق بتوجيه أمر خطي الى المجلس البلدي او رئيسه بوجوب تنفيذ عمل من الاعمال التي امتنع المجلس او رئيسه عن القيام بها، فاذا انقضت المهلة دون اي تنفيذ يحق للقائمقام بعد موافقة المحافظ ان يقوم بنفسه بذلك....
رغم كافة الصلاحيات الممنوحة الى القائمقام ، تبقى سلطة الرقابة الاكثر اتساعا تلك الممنوحة من القانون للمحافظ، فيتبين ان القانون حدد لرقابته الحد الادنى من المبالغ الخاضعة لرقابته ولم يحدد الحد الاقصى، فضلا عن كون معظم الصلاحيات المالية هي تحت رقابته. كما تجدر الاشارة الى انه لا يمكن ملاحقة رئيس البلدية او نائبه او اي عضو بلدي جزائيا من اجل جرم يتعلق بمهامهم الا بناء على موافقة المحافظ الخطية الذي يتبدى منه انه بمثابة حصانة لرئيس البلدية واعضائها اكثر منه سلطة رقابة للمحافظ الذي عليه ان يقرر مدى تعلق الجرم بمهام رئيس البلدية او العضو البلدي او عدم تعلقه!
اما عن رقابة وزارة الداخلية والبلديات على العمل البلدي يتبين انه للأخيرة الحق بالتصديق على كل من القرارات المتعلقة بتسمية الشوارع والساحات والابنية العامة وتحديد سلسلة رتب ورواتب موظفي البلدية، تعويضات رئيس ونائب رئيس البلدية، دفاتر الشروط العامة لصفقات الاشغال والخدمات، اسقاط الاملاك البلدية العامة الى املاك بلدية خاصة...
بما خص رقابة مجلس الخدمة المدنية، فهي تشمل تعيين موظفين واعدادهم وتدريبهم وترفيعهم ورواتبهم وتعويضاتهم ونقلهم وتأديبهم وصرفهم من الخدمة وسائر شؤونهم الوظيفية، مع العلم ان هذه الرقابة لا تشمل الا مراكز المحافظات اي 8 بلديات بالاضافة الى بلديتين فقط من اصل 1023 بلدية لتاريخ اليوم، بعدما تم تأسيس بلديتين الاولى في بيت أيوب الشمال والثانية عين المير في جزين، قبل أسبوع من إعداد هذا التقرير.
بالنسبة لرقابة التفتيش المركزي فهي تشمل جميع العاملين في البلديات بصفة دائمة او مؤقتة وكل من يتناول اجراً من صناديقها وبنتيجة هذه الرقابة يحال الموظف المخل لأنظمة المهنة وقوانينها الى الهيئة الـتـأديبية العليا وذلك بعد احالته اليها بقرار من رئيس البلدية. ويقتضي التنويه الى كون رئيس البلدية او رئيسه او العضو البلدي الموكلة اليه مهام السلطة التنفيذية، يحالون الى الهيئة التأديبية الخاصة برؤساء البلديات بناء على قرار من وزير الداخلية.
ولكن وعلى الرغم من ان قرارات هيئة التفتيش المركزي هي حافلة بالمآخذ على البلديات والمجالس البلدية وموظفي البلديات وهي قرارات كادت تفوق مخالفات اية ادارة او مؤسسة عامة، فقد تبين انه منذ العام 1977 ليومنا هذا وبالرغم من حالة الفساد المستشري في الاغلبية الساحقة من البلديات، لم يحول الا عدد هزيل من رؤساء البلديات على هيئة التأديب الخاصةّ لا يتخطى عددهم اصابع اليد الواحدة!
كما يعنى التفتيش المالي التابع للتفتيش المركزي بكيفية تنفيذ القوانين والانظمة المالية وكيفية حفظ الاموال البلدية وضبط حساباتها بالاضافة الى التدقيق بعمل الموظفين الذين يتدخلون بتنفيذ الموازنة وادارة الاموال البلدية.
يبقى انه لوزارة العدل ايضا صلاحية مراقبة العمل البلدي لجهة المصالحات التي تجريها باخضاعها لموافقة كل من هيئة القضايا او هيئة التشريع والاستشارات مع الاشارة الى كون موافقة الهيئة المختصة في وزارة العدل لا تحول دون تصديق القائمقام على القرار القاضي باجراء المصالحة، كما لا تحول دون خضوع القرار لمراقبة ديوان المحاسبة المسبقة اذا فاقت المصالحة سقف معين.
اما ابرز الرقابات الممارسة على البلديات فهي الرقابة المسبقة، ذات الطابع الوقائي وهي رقابة وزارة الداخلية والبلديات الممثلة بالمراقب العام ومدقق الحسابات، ورقابة ديوان المحاسبة المسبقة والمؤخرة.
قبل التطرق الى اوجه الرقابة الممارسة من قبل المراقب العام، تجدر الاشارة الى ان البلديات الخاضعة لرقابة مراقب عام "مراقب مالي " لا تتجاوز الـ65 بلدية واتحاد من اصل 1021 بلدية و52 اتحاد!
يمارس المراقب العام رقابته على الواردات ومشاريع الموازنة البلدية وتعديلاتها وعلى مشاريع الاعتمادات الاضافية التي يجب عرضها عليه بعد اعدادها وقبل اقرارها من المراجع المختصة. ولكن رأي المراقب في هذه الحالات هو راي استشاري وغير ملزم. بالاضافة الى ذلك يقوم المراقب العام بمراقبة مشاريع عقود النفقة لجهة توفر الاعتمادات في الموازنة او عدم توفرها وما لحقها من تنزيلات او اضافات او اعتمادات. كما يحق للمراقب العام ان يرفض التأشير على معاملة النفقة لجهة توفر الاعتماد وصحة التنسيب وتخصيص الاعتماد لنوع النفقة فيما لو ارتأى عدم انطباق المعاملة للقوانين والانظمة. كذلك تجدر الاشارة الى ان رأي المراقب العام ليس له أية صفة الزامية في القضايا المالية التي يطلب اليه ابداء رأيه فيها.
للمراقب العام الحق ايضا بالطلب الى رئيس البلدية او الى اي موظف تزويده بالمعلومات والمستندات اللازمة التي تمكنه من اجراء مراقبته على افضل وجه، كما له أن يرفع الى المدعي العام لدى ديوان المحاسبة تقريرا مفصلا عن كل مخالفة تطال اما عقد نفقة مخالف للقانون او عقد نفقة دون الحصول على تأشير مراقب عقد النفقات او اهمال عرض احدى المعاملات على رقابة الديوان المسبقة ... مرفقا تقريره بالمستندات الثبوتية وذلك تحت طائلة اعتباره مسؤولا عن التنفيذ. اخيرا، يدقق المراقب العام بقطع حساب موازنة البلدية لجهة اقترانه بموافقة المجلس البلدي وتوقيعه من المراجع المختصة في البلدية كما والتدقيق بصحة حسابات الواردات والنفقات ومطابقتها للقيود الخاصة.
اما عن مدقق الحسابات، فتجدر الاشارة الى انه يتم تكليفه من وزارة الداخلية لاجراء "رقابة عارضة" على البلديات التي ترى انها ترتكب مخالفات هامة، وعليه ان يرفع تقريره الى الجهة التي كلفته من اجل اتخاذ الاجراءات اللازمة بالاستناد الى هذا التقرير كاتخاذ عقوبات تأديبية بحق المخالفين او احالتهم الى هيئة التأديب الخاصة.
اخيرا نتطرق الى رقابة ديوان المحاسبة الادارية المسبقة والمؤخرة التي يمارسها على تنفيذ الموازنة. فرقابته المسبقة تشمل الكثير من المعاملات التي تفوق قيمتها سقف معين، نعدد منها على سبيل المثال كل من معاملات تلزيم الايرادات، ومعاملات بيع العقارات، صفقات اللوازم والاشغال والخدمات، الاتفاقات بالتراضي بما فيها عقود الايجار، معاملات المنح والمساعدات والمساهمات، المصالحات (...الخ). اما رقابة الديوان المؤخرة فتشمل تدقيقه في المعاملات المالية من حين عقدها الى حين قيدها في الحساب. لجهة رقابته القضائية على الحسابات، فقد الزم القانون الموظفين المختصين لدى البلديات الخاضعة لقانون المحاسبة العمومية، ارسال حسابات البلدية والمستندات الثبوتية العائدة لها. بالاضافة الى ذلك فقد حدد قانون تنظيم الديوان المخالفات التي يمكن ان يرتكبها هؤلاء وتعرَضهم للملاحقة امام الديوان.
هذا ولا يمكن اغفال دور رقابة مجلس شورى الدولة على كافة القرارات البلدية وعلى انظمة الموظفين في البلديات واتحادات البلديات والتي لها صفة نظام عام.
ان هذا العرض عن الرقابة على العمل البلدي انما يؤدي الى استنتاج واحد وهو ان عدم الرقابة يؤدي الى الاخطاء والتجاوزات ويجعل من البلدية دولة ضمن الدولة. اما كثرة الرقابة فتهلك وتشل عمل البلدية وتؤدي الى فقدان الرقابة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News