ليبانون ديبايت - داود رمال
لا يحتاج زائر العاصمة الايطالية روما الى من يخبره ان العلاقة بين الكرسي الرسولي في الفاتيكان وكرسي انطاكيا وسائر المشرق للموارنة ليست بخير، فهذا بائن من خلال تتبع الحضور الماروني اللبناني في دوائر حاضرة الفاتيكان مع اشارات توحي بوجود خيبة بعدما لم تحقق بكركي ما كان مأمولا منها في عهد الكاردينال ما بشارة بطرس الراعي.
لدى الفاتيكان سياسته وتوجهه، فهو يريد انتخاب رئيس جمهورية ويؤكد على ذلك باستمرار، ولكن رئيسا لا يحدث شرخا بين المسيحيين، اما مع الكنيسة المارونية لا يخفى وجود خلافات بين الكاردينال الراعي والفاتيكان، والسؤال الذي يتردد اصداؤه في روما "من يحيط بالبطريرك؟"، خصوصا ان الدور الحاسم في انتخاب الراعي في سدة البطريركية كان للسفارة البابوية في لبنان ولشخص السفير غبريال كاتشيا، الذي كان مشجعا لشخص الراعي على اعتبار ان البطريرك يجب ان يكون جامعا بعد مرحلة الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، وايضا قادرا على الجمع وعلى التعاطي مع الجميع، يومها اقنع كاتشيا الفاتيكان بامكانية السير بالراعي، علما ان المطران الراعي هو من الرهبان ونادرا جدا في الكنيسة المارونية ان يصبح الراهب مطرانا والنادر الاستثنائي ان ينتخب هذا الراهب المطران بطريركا.
التوجه كان لانتخاب بطريرك غير ممسوك لانه بذلك قادر على فرض كلمته ويكون مطاعا، اذا لم يطاع من القيادات على الاقل ان يطاع من الشعب، والراعي بدايته فور انتخابه بطريركا كانت ممتازة، مدّ جسور التواصل مع الجميع وتحديدا جهات لم تكن تزور بكركي وعلى وجه الخصوص حزب الله. امر مهم حصل ولم يعط اهمية مطلوبة، وهوعقب التفجير الارهابي في برج البراجنة زار السفير البابوي شخصيا الجرحى في مستشفايات الضاحية واضطر ان يرافقه مطران بيروت للموارنة بولس مطر، كان مطلوبا متابعة هذه الخطوة، وتفقد كاتشيا للجرحى رسالة للراعي لمتابعة انفتاحه على المكون الشيعي، حتى يحيط نفسه بقوة وطنية كبيرة، خصوصا ان السنة كانوا بدأوا يفتحون خطوطا مع بكركي منذ ايام البطريرك صفير، ولدى الراعي قاعدة هي اتفاق الطائف وبالتالي قادر على انتاج قيادات، هذه كانت فكرة الفاتيكان، وهذا ما لم يحصل.
لا بل ما بناه الراعي فور جلوسه على كرسي انطاكية وسائر المشرق للموارنة ، بدأ يهدم بمواقف غير معلوم لماذا وكيف تصدر اضافة الى الاكثار من الكلام، واكتشف لاحقا انه لم يكن هناك احاطة او البطريرك لا يريد ان يكون محاطا بمجلس استشاري او بمستشارين ذوي خبرة، لان البطريرك ليس بمقدوره لوحده الاحاطة بكل الواجبات، علما انه بدأ في الفترة الاولى الاستعانة بهكذا نخب، (اصدار الوثيقة الاقتصادية، توجه الكنيسة في الشرق..) ولكن لاحقا أبعد الجميع وحصر التواصل مع البطريرك بمعبر الزامي معروف، ولم يكتف بابعاد العلمانيين انما ابعد الدينيين، علما ان "المونسنيورية" قادرين على ترجمة السياسات والتوجهات، و"بتركيبة العقل الفاتيكاني لا يقبلون بذلك، لانهم ككنيسة تركيزهم على المؤسسات"، والبابا الحالي فرنسيس رغم وجود مؤسسات في الفاتيكان اصرّ مجلس من ثمانية كرادلة لانه لا يريد اتخاذ قرارات بمفرده، واختار الكرادلة من كل انحاء العالم ليكون لديه فكرة جامعة عن اي توجه سيسلكه، اطلق الرسالة العامة عن البيئة في العالم ورحب بها كل قادة العالم بمن فيهم من ليسوا مسيحيين، لانه كان الى هذه الدرجة يمتلك المعطيات وبعد النظر والتطلع، وعندما هاجم البابا ابرز المرشحين الجمهوريين للرئاسة في الولايات المتحدو دونالد ترامب كان يتخذ موقفا نادرا لان البابا الراحل يوحنا بولس الثاني لم يكن يهاجم مباشرة، هذا كله لانه يريد تفكيرا جامعا يجمع، يرتكز على اسس وقادر على البناء.
ناهيك عن التسريبات التي نشرت في وسائل الاعلام حول البطريركية المارونية وعن البطريرك، والذي لم يوفق في مكان ما في عملية الدفاع وتبيان الحقيقة، "الامر الذي ولّد نقزة في الفاتيكان تجاهه، تحتاج الى جهد من قبله لكي تسوى الامور مجددا"، ومن المشاكل التي لا يرضى عنها الفاتيكان، "ان المطران الذي يتقاعد في سن ال75، عند اقترابه من سن التقاعد يعمد شكليا الى تقديم استقالته ويعود مجلس المطارنة الى تكليفه الاستمرار سنة اضافية وقبل انتهاء السنة يمدد له سنة اخرى.. وهذا غير مقبول في الفاتيكان، هناك قانون يجب ان يطبق"، ماذا يفعل المطارنة الذين يقتربون من سن التقاعد، يعمدون الى اطلاق مشروع في ابرشيتهم يحتاج الى خمس سنوات لينفذ وربما اكثر ويعرضون المشروع على بكركي مقرونا بتمني ان ينجز في ايام توليهم للابرشية فيكون ذلك ذريعة للتمديد".
طالما ان لبنان بظرف دقيق لا يمكن للفاتيكان غض الطرف، وما يحصل نتيجة ذلك ان كلمة بطريرك السريان وبطريرك الروم الكاثوليك صارت مسموعة اكثر من بطريرك الموارنة وهذه سابقة، "وهذا يعرف من دوائر الفاتيكان عندما نجد ان بطريرك الموارنة لا يتمكن من ادخال احد الكهنة ليعمل في دوائر الفاتيكان، ناهيك انه لم يطرح يوما اسم علماني للدخول الى هذه الدوائر، اما ضمور الحضور الكهنوتي الماروني في دوائلر الفاتيكان امرا ليس هينا، فأين نحن من زمن الحضور اللبناني يوم كان المطران ادمون فرحات سفيرا بابويا في عدة دول مجتمعة وهو الذي اجرى اول اتصال بين الفاتيكان وليبيا، والمطران الهاشم الذي كان سفيرا بابويا في الكويت وغيرها؟..اليوم لا يوجد احد باستثناء شخص واحد في محكمة (الروكا) بعدما كان فيها ثلاثة لبنانيين، بينما في يومنا الحاضر الاقباط المصريين هم من يتولون المواقع في الدوائر الفاتيكانية لانهم يشتغلون بجدية ومثابرة ونظافة، ولا يلمس تجاوب مع بطريرك الموارنة".
هناك ضمور في الحضور اللبناني في الفاتيكان عكس ما كان عليه الحال ايام يوحنا بولس الثاني وبينديكتوس السادس عشر، "كان رهان الفاتيكان ان يتم تحويل الكنيسة الى مؤسسة تشبه الفاتيكان، وهذا ما بدأه الراعي في اول عهده ولكن المسغرب لماذا لم يكمل؟"، علما ان الراعي يعتبر في الفاتيكان متقدما على آخرين فهو ليس كاردينالا فقط انما رأس كنيسة مشرقية، الان من ينشط هو البطريرك لحام ويتكل عليه واستطاع التأثير بقوة في مقاربة الفاتيكان للازمة السورية، علما ان التقييم الفاتيكاني للراعي انه "يمتلك قدرات كبيرة ويوم استقال صفير كانوا على حق عندما اجمعوا على انه افضل الموارنة، وعند انتخابه اتى بمطارنة مثله متنورين ورجال صلاة وكنيسة، وكان ذلك مؤشرا لنفضة في الكنيسة، ما الذي حصل لتتوقف او تتراجع؟، كان هناك اندفاعة يقدّر لها ان تثمر وتعطي نتائج، والسؤال الفاتيكاني الآخر "هناك طاقات هائلة في الكنيسة المارونية لماذا لا يتم استثمارها؟".
لذلك، ليس مستغربا ان تكثر زيارات الراعي الى روما لا سيما الاخيرة منها، لان في جانب منها "مصارحة" فاتيكانية بالملاحظات الجوهرية التي يتردد صداها بوضوح في الفاتيكان.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News