بعد الجلسة الاستفزازية للحكومة الإسرائيلية التي عقدها في هضبة الجولان المحتلة يوم الأحد 17 أبريل (نيسان) 2016 رئيسها نتنياهو، توجه هذا المستفز أمتْين ومعهما بعض أصحاب الضمير من المجتمع الدولي، إلى موسكو للتحادث مع الحليف الأكثر تدخلاً في المحنة السورية فلاديمير بوتين.
زيارة مريبة وتجعلنا نفترض أن بوتين هو فعلاً بوجهْين في موضوع الصراع العربي الإسرائيلي. وهو لو كان حليًفا مخلًصا للنظام البَّشاري لكان اتخذ وقفة ولو بصيغة تصريح لمصلحة الرئيس بَّشار الأسد الذي شَّكل عْقد الاجتماع الحكومي الإسرائيلي في أرض سورية محتلة المزيد من الإحراج له، حيث إن ردِفْعله كان مجرد تصريحات خجولة لمسؤولين وتنظيرات مخجلة لمنِّظرين غير قابلة لتخفيف حدة الصدمة الناشئة عن تلك الخطوة الاستفزازية.
وفي تقديرنا إن نتنياهو هو الذي تعَّمد عْقد تلك الجلسة عشية زيارته إلى موسكو بغرض الإيحاء أن الرئيس بوتين حريص على علاقة جيدة مع إسرائيل أكثر قوة من علاقته المريبة مع النظام البَّشاري، ذلك أن هنالك مليون روسي يهودي سبق أن هاجروا إلى إسرائيل وهؤلاء يصطّفون إلى جانب التطرف الذي يمثله نتنياهو. وعند الاختيار فإن هؤلاء سيقولون في لحظة اتخاذ موقف إنهم مع نتنياهو وإن الليكودية خيارهم وليست البوتينية.
وبالمقابل ليس هنالك مثل هذا المليون في سوريا وإنما بضعة ألوف سوريين من خريجي الجامعات الروسية وبضعة ألوف روس من الجنود والخبراء أتوا لنجدة النظام الذي يراهن بوتين وقبله إيران الخامنئية عليه، لن يبقوا في سوريا عند انصراف النظام البَّشاري وسيلقى هؤلاء على الأرجح ما لقيه نظراء لهم كانوا في مصر؛ حيث إنه بعد أن توفي الرئيس جمال عبد الناصر بادر وريثه الرئيس أنور السادات إلى ترحيلهم أذل ترحيل ومن دون أن يكون في استطاعة الكرملين الشيوعي العظيم الشأن زمنذاك أن يفعل شيًئا، ثم بدأ ذلك الكرملين ذبوله إلى أن تهاوى.
ما هو أشد إيلاًما على النفس السورية أن نتنياهو لم يكتِف بالذيَفَعله وقاله فوق الهضبة وإنما كرره تثبيًتا داخل قصر الكرملين، وبذلك بدا أنه يزور موسكو لهذا الغرض، ولكي يوحي بأن لقاء الكرملين بالرئيس بوتين هو تتمة لجلسة الحكومة في الهضبة السورية المحتلة، بل إنه زاد الاستفزاز استفزاًزا بقوله أمام بوتين:
«بتسوية أو من دون تسوية ستبقى هضبة الجولان تحت السيادة الإسرائيلية»، ومن دون أن يهدئ الرئيس المضيف بوتين من فظاظة ضيفه الفظ مكتفًيا بتبرير خلاصة «أن أسباب اللقاءات والاتصالات الروسية الإسرائيلية المكثفة تعود إلى الوضع غير البسيط في المنطقة وحلول الذكرى ا25 لاستئناف علاقاتنا الدبلوماسية في هذا العام».
وثمة تساؤلات:
أليست المناسبة المشار إليها فرصة أمام الرئيس بوتين لكي يندد بما فعله نتنياهو ثم بما قاله؟ وهل حلول هذه الذكرى تتطلب من نتنياهو اصطحاب وفد عسكري أمني إلى موسكو لا علاقة له بالدبلوماسية من بين أعضائه وزير الهجرة الروسي الأصل والذي يمثل المليون روسي يهودي ومعظمهم لا يتحدث بالعبرية؟
وهل تتطلب حلول الذكرى سكوت بوتين عن موقف من جانب نتنياهو يتعارض مع قرار دولي أقر كرملين الاتحاد السوفياتي كما سائر دول العالم ومن قبل أن يفاجأ الشعب الروسي بأن رئيسهم غير المتوازن بوريس يلتسين نَّصب أحد نبهاء المخابرات السوفياتية فلاديمير بوتين خليفة مأمون الجانب له بحيثُيبقي أسرار وملفات الحقبة اليلتسينية في الخزائن السرية، وهذا ما فعله بوتين رئيس الحكومة ثم بوتين رئيس الدولة، حيث كان عندُحسن اختيار يلتسين له. والقرار الدولي الذي نشير إليه هو قرار مجلس الأمن 242 الذي صاغه مندوب بريطانيا اللورد كارادون ونَّص على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية التي احتلتها يوم 5 يونيو (حزيران) 1967. لكن إسرائيل تذرعت ولا تزال للسنة التاسعة والأربعين باحتلالات واعتداءات وتدمير بيوت ورمي فتية وفتيات في الأسر، بكلمة «أراض» بدل «الأراضي» رغم تفسير صائغ القرار بأن النص يعني الأراضي كلها وليس بعضها. ولكنه المراوغة البريطانية في طبعتها الثانية بعد الأولى المتمثلة بتسليم فلسطين العربية للصهاينة بموجب وعد اللورد الآخر آرثر بلفور. وعلى أساس هاتْين المراوغتْين بنى نتنياهوِفْعله الاستفزازي المتمثل بالجلسة الحكومية في الهضبة السورية العربية المحتلة، ثم بتوقيت زيارته إلى موسكو وترداده وهو في الكرملين الكلام الذي قاله وهو في الهضبة.
استكمالاً للتساؤلات يستغرب المرء هذه الروح الرياضية من الجانب العربي، وكيف أن رد الِفْعل كان باهًتا، وأن مجلس الجامعة الذي عقد يوم الخميس 21 أبريل 2016 دورة غير عادية على مستوى المندوبين الدائمين أدان الفعل الإسرائيلي و«اعتبر بكل وضوح أن فْرض إسرائيل لقوانينها وسلطاتها وإدارتها في مرتفعات الجولان السوري المحتل هو إجراء لاغ وباطل وغير ذي أثر قانوني، كما أن تلك الإجراءات تمِّثل خرًقا فاضًحا لقراري مجلس الأمن 242 لعام 1967 و338 لعام 1973، إضافة إلى القرارات اُلأخرى ذات الصلة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية عام 2004 في هذا الشأن». وإلى ذلك كَّلف المجلس مصر التي تترأس القمة العربية والعضو العربي في مجلس الأمن والأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي بإجراء الاتصالات والمشاورات مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس مجلس الأمن والدول الأعضاء فيه من أجل اتخاذ الخطوات اللازمة لمواجهة هذه الاستفزازات والانتهاكات الإسرائيلية.
الذي يضيف إلى هشاشة هذا الموقف أن صاحب الجولان، أي النظام البَّشاري، ليس من ضمن المشاركين في الاجتماع العربي التنديدي، وأن مجلس الجامعة كان كمن يقيم مولًدا صاحبه غائب. كما أن صاحب صاحبه، أي الرئيس بوتين، كان يسمع من زائره الفظ نتنياهو من الكلام حولِفْعله الجولاني ما يعكس انطباًعا بأن القيصر الروسي المرتاح إلى أن النظام البَّشاري في جْيبه ولا يمانع في أن يكون هو، أي بوتين، في جْيب نتنياهو.
وثمة نقطة أُخرى لافتة وهي أنه عندما يصطحب نتنياهو معه قائد السلاح الجوي، فهذا يعني أن إسرائيل تريد على الأرجح بعض الطائرات الروسية المتطورة تضيفها إلى ما تملكه من طائرات أميركية. والغرض من ذلك هو التعطيل النهائي لأي احتمال من جانب سوريا ومعها إيران لتوجيه قذيفة من طائرة روسية تملكان مثلها الكثير ضد طائرة روسية من المحتَمل أن تحصل إسرائيل بعد زيارة نتنياهو على كثير من النوع المتطور. وهذا سيحمل إسرائيل على مزيد من التمسك بالهضبة. وبوجود «لوبي» روسي ليكودي الهوى داخل إسرائيل يستطيع بوتين رْفض الطلب ما دام مطمئًنا إلى أن السلاح الجوي الروسي يمكن أن يضرب السوريين المنتفضين لكنه لا يضرب سلاًحا روسًيا تملكه إسرائيل.
في ضوء ذلك هل سيبقى النظام البَّشاري لا يأخذ في الاعتبار أي حال بات عليها، وكيف أنه لا يملك حتى حرية التحرك داخل محيطه العربي وكذلك داخل محيطه الإسلامي، فضلاً عن أن علاقته بالعالم الخارجي تأخذ طابع المساعدة التي لا تدعم مواقف. وحتى في رهانه على روسيا نجد الحليف بوتين في ضوء استضافته للمستفز نتنياهو لا يعنيه في شيء أن تستعيد سوريا أرًضا محتلة ذلك أنه هو في مؤازرته للنظام البَّشاري يتصرف تصُّرف المحتلين. بل إنه أكثر من ذلك يمالئ الجاني قولاً وِفْعلاً على المجني عليه المنشغل في مواجهة مع انتفاضة يدفع ثمنها البشر والحجر ناهيك بسمعة سوريا ومكانتها.
ولن يبِّدل هذا الواقع غير العقلاني سوى لحظة وعي يقرر فيها بَّشار وْضع أمر سوريا في أيدي أشقائه العرب ومن خلال جامعتهم. بذلك لا تعود سوريا على تغريدها المبغوض خارج الفضاء العربي وبعودتها العروبية تستعيد مكانها في الفضاء الإسلامي ولا تعود على تلك العزلة التي لم يخفف من وطأتها انسحاب الرئيس الإيراني حسن روحاني من الجلسة الأخيرة للقمة الإسلامية في إسطنبول، حيث لم يجد أمام شبه الإجماع على قرار يستهدف سوريا البَّشارية و«حزب الله» سوى الانسحاب من الجلسة.
أما عدا ذلك فسيبقى المشهد على ما هي حاله كما نراها. بَّشار في جْيب بوتين مجاوًرا خامنئي.. وبوتين مجاوًرا أوباما في جْيب نتنياهو.. وأما سوريا ففي غياهب الاحتلالات وملهاة في مسرح الأمم وكرة في ميدان المتلاعبين بأقدار الشعوب ومصائر الأوطان.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News