مختارات

دافيد عيسى

دافيد عيسى

ليبانون ديبايت
الاثنين 06 حزيران 2016 - 14:20 ليبانون ديبايت
دافيد عيسى

دافيد عيسى

ليبانون ديبايت

الانتخابات البلديّة والاختياريّة... "كلّن يعني كلّن"

placeholder

اما وقد انتهت الانتخابات البلدية وأُسدِلت الستارة على انتخابات مُرِرت في الوقت الضائع والمستقطع وفي غفلة من الاستحقاق الرئاسي، يجب ويجدر التوقف عند المعاني والدلالات التي انطوت عليها هذه الانتخابات والتي تفوق بأهميتها النتائج وجداول الرابحين والخاسرين.

وبعدما بلغت حدة الاتهامات و«العنتريات» المتبادلة ذروتها وانتهت عمليات الاستنفار المتبادلة وانتهاء «ام المعارك» كما يحلو للبعض تسميتها ، وتقبل النتائج والصدمات , لا بد من قراءة موضوعية لما حصل.

ان حصيلة الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان انطوت على دلالات عديدة وجاءت غنية بالرسائل وحملت رسائل واضحة الى الاحزاب والسياسيين في صناديق الاقتراع يجب ان تقرأها جيداً وتستخرج منها الدروس والعبر بعيداً عن المكابرة و«الفلسفة السياسية» والكذب على الناس، كما تبين بما لا يحمل الشك ان هناك موجة اعتراض شعبي على الواقع القائم يكاد يلامس حد الثورة، واليكم بعض وابرز هذه الرسائل والأحكام:

اولاً: كشفت الانتخابات عن ازمة علاقة وثقة عميقة بين الناس والسياسيين والاحزاب، وهذه الأزمة جرى التعبير عنها وترجمتها على ارض الواقع الإنتخابي بعدة طرق واشكال، تارة عبر اللجوء الى المقاطعة وخفض نسبة المشاركة الشعبية، وتارة عبر التصويت الاعتراضي والاحتجاجي لمصلحة لوائح المجتمع المدني والقوى المستقلة، وطوراً عبر دعم اللوائح المضادة للوائح الحزبية والتصويت لمصلحتها.

لم يأبه السياسيون والاحزاب لحال اللبنانيين ولم يأخذوا على محمل الجد الإنذارات المتتالية التي اطلقها الشعب معلناً الطلاق معها ونازعاً ثقته منها.
ولكنه كان صوتاً صارخاً في برية السياسيين الذين لم يصغوا ولم يفهموا ما يحصل على الأرض ومغزى هذه الرسالة الشعبية المباشرة.
جاءت الانتخابات البلدية لتكشف الوضع على حقيقته وحجم الهوة الواسعة التي باتت تفصل بين الناس والطبقة السياسية والحزبية، ولتظهر ان الثقة سقطت وان الناس يتحينون الفرص للنيل من السياسيين والاحزاب وللتعبير عن سخطهم ووجعهم.

وهذا ما يفسر «التصويت السلبي» وعلى نطاق واسع في كثير من المناطق لا سيما في المدن الكبرى.
ثانياً: انكشف مع الانتخابات البلدية واقع ان الأحزاب السياسية باغلبيتها تعاني من وضع شعبي متراجع، ومن انخفاض نسبة التأييد لها وهذا التراجع مرده الى اسباب وعوامل كثيرة تختلف بين حزب وآخر، منها ما هو تنظيمي داخلي ويتعلق بوجود اعطال وثغر على مستوى القيادة وآلية تنفيذ القرار اي وجود حلقة مفقودة بين القيادة والأرض وهذا سببه ممثلي الاحزاب في المناطق والذين هم على تماس مباشر ويومي مع الناس وطريقة تعاطيهم الفوقية خلال تأليف اللوائح، ومنها ما هو سياسي يتعلق بخيارات ومشاريع سياسية لا تلقى تأييداً ورواجاً عند الجمهور والرأي العام او ربما يكون السبب عدم وجود مشروع سياسي محرّك وجامع، ومنها ما يتعلق بتبدّل الأولويات والاهتمامات عند قطاعات وفئات لبنانية واسعة لم تعد ترى في هذه الأحزاب ما يلبي تطلّعاتها نحو حياة كريمة ومستقبل افضل.

النتيجة ان معظم الأحزاب، فوجِئت بالتصدي الذي لاقته من قوى المجتمع المدني والعائلات والقوى السياسية التقليدية والمستقلة، تراجع وهج «حزب الله» في بعض مناطق البقاع، وكذلك حصل مع «تيار المستقبل» في بيروت وطرابلس، والحزب التقدمي الاشتراكي في بعض مناطق الجبل ومناطق بيصور وكفرمتى اضافة الى ما حصل في بلدية «الباروك الفريديس»، وأكثر ما ينطبق هذا الواقع على الساحة المسيحية التي كان اندفاع التحالف المسيحي الثنائي المكون من حزبي «القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر» اندماجاً «شرساً» لفرض واقع سياسي جديد من باب البلديات ما ادى الى وقوع مواجهات ومعارك قوية في العديد من المدن والبلدات.

ومن المؤسف ان التحالف المسيحي وُضع في ما كنّا حذرنا منه ودعونا الى تجنّبه وتورط في اخطاء التصادم مع العائلات حتى بدت الانتخابات البلدية وكأنها معركة تصفية حسابات بين الأحزاب والعائلات وهو ما اتاح للقول ان كل ما قيل بعد «تحالف معراب» عن حقوق ومصالح مسيحية انما هي مجرد عناوين برّاقة وجذابة للاستقطاب وليس للتنفيذ.
وجاء كلام جبران باسيل المتعالي بعد الانتخابات البلدية والاختيارية خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده للتحدث عن نتائج الانتخابات ليؤكد ذلك، هذا الكلام الذي توقف عنده كثيرون ولا سيما بعض النواب خلال الجلسة النيابية المشتركة وآخرون من الذين شاركوا في لقاء الاربعاء النيابي في عين التينة، اضافة الى اهل البيت البرتقالي وصولاً الى ابعد الخصوم من (موقف نعيم عون القيادي في التيار الوطني الحر الاعتراضي والذي اطلقه عبر تعليق على صفحته على الفايسبوك الى تعليق الوزير سليمان فرنجية القوي والمباشر عبر التويتر) اضافة الى مواقف بعض القواتيين في مجالسهم الخاصة الذين لم يخفوا امتعاضهم من مكابرة باسيل ونكرانه لدور القوات الاساسي في فوزه في مناطق كثيرة لا سيما في الشمال، مع العلم ان كلام باسيل المتعالي لن يغير في الواقع شيئاً واقعاً ان هذه الانتخابات ادت الى تحجيم كل القوى والقيادات السياسية بنسب متفاوتة وعلى المستويين الشعبي والسياسي، وان قدراتهم السياسية في التحكم بالأمور والتأثير في الرأي العام قد ضعُفت.

ثالثاً : اذا كانت الطائفتان الشيعية والدرزية هما الاقل تضرراً مما حصل، فإن الطائفتين المسيحية والسنّية كانتا الأكثر عرضة للتبدّل والاهتزاز والأقل استقراراً وشهدتا تغيرات ومؤشرات الى تحول في المزاج الشعبي العام.

في الخلاصة وفي الختام وبعد انتهاء الانتخابات البلدية لا بد من القول ان الأحزاب والقيادات والقوى التي لحق بها وبنسب متفاوتة «تحجيم وتقليم اظافر» تجد نفسها حكماً امام عملية مراجعة شاملة ومعمّقة لكل الوضع برمته لا تقتصر على النواحي التنظيمية الداخلية ولا تنتهي فقط الى تغييرات في المسؤولين والكوادر الحزبية والى تحميل هؤلاء مسؤولية اخفاقات وخيبات انتخابية ، وانما يجب ان تشمل الخيارات والتوجهات السياسية ايضاً وهذا هو الاهم.

وبصريح العبارة وصدقها نقول ان ما حصل يجب ان يقود الى «التواضع» وعلى القيادات والقوى السياسية والحزبية ان تتواضع في علاقاتها وتعاطيها مع الناس والشارع فتبادر اولاً الى تغيير نمط هذه العلاقة التي لا يجوز ان تبقى علاقة فوقية تفتقد روح التواصل والتفاعل المباشر والمشورة والى ايلاء قضايا الناس الحياتية الاهتمام الفائق لتأمين الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وتبادر ثانياً الى التخفيف من غلوائها وانفعالاتها والى خفض سقفها السياسي وتدوير الزوايا وتسهيل الحلول والمعالجات وفتح الطريق امام قانون جديد للانتخابات لتجديد الطبقة السياسية وضخّ دم شبابي جديد واستعادة التوازن والروح الميثاقية الحقة.
الانتخابات البلدية وجهت رسائل الى من يهمه الأمر... فهل يصغي السياسيون «كلن يعني كلن»، لصوت الشعب ويتعظون مما جرى ؟

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة