تحدث المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم عن "كيف نبني لبنان"، متطرقاً الى الانتخابات البلدية والاختيارية، وذلك في العدد الجديد لمجلة "الامن".
واكد ان الإنتخابات البلدية والإختيارية التي جرت في مواعيدها، سجلت إضافة نوعية الى القوى العسكرية والأمنية لإنجازها هذا الإستحقاق رغم عملها المتواصل في مكافحة الإرهاب عند الحدود وفي الداخل. إلا انها شكلت خطوة أولى على طريق استعادة لبنان عافيته الديموقراطية، وانتخاب رئيس للجمهورية لملء الفراغ في سدة الرئاسة.
وحذر اللواء ابراهيم من العصبيات الضيقة فيما بنيان الدولة يهتز تحت وطأة الأزمات المتأتية من الخارج الإرهابي الإسرائيلي والداعشي، معتبرا ان تغلب العصبيات يجعل أمر نقاش قانون الانتخاب المزمع أكثر تعقيداً.
وقال اللواء ابراهيم تجربة ديموقراطية جديدة أضافها اللبنانيون إلى مبانيهم الحقوقية والسياسية من خلال الإنتخابات البلدية والإختيارية في كل المناطق. وإذ سجلت إضافة نوعية إلى الجيش وسائر القوى الأمنية لجهة الجهوزية رغم عملها المتواصل في مكافحة الإرهاب عند الحدود وفي الداخل، فإنها فتحت كوة في جدار الفراغ والشلل اللذين وسما الحياة السياسية ما أدى إلى فراغ في سدة الرئاسة الأولى. وقد لا تكون هذه المحطة هي المثلى في الفعل الديموقراطي على المستوى الإجرائي، جراء بعض الشوائب أو بعض المخالفات. لكن الأهم أنها جرت في موعدها وفي أجواء هادئة وسليمة.
وتابع: يسجل للبنانيين انهم اثبتوا وعيا وتمرسا في العملية الديمقراطية وادارة صراعاتهم وحتى تناقضاتهم من طريق الانتخابات، رغم حدة المنافسة والتشنج السياسي اللذين سيطرا على لبنان طيلة الفترة الماضية جراء الأزمات المعيشية والحياتية والبيئية، مؤكدين ايضا ان الدولة هي ضمان الجميع على المستويين المصيري والوجودي. والإصطفاف الذي وسم الإنتخابات حمل علامات فارقة واشارات سياسية تستدعي الوقوف عندها لسلوك جادة الصواب السياسي في بناء لبنان الدولة الجامعة لشعبها، والقوية به وبطموحاته في شتى المجالات.
صحيح انها انتخابات مناطقية وانمائية في الشكل، لكنها جاءت غنية بالمعاني والدلالات السياسية في المضمون. لعل اهمها وابرزها سيطرة العصبيات الضيقة والمتقوقعة سواء في التفكير العائلي أو في الإدارات الحزبية التي استخدم بعضها لغة مقيتة في شحذ الناخبين وحضهم على الإقتراع، ما يؤشر الى أن البنيان الاجتماعي لم يتطور بما يلائم حاجاته التي يكرر على الدوام عدم الإهتمام بها. فالمفارقة الفاقعة في هذا السياق. أن اللبنانيين يستنكفون عن ممارسة السياسة خلال الإقتراع، ويستأنفونها طيلة مدة الولاية التي يمنحونها للمُنتخب. بمعنى أنهم ينشدون عصبيات وغرائز في اللحظة التي ينبغي عليهم فيها العودة الى العقل في الإختيار والإقتراع لهذه اللائحة أو تلك، ولهذا المرشح أو ذاك ، وغالبا ما تكون العملية الإنتخابية محكومة بولاءات وخدمات خاصة ومادية حتى، للأسف، وليس ببرامج فعلية قابلة للتحقق وبالتالي تطوير المجتمع والدولة.
والأكثر دلالة في هذا السياق، الشعارات والكليشيهات التي سيطرت على الانتخابات والتي كانت تستخدم "أفعل التفضيل" و "التمايز والتمييز" في اسماء اللوائح أو أسماء المرشحين حتى ليبدو للمتأمل ان اللبنانيين هم شعوب وليسوا شعباً، ويقدمون عصبياتهم الحزبية والمذهبية على الوطنية اللبنانية الجامعة، فيما بنيان الدولة يهتز تحت وطأة الأزمات المتأتية من الخارج الإرهابي الإسرائيلي والداعشي، ومن استفحال الأزمات السياسية وارتفاع معدلات البطالة والجمود الاقتصادي.
كما بدا جليا من خلال التغطية الإعلامية الحية المبثوثة من مناطق مختلفة، أن بعض اللبنانيين تعاطوا مع بعضهم البعض حتى داخل القرى كأن كل منهم يملك هوية ناجزة معيباً على ابن بلدته انه غير مقيم، معطوفة على تحذير من أن يغير "الوافد" من المدينة في النتيجة التي يرجوها هو أو يسعى إليها. هكذا بدل أن يتغلب هؤلاء على الغرائز، فقد تغلبت العصبيات عليهم فوسعت مساحاتها في كلام الذين تصدروا شاشات التلفزة والمقابلات الصحافية. وهذا بالضبط ما يجعل أمر نقاش قانون الانتخاب المزمع أكثر تعقيداً من التصريحات السياسية الزجلية. الغالبية، ناخبين أم مرشحين في الانتخابات البلدية، تحدثت عن التغيير إلا أنها لم تحدد بالضبط وجهة التغيير أو المراد تغييره. غالبهم أيضاً قدّم التقوقع على الانفتاح والتنوع، حتى طغت الهويات الضيقة.
"التغيير" الذي تظلله البعض أو خيّم بعض اللوائح تحته، لم يتطرق بحرف إلى وجوب ان يتمثل الناخبون كلهم في المجالس البلدية عبر قوانين عصرية. بل على العكس، كان المتنافسون يشترطون "وحدة الفريق" لنجاح موعود، ويتصرفون كأنهم عرضة لمؤامرة إلغائية، ولم يُسجل خطاب أو لغة عكست السعي الى تعددية تمتص احتقانات وتشنجات الهويات العصبية، والتي من المفترض ان الإنتخابات ـ أي انتخابات ـ هذه وظيفتها الأصلية في الوعي الديموقراطي.
الثابت الأمني والسياسي في الانتخابات البلدية انجازها في هدوء وبسلاسة وفقا للقوانين والمواعيد الناظمة لها. لكن الثابت الإجتماعي المقابل هو أن الكثرة من اللبنانيين يقيمون في غيتوات أقاموها لأنفسهم. لم يكن متوقعاً من هذا الاستحقاق الديموقراطي تغييرا جذريا، بقدر ما كان مأمولا أن يؤشر فقط إلى فرضيات واحتمالات تطور عصري يقدم لبنان الرسالة والتنوع، علما أن غالبيتهم تداولت بإعجاب اقتراع اللندنيين لمسلم كان والده سائق حافلة ليتبوأ منصب عمدة المدينة.
اللافت أيضاً الحماسة المنقطعة النظير لإجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية، حتى بدا ان الاصطفافات التي سبقتها وتخللتها سترفع من نسبة الإقبال إلى مستويات غير اعتيادية، لكن الوقائع دحضت هذا التصور. إن كان تأخر قانون الإنتخاب عن العصرنة بما يتيح للناخب أن يقترع من مكان إقامته إلى حيث "اصوله" هو السبب ، لكن هذا لا يعفي ولا يبرر للذين استنكفوا عن ابداء رأيهم وممارسة حقهم وواجبهم في رسم صورة المستقبل الذي يسعون إليه، والذي ايضا لن يتحقق في المقاهي او الجلسات المنزلية.
يبقى ان الانتخابات الحاصلة شكلت خطوة أولى على طريق استعادة لبنان عافيته الديموقراطية، وانتخاب رئيس للجمهورية لملء الفراغ في سدة الرئاسة، وفي ظل حماوة الحديث عن "رغبة جامعة" في اقرار قانون انتخاب عصري يؤمن التمثيل اللبناني الجامع. كذلك عن وعي أو عكسه، كسرت الثنائية الحادة التي حكمت الحياة السياسية اللبنانية منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري منذ احدى عشر عاماً. وهذا ما يشي باحتمال بلورة آليات سياسية أكثر ديموقراطية وتنوعاً تقطع مع العقد الماضي الرهيب، وبالتالي الشروع في الإجابة عن السؤال الجوهري: كيف نبني لبنان في وسط النيران المشتعلة على امتداد الإقليم؟. تمسك اللبنانيين بالحياة الديموقراطية، ونبذهم العنف والتفافهم حول مؤسساتهم العسكرية والأمنية، يعني شيئا أوحد، مفاده أللاعودة الى الماضي البغيض.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News