شهدت عطلة نهاية الأسبوع الفائت زواج إحدى صديقاتي. هذه المتيّمة بغرام حبيبها انتظرت لحظات ارتباطها به بفارغ الصبر. وما ان انتهت مراسم الزفاف حتّى غيّرت اسمها فجأة على مواقع التواصل الاجتماعي. فصَحَت في اليوم التالي تحمل اسماً جديداً! نعم، كانت تُعرف اجتماعياً باسمها وشهرتها، وأضافت إليهما بعد الزواج اسم عائلة الزوج! في ليلة وضحاها باتت تنتمي إلى عائلة أخرى!لا تكتفي النساء بعدم المطالبة الجدية بأبسط الحقوق، إنما يعمدن إلى نكران حقوق مكتسبة أصلاً بسبب جهلهنّ والإصرار على اتّباع تقاليد بالية يستحدثونها على منابرهنّ الاجتماعية في مواقع التواصل المتطوّرة.
مصرّة على التبعية
لا يُخفَ على أحد أنّه وحتّى بعد الزواج تُعَرَّف المرأة في لبنان على أوراقها الثبوتية باسمها وشهرتها، ليدوّن بعد ذلك اسم الزوج وشهرته (متأهلة من...). وعندما يُطلب منها كتابة اسمها الثلاثي في الدوائر الرسمية فهو طبعاً اسمها واسم والدها وشهرتها، وليس اسمها وشهرتها وشهرة زوجها! لكنّ عدداً كبيراً من النساء اللبنانيات مصرّات على استخدام هذه الصيغة اجتماعياً حتّى لو أنّها منتهية الصلاحية رسمياً.
يؤكّد القول المأثور أنه «إذا عُرف السبب بَطل العجب»، ولكن هل من سبب أصلاً لهذا الانتماء الطوعي للزوج سوى تجذّر الفكر الرجعي في ذهن من تعتقد نفسها «موديرن» و«كولتيفيه»؟ فهي بدل الاحتفاظ باسمها وشهرتها على مواقع التواصل وذكر اسم الرجل الذي تأهلت منه وشهرته (Married to)، لا زالت وبكل فخر تجاهر بأنها انتقلت من تحت سلطة والدها إلى سلطة زوجها وصارت باسمه، إذ لهذه التسمية التي تعتمدها مدلولات اجتماعية عديدة وهذه إحداها.
إلى ذلك، تبقى من تعتمد شهرتها وشهرة زوجها أفضل من أخريات حَذفن بعد العرس شهرتهنّ الأصلية من حياتهنّ الاجتماعية لتحلّ مكانها عائلة الزوج وحدها، علماً أنه لم يشتر له «شقفة أرض» فكتبها باسمه، بل تزوّج «بِنت عَيلِه» دأبَ والداها على تربيتها سنوات قبل أن «تصبح باسمه» اجتماعياً على هذا النحو، وكأنّها لم تعد تنتمي الى ماضٍ عائلي، بل مَحته بالممحاة.
واللافت في هذا السياق أنّ حتّى أمل علم الدين تحوّلت جذرياً إلى أمل كلوني على موقع ويكيبيديا! ويبقى السؤال: إذا تطلّقت هذه المرأة ماذا تفعل؟ هلى ترضى بالنصيب، وتعود بسحر ساحر لاعتماد شهرتها الأصلية؟!
الجهل المُستشري
في جولة فيسبوكية سريعة نلاحظ بوضوح كيف تتداخل شتّى أسماء العائلات اللبنانية على صفحات النساء المتزوجات اللواتي يسعدن بامتلاك إسم شهرة كومبوزيه (مركّب).
واللافت أنّ من تَتّبع هذا الأسلوب التقليدي المتخلّف، لا تعيش في إحدى القرى النائية ولا هي أميّة تجهل خطّ حروف اسمها أو ستّ بَيت حائزة «سيرتيفيكا» تمضي وقتها بصنع أطباق الأكل لعائلتها وترتيب الأسِرَّة، إنما تعتمد هذه التسمية نساء يتمتّعن بمستوى علمي لا يقل عن الإجازة أو حتّى الدراسات العليا أو الدكتوراة، وهنّ اللواتي يمكثن في قلب العاصمة ويرتدينَ «السنتري» لمزاولة عملهنّ يومياً في أحد مكاتب الخدمات ذائعة الصيت. نعم، هي صحافية ومدرّسة ومهندسة ومديرة أعمال وعاملة في المجال الاقتصادي وطبيبة وحتّى محامية تجهل أبسط حقوقها أو تتجاهلها.
فهذه المرأة اللبنانية انساقت في منظومة اجتماعية تتّبع هذا النمط من التصرّف كـ«موديل» شائع ورائج من دون أن تفكّر وتحلّل مدى صحته، ومدى بُعده من مبادىء المساواة بينها وبين الرجل، الذي لن يحمل شهرتها يوماً بدوره، وما زال يقف عائقاً في سبيل منحها هذه الشهرة لأبنائها حتّى. والأكيد أنّه مهما علا شأنها العلمي لن تعلو معرفتها وثقافتها حول حقوقها ومبادىء انتزاعها المساواة الاجتماعية.
ففي المدرسة حيث التعليم التقليدي علّموها قواعد «الفوتوسانتيز» في علوم الحياة، وكيف تميّز الـ COD من الـ COI والسينوس والكوسينوس، بينما لم يقوموا بتوعيتها حول حقوقها إلى درجة أنها لم تدرك كيفية كتابة اسمها والتعريف بنفسها اجتماعياً حين تكبر. فأبجدية حقوقها، والمساواة غائبة كلياً عنها وعن نظام التعليم!
علماً أنّ من حق كلّ امرأة أن تسمّي نفسها بما يحلو لها على مواقع التواصل وأن تعتمد شهرة زوجها في حياتها اليومية، إلّا أنه حان الوقت لأن تدرك بأنّ تشبّثها بعدم الوعي يعيدها الى الوراء سنين ضوئية، فهي لا تراوح مكانها حتّى، بل تتراجع.
نموذج غربي
تعترف العديد من الدول حول العالم بحقّ المرأة بنقل اسم شهرتها لأبنائها. فالأب الذي يرزق ببنات في الغرب قد لا تنقرض عائلته. وضَجّ العالم بخبر حمل طفلَي نجم كرة القدم الاسباني الشهير جيرار بيكيه اسم والدتهما العربي.
فالنجمة الكولومبية من أصل لبناني شاكيرا مبارك نقلت شهرتها رسمياً لابنيها ميلان بيكيه مبارك وساشا بيكيه مبارك من صديقها جيرار بيكيه، ونِحنا وَين بعدنا! إذ لا زال نقل اللبنانية شهرتها لأطفالها حلماً بعيد المنال بُعد الأرض عن كواكب أخرى في مجرّات أخرى، بسبب تجذّر الفكر البطريركي والتوارث الأبوي في مجتمعنا.
الواقع اللبناني
لم تكتف النساء عموماً بالسكوت عن العديد من حقوقهنّ وعدم المطالبة الجدية بأيّ تغيير يذكر، بل ساهمن على مرّ العصور بتحجيم أنفسهنّ وبفَرض ضوابط خيالية على بناتهنّ فأورَثنهنّ العبودية بدل الحرية، ومبدأ تحجيم الذات بدل الطموح لتحقيق غد أفضل أساسه المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.
في هذا المجتمع غالباً ما تدعس المرأة نفسها وبناتها اللواتي، وإن تمرّدنَ يوماً على واقعهنّ المذري، فإنهنّ لن يصلن إلى أي مكان. وتتربّى الفتاة منذ صغرها على فكرة أنّ المنزل الأبوي لأخيها الذي يحمل اسم العائلة أمّا هي فستتزوج في المستقبل لتحمل اسم عائلة أخرى.
ومنذ يوم ارتباطها بشخص تختاره يتغيّر اسم عائلتها ويتغيّر بيتها ويُنقل نفوسها، وتنجب أطفالاً من عائلة أخرى كما تقترع وتدفن في مكان قيد زوجها. وما يزيد وضعها سوءاً أنّها في غالبية الحالات لا ترث عن أبيها في حال كان لديها أشقاء لأنّ «التركة للصبي» أما هي فتزوجت.
ويحضّونها على التنازل عن الميراث لأشقائها بغضّ النظر عمّا ينصّ عليه القانون. وعلى رغم كل ذلك ما يلبس أن يشتكي سامي من أنّ زوجته لم تطبخ اليوم فتناولَ البيض على الغداء، حتّى يجيبه أبو جهاد الدكّنجي في الحي: «إي، ما المَرا اليوم آخدِه كلّ حقوقا!».
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News