إنّ سياسة أسعار الفائدة السلبية هي أداة مالية صالحة وممكنة في الدول القوية والتي توحي بالأمان والاستقرار وتُطبّق في دول مثل سويسرا واليابان ومنطقة اليورو وغيرها. إنّ الضريبة مستترة على السيولة المرتفعة لدى الافراد والمؤسسات والمصارف أما الدول الصغيرة فلا شأن لها في مثل هذه السياسات التي قد تكون قاضية عليها.لا تستطيع أيّ دولة أن تطبّق سياسة أسعار الفائدة السلبية على الودائع إلّا إذا كانت هذه الدولة قادرة على مواجهة التبعات السلبية الكثيرة والخطيرة لهذه السياسة. ومن أخطر تداعيات الفائدة السلبية هي هروب الودائع الى خارج البلاد او على الاقل سحب هذه الودائع من المصارف وإيداعها في الصناديق الحديدية والخزنات المصفّحة والآمنة. إذ إنّ الفائدة السلبية تمثل فعلياً وعلى أرض الواقع ضريبة مخفيّة.
أما الدول الأبرز التي استطاعات اعتماد هذه السياسة فكانت بالطليعة سويسرا واليابان والبنك المركزي الاوروبي وحتى هذه الدول دعت الى حثّ المودعين على توظيف واستثمار اموالهم في الاقتصاد الفعلي وليس فقط إيداعها في المصارف كما تهدف الى حثّ المصارف على توظيف الفائض في السيولة لديها في قروض الى القطاع الخاص بدل من إيداعها لدى البنوك المركزية، وكلّ ذلك يصبّ في خانة إعادة الحركة الاقتصادية وتعزيز النموّ وخلق الوظائف الجديدة.
وفي سويسرا على سبيل المثال حيث تتدفّق الأموال الى هذه الدولة طلباً للاستقرار النقدي والمالي وهروباً من مختلف انواع المخاطر التي تهدّد الثروات عموماً فقد سعت سويسرا الى إضعاف الفرنك السويسري لدعم النموّ الاقتصادي فيها واضطرت لكي تحقق ذلك أن تلجأ الى تطبيق أسعار الفائدة السلبية.
وتشهد اليابان الحركة ذاتها علماً أنّ العملتين الين الياباني والفرنك السويسري ما زالتا تُعتبران ملاذات آمنة للشارين، فتشهد إقبالاً متواصلاً من قبل المتموّلين والمستثمرين من مختلف انحاء العالم. وتظهر سياسة اسعار الفائدة السلبية شكلاً آخر ممّا يُسمى بحرب العملات التي تواجهها الولايات المتحدة بمختلف الوسائل.
كما ترتدي سياسات اسعار الفائدة السلبية ثوب نزاع مباشر بين البنوك المركزية من ناحية والمصارف ومعها اصحاب الثروات في العالم. إذ إنّ هذه السياسات موجّهة مباشرة الى اصحاب الثروات الذين يضطرون الى دفع اسعار فائدة سلبية على ودائعهم بدلاً من الحصول على الإيرادات التي اعتادوا عليها من عائدات على الودائع في المصارف.
إنّ أصحاب الودائع المتوسطة والصغيرة يستطيعون اللجوء الى إيداع أموالهم في الخزنات الحديدية في المصارف أو في بيوتهم وهذا ما لا يستطيع فعله اصحاب الثروات الطائلة مع صعوبة ايجاد الامكنة الكافية لحفظ هذه الاموال خارج المصارف والبنوك المركزية.
ويلقى اصحاب الثروات صعوبات اخرى تتمثل في تقلبات اسعار السلع واسعار العملات والمخاوف وتراجع البورصات العالمية. ويحول ذلك دون توظيف اموالهم في الاسواق المالية المذكورة.
أما الدول الصغيرة مثل لبنان فاعتماد اسعار الفائدة السلبية يبقى من المستحيلات حتى تخفيض اسعار الفائدة لتقارب الصفر في المئة هو امر مستبعد وغير آمن اذ لا شيء يلزم اصحاب الودائع في المصارف اللبنانية بالإبقاء على هذه الودائع حيث هي طمعاً بأسعار الفائدة المرتفعة مقارنة مع الخارج إضافة طبعاً الى الثقة النسبية حتى الاستقرار المصرفي في لبنان.
وتبقى حالة عدم الاستقرار السياسي والامني التي تهدّد الوضع العام في لبنان من الاسباب التي لا تسمح باتخاذ اجراءات لدفع المتموّلين الى توظيف اموالهم في الاقتصاد الفعلي بدلاً من الابقاء عليها كودائع عقيمة الجدوى لا سيما في القطاع المصرفي والمحلي كما أنّ ربط الليرة اللبنانية بالدولار الاميركي ضمن نطاق يراوح بين 1501 و1514 ليرة لا يتيح لمصرف لبنان استعمال سياسة اسعار الفائدة السلبية.
وعليه، فإنّ سياسات اسعار الفائدة السلبية هي أداة في متناول الدول القوية التي تستطيع مواجهة الفئات المتموّلة واصحاب الثروات الطائلة من مؤسسات وافراد بهدف بلوغ الاهداف المرسومة لكي تعزّز النموّ الاقتصادي وتصحّح الوضع المالي العام في البلاد.
إنها قدرة على المناورة والتحرك ورسم السياسات تتمتع بها الدول الكبيرة بينما تحاول الدول الصغيرة الافادة من هذه السياسات لجذب ما أمكن من الاموال الى اراضيها واسواقها إذ تحاول التوفير لها ما أمكن من العائدات الجذابة بالتوازي مع افضل نسبة من الاستقرار والإطمئنان.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News