مختارات

بول شاوول

بول شاوول

المستقبل
الأحد 30 تشرين الأول 2016 - 07:05 المستقبل
بول شاوول

بول شاوول

المستقبل

نقاط مشتركة بين 3 عمليات انتخابية!

نقاط مشتركة بين 3 عمليات انتخابية!

ثلاث عمليات انتخابية متشابهة في معانيها ومختلفة في طبيعتها وادائها تجري بمُدد متقاربة: الفرنسية والأميركية واللبنانية. ونظن أن الثلاث تلتقي إلى حد كبير بنقاط مشتركة وبمخاوف معطياتها وآثارها. اللبنانية مهددة بفراغ الجمهورية، والاثنتان الأخريان بالشعبوية وبما يعكسه وصول ترامب إلى الرئاسة الأميركية، ولوبان إلى الفرنسية. والمعالجات تتم لدرء «المصائر» المجهولة للبلدان الثلاثة.

في لبنان، دام الفراغ البرلماني والشغور الرئاسي والتعطيل الحكومي نحو سنتين ونصف السنة، بتمنّع «حزب الله« من النزول لتأدية الواجب الدستوري وتأمين النصاب (مع حليفه التيار الوطني الحر)، وبقاء لبنان بلا رأس هنا، وبنصف رأس هناك، وبرأس مشوش هنالك والآثار المدمرة ديمومة الفراغ، وانهيار الاقتصاد وخطر استغلال كل هذه الفراغات للمس بالكيان والطائف... والدستور. وعلى الامتداد الزمني وازاء «الهول» المُحدق بكل المؤسسات، كان على الرئيس الحريري ان يتحرك لإيجاد حلول تتلخص جميعها بالتوافق على رئيس

جديد لسد الشغور الرئاسي. رشّح سمير جعجع ولم يفلح ترشيحه بسبب الڤيتو الذي وضعه الحزب الالهي عليه. ثم الرئيس أمين الجميل... وكانت النتيجة متماثلة.. بقي اثنان من معسكر 8 آذار: فرنجية وعون. كسر الحريري العوائق النفسية (والشخصية) والسياسية وخطا الخطوة المجازفة: بترشيح حليف النظام السوري والحزب أي فرنجية. انها المجازفة الأولى. لكن حزب «الفراغ« رفض قبول فرنجية لأن عون هو مرشحه الرسمي، سقط الرهان الأول. بقي الثاني بعدما ازداد توجسّ الحريري وسواه من خطة الحزب بتعميم هذا «الفراغ» وتأبيده. هنا المجازفة – المخاطرة الأساسية: ترشيح عون وهذا ما تنكبه الرئيس الحريري. هنا بدأ تلكؤ الحزب. لكن مسافة المناورة ضؤلت.

لم يبق في «الميدان سوى حديدان». تجرّع الحريري مرة أخرى الكأس المُرة، وتحمل «التضحية» على أثقالها وأوزانها. الرئيس نبيه بري عارض. الحزب أحال عون على «سلة» مكتظة «بالممنوعات«. لكن بري، رفض ولحقه فرنجية، وبدا كأن الفراغ ما زال يلف «الرئيس المنتظر»... خلطت أوراق ورميت أوراق وغمضت أوراق... وأخيراً، «تجرع» الحزب «كأس» مناوراته وشغوذاته، وقَبِل تبني الحريري عون ليعلن بري بأنه سيؤمن النصاب، لكن سينتخب ضد عون. اكتمل النصاب وربما اكتملَت العدة لانتخاب الجنرال. الحريري ربح رهان سد الفراغ، وحزب الله استلحق فقدان حليفه المسيحي الأخير. «سموا» ذلك «لبننة« الانتخاب. وسماها آخرون «بمخاطرها». وها ينتظر اللبنانيون عملية الانتخاب الاثنين المقبل!

نجح الحريري في انقاذ الجمهورية والدولة برمتها من شبح الفراغ. لأنه سيكون المرشح الدائم، والرئاسة المؤجلة الدائمة. عصافير عدة بحجر واحد: انقاذ الرئاسة والطائف والدولة والجمهورية على الأقل بالنسبة إلى هذه المسألة التي حولها الحزب «معضلة».

[ فرنسا

إذا كانت جهود الحريري انصبت على امتداد أكثر من سنتين، على معالجة الشغور المعمم الزاحف على كل مفاصل البلد ابتداء بالرئاسة، ففي فرنسا أيضاَ، لعبة مماثلة: كيف يمنع بعض الأحزاب وصول مدام لوبان إلى الرئاسة الفرنسية لأنها «تشكل بمنحاها» «المتطرف» العنصري واحلافها الخارجية (بوتين) ومعاداتها الاسلام، واوروبا واليمين المعتدل واليسار المعتدل وأوروبا وبأدائها المُوارب، خطراً على الجمهورية. ونظن انه بحسب قراءتنا الوضع في فرنسا، أن الاهتمام الجدي من قبل شرائح من اليسار الاشتراكي وكذلك من اليمين الجمهوري تتركز على منع ساركوزي من الوصول إلى الدورة الانتخابية الثانية، لأنه من ناحية غير مرغوب في الاستطلاعات الراهنة ولأنه حتماً سيسقط امام لوبان! الحل في خلط الأوراق تمهيداً لجمع الشمل بين اليمين واليسار لانتخاب مرشح مقبول، وذي صدقية وصفات رجل الدولة: انه آلان جوبيه: نجم الاستطلاعات ورأسها. نحن عندنا في لبنان «الفراغ» وفي فرنسا: التطرف! هولاند اضعف من أن يواجه لوبان. وكذلك بعض الطامحين الآخرين، كالديغولي السابق فيتون (حليف بشار الأسد وعدو الشعب السوري) أو ڤالس... الخ. وكما خلطت الأوراق في لبنان للوصول إلى حل يهزم «الفراغ» تسود الأجواء وإن في الكواليس في بلاد ديغول، لمكافحة ما هو أفدح من الفراغ: تهديد الجمهورية الخامسة. جوبيه هو الحل كما عون عندنا (بمبادرة الحريري)... واذا كانت القوى الراجحة في لبنان نجحت في كسر طوق الفراغ فما زالت المسألة في فرنسا، قيد الجهود: عون عندنا رئيس الضرورة وجوبيه منقذ الجمهورية. ذلك ان هذا الأخير كسر الدوائر الحزبية بحيث بدا من خلال الاستطلاعات الأخيرة نشرت في لونوڤيل أوبسرڤاتور ان بعض اليسار يرى فيه «يسارياً» جمهورياً، وبعض اليمين يرى فيه ندا لساركوزي أي يمينياً معتدلاً ورأى آخرون انه يميني وسطي، (الوسطية التقليدية غابت عن هذه الانتخابات اليوم) وآخرون يرون فيه رجل دولة بمعزل عن انتمائه التاريخي لليمين (كان وزير الخارجية في عهد الرئيس شيراك الذي سبق ان أيده وتخلى عن ساركوزي). أهو التشوش في «الهويات» السياسية؟ ربما! الحزبية؟ ربما! اهو عبور خفيف لمواقع الأحزاب؟ ربما! يبقى اليسار «المتطرف» المتمثل بالشعبوي ميلاشتون المعادل لليمين المتطرف المتمثل بلوبان. لكن وزن هذا اليسار على غير راجحية.... أما هولاند فالاستطلاعات – الأخيرة وضعته في ذيل «المرشحين» المحتملين للرئاسة لضعفه الشعبي وهشاشته ادارته! (حتى الآن) يعني ان اليسار المعتدل وكذلك اليمين المماثل على «شفافيته» ستتجسد أكثر مع اقتراب انتخابات الدورة الأولى.(Primaire) (تكرار ما حدث مع شيراك ولوبان الاب عندما اجتمع اليسار واليمين على تأييد شيراك) لكن سيقول قائل: لا يمكن مقارنة الوضع اللبناني بالفرنسي: ربما! لكن تأتي المقارنة هنا على أوجه عدة: تراجع دور الفرنسي، تفكك أوروبا، انهيار الوضع الاقتصادي، مسألة «الارهاب» والأمن والهوية وبروز بعض الأصوات الفكرية والاعلامية المتطرفة مثل زيمور وخان والفيلسوف فنيكلكروت (وهو صهيوني يعمق انعزالية فرنسا بطرحه مسألة الهوية الفرنسية الانعزالية ومعاداة المسلمين والعرب وانغماسه في الصهيونية!).. وتراجع الفكر التنويري والنهضوي وسيادة العولمة الاستهلاكية وتقدم بوتين على الساحة العالمية إلى درجة بات يتدخل فيها بالانتخابات الأميركية (يؤيد ترامب) والفرنسية (يؤيد لوبان) اضافة إلى تفكك الأحزاب التاريخية ازاء تنامي التكتلات المتشددة التي انعكست على القواعد نفسها والتي باتت في بعض وجوهها كانتونية، أو «قومية شوفينية» أو ماضوية... وتراجع دور المثقف أمام دور الشعبوي والخبير والمتخصص... ونخلص إلى انه اذا نجح جوبيه للأسباب التي أوردنا وصعد إلى الدورة الثانية مقابل لوبان فالسيناريو الذي اعتمد في المعركة الانتخابية بين شيراك ولوبان الأب سيتكرر بتكاتف اليمين المعتدل واليسار الاشتراكي والمستقلين... ويهزم اليمين المتطرف الذي تمثله ماري لوبان هزيمة مدوية!

[ الشعبوية

فالانتخابات الرئاسية اللبنانية والفرنسية تجمعها نقاط مشتركة في الدفاع عن الجمهوريتين في وجه الشعبوية المتطرفة.

انه دفاع اذاً!

[ الانتخابات الأميركية

طبعاً، وهذا ما يحدث اليوم في الانتخابات الأميركية لكن الموضوع هناك أخطر والشعبوية التي يمثلها ترامب أفدح بكثير، لأنها تهدد «الديموقراطية» الأميركية وتقاليدها الحزبية والشعبية. نجح ترامب، كلوبان في خلط الأوراق وأكثر: فهو لا يهدد فقط الديموقراطية والدستور وبنية النظام الأميركي ككل، بل يطاول خطره الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه وقيمه التاريخية (انه حزب لنكولن أحد مؤسسي أميركا الحديثة، وموقّع تحرير السود من الاستعباد) كالعائلة والايمان والاتجاه المحافظ وشبكه علاقات بجمهوره. فتح ترامب مجرى مجنوناً في الحزب الجمهوري الذي لم يعد قادراً حتى على السيطرة على ناخبيه: انشقاقات، فوضى، أمية، غباء، تطرف، لا عقلانية... هذا ما جعل اوباما في أحد لقاءاته الداعمة لكلينتون يصرخ «اين كنتم ايها الحزب الجمهوري وتركتم هذه الظاهرة تتمادى في صفوفكم؟« وهنا بالذات لعبت الصحافة المرئية والمسموعة والمكتوبة دوراً اساسياً، في محاولة تهشيم صورة ترامب يمينها ويسارها (كما هي الحال في فرنسا: «فلونوڤيل أوبسرڤاتور» اليوم وهي يسارية معتدلة بدأت تدعم جوبيه اليميني وقد خصصت له في عددها الأخير نحو 20 صفحة. بينما جريدة «لوڤيغارو» ومجلتها الأسبوعية ما زالت تساند ساركوزي ومجلتا «لوبوان» و»الاكسبرس» (ويمين الوسط) و»الليبراسيون» (يسارية)، بدا انها في سياق دعمها كل من ينتصر على لوبان... وقد ازداد الأمر خطورة وجدية عندما راحت تسجل الاستطلاعات تقدم ترامب على كلينتون بعدة نقاط في بدايات السباق الرئاسي بما يشبه تسونامي. لكن ولكي يفرمل جنوح ترامب كان على بعض الجمهوريين والصحافة والفنانين والشخصيات المرموقة ورؤساء سابقين كبوش الابن وبيل كلينتون وأوباما (وزوجته ميشيل) وألغور المرشح الراسب ضد بوش الابن... بالمشاركة في حملات كلينتون... لكن ترامب كأنه لا يحتاج إلى اعداء لكي يتراجع في الاستطلاعات فهو كشخص أمي، شعبوي، كاذب، ضعيف، عدو نفسه: فالتطرف ضد المكسيكيين (اقامة جدار فاصل على الحدود الأميركية – المكسيكية طوله 100 كلم، تدفع تكاليفه الحكومة المكسيكية ومطالبته بطرد أحد عشر مليوناً من أميركا لأن وضعهم غير قانوني إلى مهاجمته الاسلام والسود والأفارقة.. والنساء افقدته جزءاً كبيراً من القواعد الانتخابية. لكن ما نشرته «الواشنطن بوست« ونقلته وسائط الميديا المرئية عن تحرشاته النسائية وخصوصاً التسجيل الذي شتم فيه النساء وحط من قدرهن كان صافعاً، ومؤثراً وربما حاسماً في تدحرج شعبيته وتفوق كلينتون عليه في الاستطلاعات الأخيرة. وفي السياق نفسه فإن المناظرات الثلاث التي تواجه فيها المرشحان فضحت جهله وخفته وشخصيته خصوصاً عندما جعل من بوتين أهم من اوباما، واتهم هذا الأخير بأنه لم يولد في أميركا (تراجع عن هذا التصريح بعد ذلك) حتى سبقته كلينتون في آخر الاستطلاعات قبل عدة ايام بخمس نقاط... (وبعض يقول بأكثر) وها هي بداية الانهيار واجهها ترامب بالتشكيك بنزاهة الانتخابات قبل اجرائها. وهي المرة الأولى التي يتهم مرشح رئاسي أميركي السلطة بالتزوير. لكن الحزب الجمهوري وعلى لسان بول رايان تنصّل من ترامب ولحقه في ذلك عدد من القياديين الجمهوريين لخشيتهم من ان يؤثر في معركة الكونغرس... فيخسر الحزب الرئاسة والبرلمان.

وكما يحصل في فرنسا، اليوم، يتكرر في الولايات المتحدة: الدفاع عن الديموقراطية والقيم الجمهورية، والذي يتطلب تضافر الجهود من الحزبين معاً، للحؤول دون نجاح ترامب. انقسم الحزب الجمهوري وانفرد كثير من اعضائه للتصويت لكلينتون «الديموقراطية». صحيح ان ترامب شعبوي و»مجنون» وبلا رادع، لكنه اليوم في اوج فقدانه ملكاته: «انهم يسرقون مني الرئاسة». «انهم يتآمرون علي» انهم يزّورون بما في ذلك الصحافة التي يراها جزءاً من تزوير الانتخابات وكذلك قوائم المنتخبين... لكن هذا لا يمنعه من تأكيد فوزه! «سنفوز» طبعاً ذلك لرفع معنويات ناخبيه! أو لهلوسات وشيزوفرانيا!

لقد حاولنا، ايجاد قواسم مشتركة بين مبادرة الحريري ترشيح عون لمحاولة انقاذ الجمهورية من الفراغ والانحلال وبين جهود بعض الأحزاب الفرنسية والأميركية للدفاع ايضاً عما تبقى من قيمهم وتاريخهم ودولتهم ووشائجهم الاجتماعية وحياتهم السياسية ووحدتهم الوطنية. ونحن نعرف ان «الجامع» أيضاً بيننا وبينهم يتمثل بانه حتى لو سقط ترامب ففيروس الترامبية سيبقى منتشراً. تماماً كما هي الحال في فرنسا... ولهذا، فمعالجة هذه الظواهر كما أوردناها ليست أكثر من «دفاع»... وهذا غير كاف. فالانتخابات الآنية ليست حلاً. لا بنجاح جوبيه ولا بنجاح كلينتون. المسألة متصلة بالأفكار والابداع والتربية والأحزاب. فالعالم اليوم كأنه صار بلا «أفكار» يتنكر لإنجازاته الديموقراطية وحقوق الانسان والانفتاح والمساواة والحرية. انها مرحلة تتطلب وقتاً طويلاً مشروطة بجهود متواصلة على مختلف المستويات.

اما عندنا في لبنان فسد الفراغ الرئاسي على صعيدي البرلمان والحكومة ما هو سوى «بند» اساسي لكن غير كاف. صحيح ان المسألة المذهبية تكاد تكون بلا حل آني لكن الخروج منها يستلزم تقوية الدولة والبنية الجمهورية والديموقراطية والاقتصاد... لكن هذا «اللزوم» ما زال تحقيقه صعباً بوجود حزب لا يعترف لا بالشرعية ولا بالدولة ولا بالدستور ولا حتى بالبلد كله.. ويعزز باطراد هيمنته هذه بسلاح انتقل من مواجهة اسرائيل إلى شن حروب على اللبنانيين وتهديدهم ومحاولة تعطيل كل شيء بشعبوية «مسلحة» وبمذهبية تابعة لإيران...

لكن الفارق «النوعي» بين ازمة لبنان و»المصاعب» السياسية الفرنسية – الأميركية ان مسألة السلاح غير موجودة هناك والشعبوية «سلمية» والانحطاط سياسي والانتخابات «رئاسية» حرة.. اما عندنا فميزتنا، ان حزب الله يحسم بالقوة والبطش لا بالجمهور أو بالأكثرية أو حتى بالحوار هذا هو الخطر «الاستثنائي» الذي يميزنا عن التجربتين السابقتين!

وهو استثناء لا نحسد عليه!

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة