مختارات

بول شاوول

بول شاوول

المستقبل
الأحد 06 تشرين الثاني 2016 - 08:00 المستقبل
بول شاوول

بول شاوول

المستقبل

العودتان

العودتان

يعود ميشال عون إلى قصر بعبدا بعد 26 عاماً من نفيه عنه وعن البلد، والحريري يعود إلى السرايا بعد اسقاط حكومته بانقلاب القمصان السود. الأول ربح بـ 83 صوتاً بالبرلمان، والثاني كلف بما يشبه الاجماع 112 صوتاً. الأول اختار خصومه حلفاء بعد عودته من منفاه الباريسي، والثاني بقي في موقعه المعارض، للوصايتين السورية والإيرانية. لقاء التناقضين: بين 8 آذار و14 آذار في حكومة من عناوين تأليفها «الوحدة الوطنية». والمسألة ليست جديدة، فقد سبقها على امتداد نحو نصف القرن بين الحروب والكانتونات والفتن المذهبية، تاريخ «مجيد» من «قطع» الرؤوس، مجازياً ومادياً (الاغتيالات والمنافي) والقتل: تصفية الرئيس المنتخب رينه معوض، ثم مجيء «الفراغ» ببعض الرؤوس المستعارة: من الرئاسة الأولى (اميل لحود) والثالثة ميقاتي وخلال كل ذلك تطويع الحياة السياسية والديموقراطية والسيادة والبرلمان والحكومات، لتصبح واجهات لماعة بالحكم، تؤدي إلى منصات الفراغ.. الذي بات عنواناً استراتيجياً

لممارسات «حزب الله» بعد طرد الجيش السوري من لبنان، نتيجة الانفجار الشعبي في 14 آذار بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. لعبة الرؤوس إذن سادت، إما برؤوس مقطوعة أو برؤوس مستعارة ضمن خطة جهنمية لتدمير أسس الدولة والإرث اللبناني – الثقافي والديني والشعبي والديموقراطي وحتى التاريخي تهديداً ادرك كيانه ووجوده، في ظل مخططات «إيران الكبرى» (على غرار اسرائيل الكبرى).

فبعد عامين ونصف العام، تمّ ملء الفراغ الرئاسي بانتخاب ميشال عون ليكمل هذه العملية مجيء الرئيس سعد الحريري على رأس السلطة التنفيذية.

أهو انتصار؟ نعم! لمن: للحريري بكل تأكيد. وهزيمة؟ نعم! ربما لـ»حزب الله«، بإسقاط مخطط إفراغ البلاد من كياناتها السياسية السيادية؟ أهو إذن انتصار للسعودية؟ ربما! أهو انتصار استلحاقي لإيران بمجيء حليفها؟ ربما! (ملتبساً). لكن المنتصر الواضح هو لبنان.

ويأتي خطاب القسم ليجسد هذين «الخُلاصيْن»... رضي عنه الجميع، وإن افتقد ما افتقد من معالجة سلاح «حزب الله«، المُسرف في العبث، وكذلك الإشارة إلى التمسك بحرية التعبير والصحافة والفكر.

أهي نهاية مسارٍ ما؟ ربما نعم، ولا! فمرحلة التكليف قد تكون على درجة عالية من الابتزاز والتعقيد. فلكلٍ من الأطراف «حصته» وثمنه للتسهيل والمؤازرة بعد التكليف وعلى امتداد ممارسات الحكومة. فالمحاصصة والمناهبة تقدمتا الواجهة وفرائسهما الوزارات «السيادية» كالمالية والاتصالات والداخلية والأشغال من دون ان ننسى ما تبقى من «السلة المتكاملة» والمطالب غبّ «طلب المناسبات»: قانون انتخابات (وهو ما زال موضع جدل وخلاف) وكذلك الثلث المعطل (أو الضامن) الذي استخدم أداة التعطيل والتخريب والابتزاز والتفشيل علماً أن الأساسيات التي بقيت «مكتومة» لتمرير المرحلة كسلاح الحزب والحدود وتورطه في سوريا وسراياه النازية وخلاياه التخريبية في بعض البلدان العربية ومحاولته فصل لبنان عن عروبته واسلامه الأكثري ومحيطه العضوي...

فكأن الحكومة لها «قوانينها» ومواثيقها ولـ»حزب الله« (خارجها) له قوانينه ومواثيقه، أي الاستمرار في نهجه المعادي لكل ما هو اسلامي أكثري وعروبي. ويعني مزيداً من التورط في العراق وسوريا واليمن... أو حتى الجنوح إلى مغامرات مدبرة من إيران كما فعل عام 2006. لا ضمانات لذلك، لأنها أبعد من خطاب القسم: ومن القصر الجمهوري ومن سرايا الحكومة ومن البرلمان. فالحزب الذي «يقيم« في لبنان، ورأسه في الخارج من الصعب أن يكون له «أن يمنح« أي ضمانة، لأنه هو «ضماناته« من خارجه.

[ الأمور الأساسية

ماذا إذاً؟ أتبقى الأمور الأساسية – الميثاقية – الدستورية – السيادية على حالها؟ وتالياً يبقى القصر مهدداً، وكذلك السرايا الحكومية؟ (ضمن استراتيجية اضعاف الرؤوس أو قطعها أو نفيها أو الانقلاب عليها؟). ويقول «العقلاء» والواقعيون (وربما كانوا على حق) ان هذه الأمور هي في الوقت الراهن أكبر من إراداتهم الذاتية أو الاقليمية أو الدولية. وهي تالياً أمور تتعدى الهواجس المحلية. فلا الدولة (برؤوسها الثلاثة) قادرة (إذا قررت) على نزع سلاح حزب الله فتكون حرب أهلية (أو على الأقل ما يهددون به)، مدمرة لن يتمكن أحد من حصر نيرانها، ولا سحب الحزب من سوريا.... وهما متلازمان، تماماً كما هي حال الكانتون المغلق في وجه الدولة ولا حتى بإلغاء سرايا الحزب النازية، أو فرق القتل المتنقلة.

إذا تجاوزنا بعض الأصوات الهامشية فجميع القوى، من هنا وهناك، جانبت الكلام على هذه الأمور لتسهيل سد الفراغ الرئاسي وتأليف حكومة جديدة، وإجراء انتخابات نيابية... الخ. فلبنان في لحظة خطر داهم: اقتصاده على كساد، وصناعته على تراجع، وليرته بمهب «الريح» ومصرفه المركزي يعمل المستحيل لتجنب الكأس المرة... وانهيار عملته الوطنية (كما حدث إبان الحروب الميليشيوية الداخلية والخارجية)، وشبابه إلى هجرة متزايدة، والبطالة تتضاعف بوتائر سريعة، وخدماته منهارة كالكهرباء والمسائل الاجتماعية، والصحية، والمادية... وانتخاباته البرلمانية مهددة، وحضوره الدولي كارثي، وعلاقاته العربية مشلولة بفعل ممارسات حزب إيران، وموجة الاحتجاجات المطلبية على أهبة التحرك. بمعنى آخر بين اختيار الحل الجذري بالمطالبة بنزع سلاح الحزب، وتورطه في أكثر من بلد عربي... والسيادة المطلقة، والاستقلال الناجز... وبين معالجة المتطلبات الشعبية والاجتماعية الملحاح، اختار «الفرقاء» ومنهم الرئيس سعد الحريري، القيام بالمخاطرة الكبرى: ترشيح خصمه الجنرال عون إلى الرئاسة، وهو مرشح الحزب «التاريخي»! لعله بذلك يقطع رأس الفراغ (المستشري)، ويكون للبنان رئيس للجمهورية. فهو المفتاح، وهو رأس الجمهورية، وقائد جيشها، والفيصل بين خياراتها، والساهر على مؤسساتها المدنية والعسكرية والأمنية. هنا بالذات تنتقل المجاري من سياسة «التعيين» في أيام الوصايتين تعيين الرؤساء من الأولى إلى الثانية إلى الثالثة، إلى مجاري الصراع السياسي الذي قطع حزب إيران رأسه ودابره. وإذا كانت السياسة (خصوصاً في الأزمات الكبرى) هي فن الممكن، فها هو سعد الحريري نقلها من فن المستحيل... إلى فن الممكن، بعد عشرات من سنين المصادرة. لعبة التسوية جزء منها «تنازل»، بحيث لا يكون أي طرف رابحاً مطلقاً أو خاسراً مطلقاً، أو مهزوماً. ونظن أن رهان عودة الدولة والحياة السياسية هو حصان الربح. وَدَعْكَ هنا من بعض الأصوات الانتهازية والمريضة، التي تدعي نصراً لها لم يحقق، أو أخرى تتهم الحريري بـ»الاستسلام»، أو بترشيح «عدوّه»، فالأولى إعلامية، والثانية عاطفية، وربما الثالثة هي الاستفادة من موقف الحريري الانقاذي وسيلة للابتزاز. انها هوامش. اما المتون فهي ما تحقق. وهذا بالذات ما يدحض ادعاءات إعلامه بالانتصار. انتصار جزئي بعون؟ لا! فما بالك بانتصار آخر يتمثل بعودة الحريري إلى السرايا.

[ عودة الحريري

أترى عودته القوية شبه الاجماعية تشكل أيضاً انتصاراً للحزب ولإيرانه، ولأسده؟ «كلام خرافة يا أم عمرو»! هذا على الجانب الرمزي، أما على الجانب الواقعي، فإن نصر الحزب بدا وكأنه ليس انتصاراً على 14 آذار بل على بعض حلفائه التاريخيين: حركة أمل برئاسة نبيه بري وسليمان فرنجية. شُرذمت 8 آذار؟ وهل يعتبر الحزب تفككها نصراً إلهياً مبيناً؟ وهل فقدان «الغطاء المسيحي» المتمثل بالتيار الوطني الحر، وبفرنجية، والذي خدم كل ممارسات الحزب الإجرامية، يعد أيضاً انتصاراً؟ ونظن أن خسائر الحزب تحديداً في هذا المجال تكمل خسائره العسكرية والسياسية في سوريا. فكما فقد طليعيته في حرب إنقاذ الأسد، وحضوره المؤثر (في البدايات) ها هو بات بلا حضور على غرار إيران، فبوتين «طمسهما» كليهما، وانتزع منهما الراية السورية، والقرار السوري، والإرادة السورية: بحيث بدا حليفهما بشار الأسد أقل من رهينة، وأكثر من فريسة. لا إيران ولا بشار ولا سليماني، ولا حسن نصرالله بل بوتيــــــــــــــن هو الحاسم الأول في المفاوضات، وفي مجرى الحـــــــــــــــــــرب ومعاركها! هنا بالذات خسارة الحــــــــــــزب الحقيقية. وكذلك الأمر في بيئته التي تبدو متصدّعة، قلقة، متوجسة، وحتى رافضة تقديم أبنائها قرابين وأضاحيَ من أجل إيران! وهنـــــــــــــــــــا نقول إن هاتين الخسارتين المدويتين، قد تكونــــــــــــــــــان من أسباب قبول السيد حسن نصرالله مثل هذه التســــــــــــوية الرئاسيــــــــــــــة، لربما لتعزيز مواقعـــــــــــه الشعبية، أو لمزيد من تدجيج أسلحته، أو لترصد فرصة أخرى للانقضاض على الدولة. فلا ميشال عون يمكن (كما نتمنى على الأقل) أن يُفرد غطاءَ لاستمرار الحزب في انتهاكاته، أو في تكتيكاته التعطيلية، أو حتى في استخدام الابتزاز الأمني والسياسي والمذهبي لتحقيق مقاصده.

[ الحريري الجديد

لكن إذا كان الرئيس سعد الحريري «الجديد» هو سعد الحريري «القديم» المعروف بأفكاره، وهواجسه المتصلة بالدولة، وأمور الناس، والعروبة، فهل أن الرئيس ميشال عون «الجديد» سيكون مختلفاً عن القديم؟ هنا السؤال المركزي الذي يمكن طرحه بصيغته. هل سيتمكن بصبر طويل وبحكمة القائد المسؤول أن «يعطّل» كل أساليب التعطيل التي قد تصوّب على الحكومة وعلى عهده؟ وبأي طرق؛ ويجب أن نعرف أن كل افتعال لعرقلة التأليف، أو بعدها ممارسة الحكم للحريري هو موجّه أيضاً إلى العهد. مصير واحد. ونتمنى ألا تنجح محاولات دق إسفين بين الرئيسين. فهما يقدمان نفسيهما كقائدين للبلاد وليس كزعيمين لطائفتيهما، ولا لحزبيهما. هنا بالذات يمكن المراهنة على المسافة التي يعبرها كل منهما إلى الآخر بتفاهم، وشفافية، لأن هذا العبور هو الوحيد الذي يؤدي إلى الشعب كله، والدولة كلها: عبور الحكماء والعقلانيين والوطنيين والسياسيين... المسؤولين.

أكل ذلك تمنيات؟ ربما! أكل ذلك «استشرافات»؟ ربما! أكل ذلك من باب التوقّع؟ ربما! وهنا، وإذ نتوجه إلى الرئيسين، بهذه «الأحلام»، لا يعني إطلاقاً أننا (وسوانا) نطالبهما بالمستحيل، وبما ليس في مقدورهما تحقيقه في الوقت الحاضر. أهي سلطة «الأمر الواقع»؟ ربما! لكن فلنقل «الواقعية» السياسية في معالجة الأمور. وهذا ما يجنب عون والحريري الوقوع في الفخاخ التي يمكن أن ينصبها لهما الحزب وحلفاؤه في 8 آذار... وصولاً إلى إيران...

نحن على شرفة الانتظارات (لا المعجزات)، لكن كل تلمس لمثل هذه الانتظارات في دفع عجلة الدولة والاقتصاد، والأمور الشعبية، والأمنية... والديموقراطية، هي ما يشبه «المعجزات الصغيرة»، التي إن تراكمت فقد تؤدي إلى تلك الانتظارات الكبرى: السيادة الكاملة، الدولة المبكرة على حدودها وأراضيها، الجيش الذي يتنكب مسؤولية الدفاع عن الأمة... والأهم أن تحكم الحدود التي رفعها «حزب الله« وإيرانه في وجه العرب وعلاقتهم بلبنان. نعم! إنها خطوة لعودة العالم والعرب إلى هذا البلد الصغير.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة