في الوقت الذي تخطو فيه حلب خطاها نحو الحرية الكاملة يزور «ابنها» مفتي سورية الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسون قصر بعبدا، مهنئاً العماد ميشال عون بانتخابه رئيساً للجمهورية مع خطاب طمأنة لم يتقبّله خصوم سورية في لبنان، فمفتي سورية يشدّد من القصر الجمهوري على أنّ «بلاده لم ولن تخاصم أحداً لا في لبنان ولا في أيّ مكان آخر». موقف متقدّم لسورية يجسّده الزائر برمزيته أولاً وبافتتاح مرحلة جديدة من العلاقات مع لبنان، حسب المصادر ثانياً، فسورية ترسم علاقاتها مع العهد بشكل مغاير هذه المرة عن السنوات السابقة، تعود سورية الى لبنان باسلوب آخر، ليس من باب الوصاية هذه المرة إنما من باب العلاقات المشتركة بين دولتين جارتين.
رسالة تسامح دعا اليها حسون كلّ من خاصم بلاده في لبنان وغير لبنان، فـ»حالة العالم اليوم تدعو الى ان تستيقظ القوى الروحية والسياسية»، حسب تعبيره و»إعادة النور والضياء للبنان ولسورية العزة».
كلام حسون الذي يشكل مرحلة جديدة من أسلوب التعاطي الرسمي بين البلدين يكشف مصدر لبناني بارز حليف للقيادة السورية عن أبعاده بالقول: «دخل العهد الجديد مرحلة استثنائية بالعلاقة مع سورية، فمن زيارة التهنئة لدى انتخاب العماد عون الخاصة عبر مبعوث خاص للرئيس السوري بشار الأسد الوزير منصور عزام لزيارة المفتي الشيخ محمد بدر الدين حسون سلوك سوري يريد القول إنه ومع عهد الرئيس عون عادت العلاقات الثنائية بين البلدين طبيعية». مضيفاً: «ربما نشهد بالايام المقبلة تحسّناً اضافياً بالعلاقة فتزور لبنان هيئة «غرفة التجارة والصناعة السورية» للهدف نفسه. ويضيف المصدر «الأهمّ هو ما تحمله الزيارة بطابعها «السني» الإسلامي، فالبعد الذي يمثله المفتي حسون يحمل ما يقول إنّ «السنّة» في سورية ليسوا رصيداً للتطرّف ولا رصيداً يصبّ عند رغبات ومشاريع المملكة العربية السعودية أو قطر والخليج ومعهم دولة إقليمية طامحة».
نقطة بارزة وأساسية يشدّد عليها المصدر فيقول «مع عودة سورية طبيعية ومتعافية هناك جزء كبير في لبنان من مشايخ السنة سيشعرون بعودة التوازن مجدداً، فثلاثة أرباع السنة في لبنان يتبعون روحياً لمشايخ تعلّموا وتلقوا علومهم الدينية في سورية بينهم تلامذة للراحل الشيخ الدكتور محمد سعيد البوطي والمفتي الشيخ أحمد كفتارو وآخرين كثر».
تشكل رمزية سنّة حلب «حاضرة» السنة السوريين وعاصمة الثقل الإسلامي السني، والشيخ أحمد حسون هو من أبرز علماء حلب وسورية ومفتي البلاد، وهو من أسرة علماء دين لوالد كان مفتياً لحلب الشيخ بدر الدين حسون وأحد أهمّ أساتذة الصوفية في العالم.
الرسالة الروحية التي أرادت سورية إرسالها لا بل نزعها من قيود التطرف التي أحيطت بها لأكثر من ست سنوات بدأت اليوم من لبنان البلد الجار المنفتح ثقافياً وروحياً أيضاً ويشكل حاضنة للطوائف ومركز استقطاب المشاريع المتعددة الأهداف بين محاور وعقائد. وهنا فإنّ زيارة المفتي حسون لم تقتصر على مسألة التهنئة للعماد ميشال عون فقط بل تعدّتها لتكريس هذه الرسالة الجامعة بزيارة الصرح البطريركي ولقاء البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، مع السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي.
التطورات الإقليمية المتسارعة تأخذ لبنان وسورية نحو أول اختبارات العلاقة وشكلها التي حاول كثر من الزوار الاستعجال في مباغتة العهد ومحاولة جذبه نحو عروض واصطفافات مجدّدة يبدو الرئيس العماد ميشال عون رافضاً لها بشكل قوي وتأتي سورية بالنسبة إليه والعلاقة معها أكثر الاستحقاقات دقة بعد عهد كان عنوان علاقته بسورية تحييد لبنان عمّا يجري فيها وقطع العلاقة الرسمية معها فلا علاقات حكومية ولا عسكرية ولا حتى إنسانية تتعلق بحل أكثر الملفات إرهاقاً على كاهل لبنان وتوازنه وهو ملف النازحين السوريين. وعلى هذا الاساس ترتب سورية علاقة متوازنة مع العهد تحمل طابعاً منظماً يتعاطى مع لبنان دولة جارة مستقلة. وهنا يلعب خيار العماد عون الأولي دوراً أساسياً، فمنذ عودته من المنفى وإعادة صياغة تحالفاته واهمّها مع حزب الله، كانت مسألة العلاقة مع سورية مفصلية في سلوك سياسي تراكمي لتياره أيّ التيار الوطني الحر ادّت الى ايصاله لسدة الرئاسة بالنهاية، لأن رؤية الرئيس عون تمحورت عند نقطة الفصل بين المراحل: مرحلة الوجود السوري في لبنان وهو رمز الاختلاف معه ومحاربته ومرحلة الخروج السوري من لبنان واعتماد سياسة سيادية بين البلدين، فإن قبلت سورية بهذا لا مانع عند العماد عون من إنشاء علاقة مميزة معها كدولة جارة لا غنى عنها.
كلّ هذا مع رمزية تحيط باسم الرئيس عون مسيحياً، فهو ليس الرئيس المسيحي القوي في لبنان حالياً فحسب، بل إن مسيحيي سورية بشكل أساسي ومن ورائهم المنطقة استبشروا خيراً بوصوله لرئاسة الجمهورية بعد إعصار التطرف الذي هاجمهم من العراق وسورية وحتى لبنان.
زيارة المفتي حسون مرحلة جديدة بكلّ الاتجاهات روحياً وسياسياً بين البلدين الجارين واختبار أساسي للنيات، فبالرغم من أنّ تيار العماد عون تحالف مع القوات اللبنانية، فإنّ هذا لم يعِق تمسكه بأفضل أشكال العلاقة مع سورية وزوارها، ربما في هذا إجابة على كثير من الهواجس المحلية.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News