ليبانون ديبايت – نهلا ناصر الدين
وإذا أردت رؤية الفساد بأبشع وجوهه، وأوسخ ملامحه، وأقذر صفقاته... ما عليك إلا أن تنظر بطرف عينك إلى المرافق الحيوية في لبنان، وتبحث في ملفاتها القديمة والجديدة، عقود التراضي، وتسويات لزوم مالا يلزم... ولك أن ترى من الهدر والفساد أرقاماً يشيب من هول ضخامتها الرأس، وتسمع روايات لا يستوعبها العقل، لا سيما عقل ذلك اللبناني اللاهث خلف لقمة عيشه وقوت عياله، بحثاً عن عيشٍ كريم لم يستطع إليه سبيلا.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، سنلقي نظرة اليوم على مرفأ بيروت، الذي تقوم بإدارته منذ أكثر من 15 سنة "اللجنة الموقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت". فشكلياً، يوحي اسم هذه اللجنة بأنها "موقتة" ما يعني أنه كان يجب أن ينتهي دورها في المرفأ منذ سنوات. أما في المضمون فـ"قد انتهت مدة هذه اللجنة، ونُزع منها أصلا كل امتياز، ولا تدخل هذه اللجنة في أي إطار مؤسساتي قانوني وفقا للقوانين والأنظمة المرعية، وهي متفلتة من أي رقابة لوزارة المالية أو ديوان المحاسبة، كما أن الضرائب والرسوم التي تحدثها أو تعدلها أو تجبيها هذه اللجنة غير مفروضة بموجب قانون، عملا بالمادتين 81 و82 من الدستور، وهي التي تعقد تعهدات يترتب عنها إنفاق لمال الخزينة خارج أي إجازة تشريعية، ما يخالف المادة 88 من الدستور، وتمارس امتيازا لمصلحة ذات منفعة عامة خارج أي إجازة تشريعية وإلى زمن غير محدد، ما يخالف المادة 89 من الدستور، وتتحكم استنسابيا بموارد الخزينة العامة وحقوقها" حسب دراسة سابقة، من إعداد وزير العدل سليم جريصاتي تناولت وضعية مرفأ بيروت القانونية .
وهي اللجنة نفسها التي منحت بقرار من رئيسها حسن قريطم التلزيم لشركة "حورية" بالتراضي، بمبلغ 138 مليون دولار لردم نحو 150 متراً من امتداد الحوض الرابع، ودفعت لـ"حورية" دفعة أولى تُقدر حسب مصادر "ليبانون ديبايت" بـ"30 مليون دولار" لتباشر بأعمال الردم، وعندها علا صراخ الجمعيات المدنية والبيئية والمناهضة للفساد، وتوقف الردم. وفي آخر جلسة للحكومة "السلامية" أقر مجلس الوزراء ما يسمى بـ"المخالصة" مع الشركة الملتزمة بأعمال الردم، ودفعت الدولة لها 6 مليون دولار مقابل فسخ العقد.
وكانت "اللجنة الموقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت" قد قامت بشراء 4 رافعات لتفريغ البواخر، بمبلغ 40 مليون دولار، لاستعمالها بعد ردم الحوض الرابع الذي لم يكتمل أصلاً، وذلك استكمالاً لمشهد الرافعات الـ12 الموجودة أساساً أمام الأحواض الثلاثة، و"التي لا تعمل جميعها". لتصبح النتيجة حتى الآن أكثر من 75 مليون دولار ، رمتهم اللجنة في عرض البحر تماماً كما رمت الشركة بالإتفاق من اللجنة الردميات في الحوض الرابع. ولا ننسى بأن أعمال الردم التي بدأت لفترة من الزمن وعادت وتوقفت، تستلزم اليوم أعمال تنظيف للحوض، لرفع الضرر الحاصل من جراء أعمال الردم التي جرت، وهو الأمر الذي يكلف ملايين الدولارات أيضاً. ليصبح الهدر الحاصل من جراء عقد التراضي بين "اللجنة الموقتة لإدارة مرفأ بيروت" وشركة "حورية" الذي لم يكتمل ما يقارب الـ100 مليون دولار.
ولا تنتهي فصول الهدر والفساد في مرفأ بيروت هنا. فتتعاقد اللجنة الموقتة لإدارة المرفأ أيضاً مع شركة "MTCC" المقربة من أحد صقور تيار المستقبل، لـ"جمع النفايات من المرفأ ونقلها إلى وجهة غير محددة"، إلا أن الشركة تقوم بنصف العمل المطلوب منها في العقد، إذ تقوم بجمع النفايات وكنسها من مرفأ بيروت وتضعها على مداخل المرفأ، وتهتم "سوكلين" بأخذها فيما بعد. الأمر الذي فيه مخالفة واضحة للعقد، والذي يتطلب إعادة النظر بوضع هذ الشركة وعقدها. وتجدر الإشارة إلى ما يدور من إشارات استفهام حول تمدّد أحد الشركات المشغلة لمحطة تفريغ الحاويات من منطقة إلى أخرى في المرفأ، وهو التمدد غير المبرر، وتشوبه المخالفات، خصوصاً وأن اللجنة مددت عقدها مع الشركة بالتراضي لمدة 5 سنوات، وتستمر بعملها المشبوه منذ 3 سنوات، على نفس العقد علماً أن أموراً كثيرة تغيرت وعلى رأسها زيادة عدد الرافعات مثلا من 3 إلى 12 رافعة، ويتم اليوم زرع الـ4 رافعات التي تم شراءها مؤخراً، "أينما وكيفما كان". وأخيراً وليس آخراً، يبقى السؤال عن وضع الأكشاك المزروعة على يمين وشمال مدخل مرفأ بيروت، وبالتالي عن وضع المرفأ الأمني سؤالاً يطرح نفسه.
وبالنهاية، من هي الجهة المخولة بتبرير كل هذه المخالفات والهدر والفساد في إدارة هذا الملك العام الوطني، ومحاسبة مرتكبيها، وهل يمكن أن يضع "عهد التغيير والإصلاح" حداً لهذه المهزلة القانونية التي تحصل في مرفأ له أهميته القصوى على جميع المستويات، سيادياً، اقتصادياً، سياحياً، اجتماعياً وأمنياً...؟؟؟!!!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News