عقد ظهر اليوم، في "المركز الكاثوليكي للاعلام" مؤتمرا صحافيا، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، للاعلان عن رسالة قداسة البابا فرنسيس لليوم العالمي الحادي والخمسين لوسائل الاتصال الاجتماعي تحت عنوان: "لا تخف فإني معك" (أشعيا 43، 5)، إيصال الرجاء والثقة في زماننا".
شارك في المؤتمر المطران بولس مطر الذي رحب بداية بالحضور وقال: "يشرفنا أن ننقل إليكم باسم اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام في لبنان فحوى الرسالة الثمينة التي وجهها في هذا العام قداسة البابا فرنسيس إلى صانعي الأخبار في العالم وإلى جميع الذين يتلقون هذه الأخبار من قراء ومستمعين ومشاهدين، أفرادا وجماعات، قريبين في منطقتنا وبعيدين يضربون أطنابهم على آخر زاوية من الأرض".
اضاف: "قداسة البابا قد أراد في رسالته الخاصة ليوم الإعلام العالمي الحادي والخمسين، بالإضافة إلى التأكيد على ضرورة احترام الحرية والحقيقة في العمل الإعلامي، أن يتعمق أكثر في الواقع الإعلامي ورسالته، وذلك من منطلقات فكرية وروحية. فأعطى عن العمل الإعلامي صورة تشبهه بطاحونة المياه التي تتحرك باستمرار ومن دون توقف، طالما أن المياه تنزل فيها وتفعل فعلها بحسب ما هو مرسوم في بنيتها القائمة. فالإعلام هو أيضا على هذه الصورة، فيض من الأخبار ينزل إلى ساحة الناس عبر طواحين تقذفها وسائل وتنشرها بسرعة أصبحت اليوم جنونية مع الطاقات الرقمية من كل نوع. وما من شك في أن هذه الأخبار الموزعة على العالم بأسره ليست كلها من النوع الجيد وليست كلها بناءة بل هي في كثير منها أخبار مقلقة أو حتى هدامة لخواطر الكثيرين، لأنها تزرع فيهم اليأس ولا تبالي بالإحباط الناجم عن صياغتها وعن مضمونها في آن معا.
فيقول قداسته: "إن هذا الإعلام المتوحش الذي لا ينطلق من إرادة بناء الكون وبناء الإنسان يصبح إعلاما خطرا على حياة البشر وعلى مستقبلهم. فما نفع إعلام لا يروج في الدنيا سوى أخبار الحروب والفتن والإرهاب والفضائح وكل أشكال الفشل البشري؟".
ويستدرج قداسته ليعلن أن المطلوب من الإعلام ليس العمل على تجميل صورة الوجود بشكل مصنع أو مزيف، كأن يقال مثلا أن الدنيا بألف خير عندما تكون حقا في أوضاع سيئة للغاية؛ لأن موقفا مثل هذا يجافي الحقيقة وهو بالتالي غير مقبول. لكنه يعود ويؤكد أن المطلوب هو العمل على تخطي اليأس والاستسلام أمام الواقع الصعب للإنسانية وأمام الشرور والخطايا التي تغرق فيها باستمرار مقلق. فالبابا لا يرضى بأن تكون فلسفة الإعلام أو فلسفة الحياة عندنا محكومة بمقولة "فالج ولا تعالج". بل يريد أن تنتفض الإنسانية بوجه الشرور على أنواعها وأن تؤمن بأن معركة الخير ممكن لها أن تكون معركة رابحة، لا بل هي رابحة بدفع من موت المسيح وقيامته، أي بفعل فدائه العظيم ودحرجة الحجر عن سجن الإنسانية المغلق عليها ضمن بهو مظلم، ومن غير رجاء بإدخال النور إلى جنباته. فمن أجل كسر هذا الواقع الرهيب في الكون، يقدم قداسته للاعلاميين اقتراحا وفكرة بأن يكونوا إيجابيين وأن يحتفظوا بالرجاء فيوجهوا إلى الناس كتاباتهم وتحاليلهم مطبوعة بما يسميه قداسته "الخبر السار"، أو "الخبر الجيد"، وهما كلمتان تترجمان من اليونانية العنوان الذي أعطي للكتاب المقدس في عهده الجديد، لكتب "الإنجيل".
واردف: "إن ما يجري في الحياة، يقول قداسة البابا، يمكننا نحن المتطلعين إليه، أن نوجه إليه عيوننا ونحن واضعون عليها نظارات إيجابية ملونة بلون الرجاء والمحبة بدلا من أن نضع عليها نظارات سلبية ملونة بلون اليأس والسواد. فالناظر إلى الأمور له موقف منها وله رد فعل عليها يتخطى مجرد التسجيل لما يحدث، وهو موقف يصل إلى نقض الاستسلام الكامل للواقع المرير. فهلا وضعنا على عيوننا، لندرك معنى الأحداث، نظارات صحيحة؟".
وقال: "إنها حقا عملية روحية تستطلع النور من الظلمة والأمل من الخيبة. وهذا ما يخبره المسيحيون الناظرون إلى صليب الرب يسوع وموته، لأن هذا الصليب المأساوي الظالم يتحول مباشرة إلى نعمة فداء، وهذا الموت الرهيب للمصلوب عليه يؤدي إلى انتصاره بالقيامة. فيقول قداسته: "أن الخبر السار في هذه الحال إن هو إلا يسوع نفسه، يسوع الذي عبر بحر الآلام، وتضامن مع المتعثرين والمظلومين متبنيا ضعف الناس وهشاشة الطبع البشري لينقلنا بقوة قيامته من واقع الحزن والشقاء إلى واقع الفرح والنعمة المستفاضة على العالم بأسره".
ويضيف البابا على هذه الحقائق الإيمانية قائلا: "من هذا المنظار تتحول كل مأساة جديدة تقع في تاريخ العالم إلى سيناريو لخبر سار محتمل، عندما تتمكن المحبة من إيجاد السبيل للتقارب وتحريك قلوب قادرة على التأثر ووجوه قادرة على عدم الاستسلام وأيد مستعدة للبناء". هكذا ندخل مع قداسته في عمق سر الملكوت الذي طالما حدثنا يسوع عنه بالصور، ومنها صورة حبة الخردل التي ماتت في الأرض ثم نبتت لتصير شجرة عظيمة تعشش طير السماء في أغصانها. وعلى شبه هذه الصورة عن ملكوت الله، فإن أي مأساة تحدث في الأرض، ولأي شعب أو لأي إنسان، لن تكون لها الكلمة الأخيرة في التاريخ ولا في الحياة، بل نحن قادرون بنعمة الله على أن نزرع فيها بذور الخلاص فتتحول إلى وسيلة تقدم روحي وإنساني أكيد. لكن قداسته ينبه في الوقت عينه إلى ضرورة التبصر في الأمور قائلا: "إن ملكوت الله قد يحتجب عن الأنظار السطحية وهو لا يكشف إلا أمام العيون التي أدخل إليها الإنجيل نوره وصفاءه".
وختم: "ويختتم قداسته الرسالة بنظرة نحو الآفاق التي يفتحها الروح للتواصل بين الناس، إذ يجعلهم قادرين على تمييز كل خبر سار وسط واقع كل حدث وحيال كل شخص نلتقيه، فنلقي عليه ضوء السماء، مدركين في النهاية أن الرجاء هو الخيط الذي يحبك قصة الخلاص في سيناريو كل مأساة نمر فيها، وأن من يقوم بهذا الحبك إنما هو الروح القدس عينه الذي يجمع عمل الإنسان إلى عمل الله. هكذا كانت حياة القديسين ممن صاروا أيقونات لمحبة الرب في الكون؛ هؤلاء الذين تركوا الخبر السار يقودهم وسط عتمة التاريخ فتحولوا بأشخاصهم إلى مصابيح مضاءة في عتمات هذا العالم، وسهلوا لفتح طرق جديدة تؤدي بالإنسان إلى الله."
تابع "إن رسالة البابا هذه للإعلاميين تختصر في النهاية بتأكيدها أن إضاءة شمعة وسط الظلام تعطي نورا ورجاء أكثر فائدة من القصور أمامه والاستسلام له في جو تشاؤمي قاتل؟ وبأن الإيجابيين في النظر إلى الأحداث وإلى الأشخاص هم الذين يعطون للإنسانية مزيدا من فرص يحولها الله بروحه القدوس إلى قوة تغيير وقوة خلاص. إلا أننا مضطرون في هذا المنحى لأن نكون متواضعين فنترك لله مكانة في عملنا وفي نجاحنا، بدلا من أن نأخذ مكانه وندخل إلى الفشل الذريع. ألعل معركة الشر القديمة باقية هي هي، أي بالخيار بين معركة الشراكة مع الله في أعمال المحبة والإنسانية أو قتل أبوة الله فينا لنجد أنفسنا بعدها يتامى من كل شيء؟ فتعالوا نختار بين الأبوة والتيتم فرح أبوة الله وتآخينا بعضنا مع بعض. وهل من خبر سار سيكون أهم من هذا الخبر؟".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News