"ليبانون ديبايت"
ينطبقُ المثل الشعبيّ القائل: "غلطة الشاطر بألف" على واقعِ الحال لدى قيادة "فتح الشام" (النصرة سابقا) في جرود عرسال التي لم تستدركَ ما كان يُحضّرُ لها، وبدل أن يكون أميرها "أبو مالك التليّ" ذكيّاً كما أوحى مِراراً، وقع في شرِّ أعماله، مجتذباً نحوه مئات القذائف التي انهمرت على رأسه ورأس أفراد جماعته بدءاً من يوم الجمعة الماضي. كان يستطيع "التليّ" الخروج من الجرود دون عبور هذه المطبّات وأن يُنقذ أرواح أكثر من مئةٍ من أفراد جماعته الذين قُتلوا من جرّاء رهانٍ خاسرٍ على انتظار المُقاومة وتطويقها وإشغالها في نطاقٍ جُرديٍّ واسع.
تعنّت ورفض كلّ الاقتراحات التي قُدِّمَت؛ ما سمح ببدءِ المعركة التي كشفت عيوب النصرة التي لم تقوَ على الصمود، وأمام تساقط حمم النار، اختار المسلّحون الفرار تدريجيّاً من مواقعهم، مستبدلين القتال بالهرب. توالت عمليات الفرار التي وسمت "صفائح أعمال" أيّام المعركة، مع تركِ هامشٍ محدودٍ لمواجهاتٍ دارت من مسافاتٍ قريبةٍ خاصّةً في وادي العوينة والخيل. لفّ أسلوب النصرة شيئاً من عدم الوضوح، وترك سؤالاً يبحث عن إجاباتٍ. لماذا تخلّت عن مواقعها بهذا الشكل؟
الجواب يقدّمه مسؤولٌ عسكريٌّ في المقاومة، الذي يشرح لـ"ليبانون ديبايت" كيف أسقط رجال حزب الله خطوط دفاع النصرة. العامل الأوّل يذهب نحو نتائج الغارات الجويّة التي شكّلت قبل بدء العمليّة عامل راحةٍ للمقاومة، وضغطٍ على النصرة التي أُجبِرَت على تركِ عددٍ من التلال بعد أن جرى "إعماؤها" وربط حركتها.
لكن ووفق المسؤول، فإنّ السبب الأساس للانهيار يرتبط بـ"عدم تقديرِ قدرات المقاومة العسكريّة من التلي وأعوانه" الذين كانوا يُراهنون على عامل الرسم الجغرافي والحواجز الطبيعيّة واستغلالها كنوعٍ من أنواع خطوط الدفاع المتقدّمة. لكن المقاومة كان لها رأي آخر، إذ اقترنت خُططها بوضعِ آلياتٍ لعملياتِ اقتحامٍ مع الأخذ بعين الاعتبار لمبدأ المواجهات القريبة ووضع المُقاومين في صورته، الذين صعدوا التلال وفي بالهم أنّهم ذاهبون إلى معركة رجلٍ لرجل، ما أسهم في برمجة أنفسهم وتجهيزها وتحضيرها قبل الدخول.
ومع التماس النصرة أنّ المعركة مختلفة عمّا رسمته على الورق، وبنتيجة توالي الضربات وشنّ الهجمات المتشعّبة على محاور عدّة بشكلٍ متوازن، كان الحلّ الوحيد هو في التراجع. ومع ملاحظة حصول اشتباكاتٍ عدّة عن مسافاتٍ قريبة، أدركت "النصرة" أن حزب الله حاسم في خياراته وبات يقاتل على أسوارها ما أدخل الصعوبة كعاملٍ أساس للمواجهة، فصدرت الأوامر للمقاتلين بالتجمّع في نقاطٍ لم تقوَ أيضا على الصمود، حتّى بلغ التراجع حدود وادي شميس ووادي الدم والزمراني وفي وادي حميد ومنطقة مدينة الملاهي.. ومن هناك أعيد فتح باب التفاوض على مصراعيه بعد أن بات المصير الأسود يتحكّم بالوقائع.
شكّلت العودة إلى الحلّ التفاوضيّ الإشعار الثاني بانتهاء زمن "النصرة" في الجرود. يقرأ متابعون أنّ في عودة قيادة "الجبهة" إلى مرحلة التفاوض، محاولةً منها لنيل مُكتسباتٍ عوضاً عن تلك التي خسرتها في الحرب، فكانت الرسالة واضحة في خطاب السيّد نصرالله من أنّ "قيادة جبهة النصرة يجب أن تعرف أنّ الوضع الميداني لا يضعها في موقع وضع الشروط".
في وقائع التفاوض
تُشير معلومات خاصّة حصل عليها "ليبانون ديبايت"، أنّه وعند طلب النصرة للتفاوض مجدّداً يوم الأحد الماضي، وضع حزب الله على رأس المطالب مسألة "تحرير الأسرى" مقابل إخراج المسلّحين. أخذ هذا الطلب الكثير من المدّ والجذر خلال مراحل العمل العسكريّ، حتّى وصل الحِراك إلى فجر الثلاثاء، ومع تسجيل انهياراتٍ واسعةٍ بصفوف النصرة حاولت الجماعة الإرهابيّة استدراك الأمور، فاستدعت الوسطاء على خطّ التفاوض هاتفيّاً مُقترحين وقفاً لإطلاق النار كي يعمل على إقناع النصرة بمطالبِ حزب الله وعلى رأسها الانسحاب.
أدّت المباحثات إلى تأمين اتّفاقٍ مبدئيٍّ على هدنةٍ تبدأ من فجر الثلاثاء - الأربعاء وتستمر 48 ساعة من تاريخه، تسمح للوسطاء بتناقل الرسائل ولاحقاً البناء على المُقتضى، لكن وقبل شروق شمس الصباح، عاد التلي إلى التعنّت ناقلاً عن قيادة النصرة -عبر الوسيط- رفضها التفاوض على أسرى الحزب في حلب، عندها ردّ حزب الله الرسالة معتبراً أنّ الهدنة سقطت إذاً؛ ليعاود تسخين الجبهات عبر القصف والضغط العسكريّ مؤذناً التحضيرات لدخول البقعة الصغيرة التي بقيت للنصرة وأصبحت وكراً يتخفّون ضمنه.
استدركت النصرة التغيّر الميداني واستشعرت ربّما جديّة حزب الله في استئناف العمليات العسكريّة والتقدّم نحو المربّع الأخير في ظلِّ التحضيرات وارتفاع مستوى التمهيد الناري وملاحظة عمليات تقدّمٍ بدأت المقاومة تقوم بها، شرعت في إبلاغ قيادتها في إدلب بما ترصد، وربّما ضغطت عليها من أجل تمرير مطلب حزب الله، وبعد نيلها الجواب الشافي، أبلغت الرسالة إلى الحزب عبر وسيطين، فجرى إرساءً لوقفٍ مشروطٍ وغير مفتوح لإطلاق النار على أن يقترن ببدء تحضيراتٍ فوريّة لتنفيذ تبادلٍ بين الجبهة والحزب قضى بإخلاء سُبل الأسرى الخمسة مقابل إخراج ما يقارب الـ275 مسلّحاً من الجرود.
وعلم "ليبانون ديبايت"، أنّ الصفقة ستضمّ أيضاً الإفراج عن جُثثٍ تعود لمقاتلين إيرانيين جرى سحبهم خلال معارك حلب، بالإضافة إلى حصول معلوماتٍ عن مقاتلين يُعدّون من المفقودين.
وبالنسبة للمدنيين في عرسال، فقد عُلِمَ أنّ الأمن العامّ حصل على موافقةٍ من الجانب السوريّ حملها اللّواء عبّاس إبراهيم خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق، قضت بسماح السلطات السوريّة بإدخال عائلات مسلّحي النصرة إلى إدلب، ما سمح بتسجيل أسمائهم ومن ثمّ تقديمها إلى الأمن العام وإخراجهم من الجرد عبر الأراضي السوريّة بعد نيل الموافقة الرسميّة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News