ليبانون ديبايت - عبدالله قمح
ليست غريبة الطريقة التي جرى التعامل فيها مع وزير شؤون النازحين، صالح الغريب فقط، بل ما هو أغرب من ذلك، الإستغناء بهذا الشكل الفاضح عن مشاركته ضمنَ الوفد الرّسمي إلى مؤتمر «بروكسل ٣» الخاص بالنازحين السّوريين، فمتى عُرِفَ السبب بَطُلَ العجب!
الدّولة اللبنانيّة بأمّها من غير أبوها تسيرُ في ركب المشروع الغربي المرسوم للنازحين، وهذا يحتاج طبعاً إلى فريق داخلي متجانس مع تلك الرؤيّة ويعاون في تحقيقها، وما دامَ الأمر كذلك، ليس ميسوراً حضور وزير يتموضع على الضفّة المقابلة ويسعى لإعادة النازحين إلى بلادهم من دون توطينهم، لا بل بالتنسيق مع الحُكومة السوريّة!
المشكلة لا تعودُ في الأصلِ إلى إخراج الوزير من قائمة المشاركين بل في الطريقة التي اُخرجَ فيها، أي عبرَ التذرّع بالإتحاد الأوروبي بصفته الجّهة المخوّلة إرسال الدعوات! وكأن في لُبنان لا دولة، وفي حال كانت كذلك فحُكماً أنّها منزوعة الإرادة حتّى تفشل في إنتداب وزيرها المعني الأوّل بالملف من ضُمن الوفد، مع العلم أنّ رئيس الحُكومة سعد الحريري يعلم عِلمَ اليقين بالمشروع الذي يؤدّيه الغريب، ولمّا كانَ قد قبلَ توزيره يعني أنّه موافق على مشروعه!
عموماً لا يمُكن فصل الخطوة عن الإطار العام الذي يتّضح أنّ جانباً سياسيّاً «عريضاً» في لبنان يعملُ بخدمته، وطبعاً مثل هذا الأمر لا يمكن فصل تداعياته السياسيّة اللّاحقة وأوّلها على طاولةِ مجلس الوزراء حيث سيكونُ هذا الملف ضيفاً ثقيلاً ومرشّحاً للخوض في تفاصيل هذا المنحى بوجبة كاملة الدّسم!
أضِف إلى ذلك، أنّ ما يترتّبُ عن قرار الإستبعاد قد يتجاوز موضوع الجلسة أعلاه وصولاً إلى المواجهة بإتهامات على وزنِ «الإنقلاب»، بحيثُ أنّ الفريق المتضرّر من الخطوة، لجأ إلى إخراج أوراق مرحلة التفاوض الحُكومي من أجلِ تذكير رئيس الحُكومة بالضمانات التي أعطاها وما لبثَ أنّ انقلب عليها. بهذا المعنى توجّه الحريري إلى قصرِ بعبدا قبيل سفره لبروكسل من أجل «تصفية ذمتّه» أمامَ الرئيس ميشال عون وتسوية الخلاف بأقلّ المقادير الممكنة!
«الإنقلاب» يبدو أنّه غير محصور في رئاسة الحُكومة بلّ موجود عند الهيئات الأمميّة الّتي تتولّى مهام غوث وإغاثة النازحين السوريين في لبنان بالإضافة إلى المؤسّسات الدوليّة التي تستثمر في زيادة الأجواء الإيجابيّة لتوطين هؤلاء في البلدان المضيفة.
على هذا الصعيد يتّضح أنّ الوفد اللبناني الذي تولّى مهام المشاركة في مؤتمر «بروكسل ٣»، ذاهب لبحث ما تسمّى «خطّة لبنانيّة» تمتدُ إلى العام ٢٠٢٠، ويُسرّب أنّه يبتغي من ورائها الحصول على مساعدات اُمميّة لنحو ٣،٢ مليون شخص محتاج في لبنان تشمل دعم ١،٥ مليون لبناني مصنّف «ضعيف الموارد»، و ١،٥ مليون لاجئ سوري، وأكثر من ٢٠٨٠٠٠ لاجئ فلسطيني، ما يعنيه هذا الكلام أنّ موضوع بقاء النازحين مُمدّد اقلّه حتّى العام ٢٠٢٠ خلافاً لمضمون المبادرة الروسيّة لإعادة النازحين والّتي وافقَ لبنان عليها، وتتضمّن توفير نيّة بإعادة الرقم الأكبر من النازحين في لبنان والأردن قبل نهاية العام الجاري.. ياللهول ماهذا؟!
إضافة أخرى تؤكّد توفّر نيّة دوليّة في الإبقاء على النازحين وتوجّه داخلي يصب في خانةِ الدعم، يكمن في خطوات بعض المؤسّسات والجمعّيات ذات الهويّة الأمميّة العاملة في لبنان.
ففي الجنوب تحديداً، أعادَ برنامج الغذاء العالمي العمل بما يسمى «بطاقة الأغذية» التي انتدبت لصالح النازحين السوريين، والتي يستطيعون من خلالها توفير الغذاء المدعوم من جانب المنظّمة، ما يعني توفير سبل حثّهم على البقاء، أقلّه لهذا العام.
وقد جارهم في ذلك قرار مفوضيّة اللّاجئين التي بادرت عندَ بداية العام الدراسي الحالي إلى تجديدِ النفقات المخصّصة لتسجيل الطلّاب السوريين من الأطفال في المدارس الرسميّة اللبنانيّة، ورفع نسبة التقديمات المخصّصة لذويهم، ما أتاحَ لهؤلاء فرص البقاء في لبنان لعامٍ اضافيٍ آخر، هذا إلى جانب اقدام المنظّمة آنفة الذكر على إعادة صرف المستحقّات الشهريّة الخاصة بالنازحين المسجّلين والمقدّمة من الدُّول المانحة وبإنتظام أكثر من ذي قبل.. فعلى أي أساس يطالبُ البعض بدعم المبادرة الروسيّة؟!
لا تتوقفُ الأمور عند هذا الحد فوقاحة بعض المؤسّسات الدوليّة تأخذ مجدها عند حصول أي عمليّة «عودة طوعيّة» تقوم بها الاجهزة اللبنانيّة، حيث يقوم العاملين لديها بتقمّص دور المخبر والفسّاد في آن ويقومون بممارسة فعل التخويف على النازحين العائدين من خلال طرح أسئلة مريبة ومثيرة للقلق قبل صعودهم إلى الباصات، في عمليّة استجواب صريحة وواضحة، ناهيك عن أنّ مفوضيّة اللاجئين تواصل ضخ المخاوف في نفوس النازحين الراغبين في العودة!
لا يعودُ الأمر برمته مستغرباً ما دام يحصل على المكشوف، فمؤتمر «خطّة الاستجابة للنزوح السوري للعام ٢٠١٩» الذي إنعقدَ في السراي الحكومي مطلع الشهر الفائت، وفرَّ أسباباً واضحة تحول دون تمكين النازحين السّوريين من العودة إلى بلادهم، لا بل منعهم إن اقتضى الأمر، وذلك عبرَ توفير كلّ المُساعدات النقديّة والعينيّة لهم وللبلدان المضيفة، ما لهُ أن يوثّر على قرارهم ويُمدّد فترة إقامتهم تلقائيّاً.
بهذا المعنى تصبح النّوايا واضحة والكباش سيتعاظم مع المبادرة الروسيّة لإعادة النازحين في المدى المنظور .. وتصبح عندئذٍ المواجهة قدرٌ الدافعين صوب قطع الطريق على الخططِ الدوليّة الرّامية لإعادة توطين النّازحين.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News