ليبانون ديبايت - المحرر السياسي
ليست الأزمة الدائرة بين حزب الله والنّائب السّابق وليد جنبلاط وليدة لحظة سياسيّة معيّنة أو هي عبارة عن سلسلة متراكمة من الأفعال كما يحلو للبعض أن يصوّر، بل صراحة، هي تشكّل واحدة من وجوه إنعكاس النّزاع الدرزي - الدرزي المستحكم، أو بالأحرى إحدى تجاذباته.
منذ إنتخابات أيّار الماضي رسمَ وليد جنبلاط خطّاً بيانيّاً واضحاً، جرى عبره توزيع مختلف القوى بين خيارين: الأوّل، فريق يحترم الميثاقيّة الدرزيّة التي أعطت الغلبة إليه وكرّسته زعيماً متربّعاً على ٨ أهداف نيابيّة سجّلها في مرمى الخصوم، وبالتالي وجبَ على الفرقاءِ الآخرين إحترام هذه النتيجة. الثاني، فريق لا يُقيم وزناً للنتائج التي خَرجت عن صناديق الإقتراع أو للخصوصيّة الدرزيّة ككل، وهو ماضٍ فى الإنجرار خلف قوى تُصنّف جنبلاطيّاً «جماعات وجدت لخرق الصف الدرزي». على هذا النحو أقامت المختارة فرزها.
وجدَ جنبلاط أنّه من المفيد تصنيف حزب الله خارج الإصطفافين نسبةً إلى الحياد السّياسي الذي يعتمدهُ الحزب في ما خصّ المسألة الدرزيّة؛ هادنَ وليد جنبلاط وتفهّم حضوره بعد الإنتخابات وأقرّ به، في المقابل بقي على تماس مع الطرف الدرزي الآخر الذي يُعد حليفاً إلى جانب إحاطته بمظلّة. وفق هذا المنطق تمركزَ حزب الله في الوسط تماماً فثبّته جنبلاط بين الخانتين، مع ترك إحتمال إدخال تعديل على الوضعيّة.
لكنّ الصّراع الدرزي - الدرزي الذي نشبَ على أعتاب تشكيّل الحكومة الحاليّة، أوجدَ ظرفاً استثنائيّاً لم تعهده البيئة الدرزيّة، إذ وللمرّة الأولى منذ زمنٍ بعيد، يشنُ طرف درزي غارات على مواقع أساسيّة حصدتها الطائفة في تركيبة الدولة، سعياً وراء تأمين حضور فيها، ثم كسر الاحتكار الجنبلاطي! عند هذه النقطة لم يجد حزب الله إلا اعتماد الحياد «المتحرّك»، بحيث تعتقد المختارة أنّ الحزب يجنح في كثيرٍ من المواقف صوبَ تفضيل خيارات الخصوم الدروز، وهذا يجرّ في مكان ما دعماً لهم.
على هذا الحال، باتَ جنبلاط وفق ما يعتقد عارفون، يميلُ أكثر صوب تجريد حزب الله من صفة الحياد، أو نقله جزئيّاً إلى خانة «الطرف الخصم»، وهذا طبعاً تترتّب عنه خيارات سياسيّة مختلفة، وأصلاً، ترصد «أنتينات الضاحية»، أن «البيك» دأبَ منذ فترة على توجيه رسائل سياسيّة بقصد لفت نظر الحزب إلى تموضعاته، إن خلال زيارات المبعوثين الأميركيين، أو في أعقابِ بعض اللّقاءات التي يجريها من ضمن نشاطه اليومي.
لكن الرّمانة التي فجرّت القلوب بين الجانبين و أوصلت الحالة إلى ما هي عليه اليوم، ليست محصورة في قرارِ وزير الصّناعة وائل أبو فاعور كسر قرار سلفه حسين الحاج حسن القاضي بمنح ترخيص إلى «كسارة فتوش» في عين دارة الذي تعدّه مصادر «واجهة النزاع وصورته العلنيّة»، بلّ يعود جوهر الأزمة إلى وزارة الصحّة التي يتولّاها وزير مقرّب من حزب الله.
ثمّة معلومات تتحدّثُ عن قرب طرح التغيير في منصب مدير عام وزارة الصحّة مع اقتراب احالة المدير الحالي إلى التقاعد، ومن المعلوم، أن هذا المنصب يعود عرفاً إلى الطائفة الدرزيّة، لذا يبحث جنبلاط عن تثبيت ولايته عليه من ضمن الوكالة الممنوحة له على جميعِ المراكز الدرزيّة الرفيعة، لا بل أن الوكالة رُفع شأنها في ظل سعى أرسلان إلى إدخال تغييرات بنيويّة على طبيعة التركيبة الدرزيّة في الدولة.
من هُنا، يتردّد أن جنبلاط يحاول تكريس شخصيّة قريبة منه في مركز مدير عام وزارة الصحّة تأتي كبديل عن المدير الحالي، وهو بحكم معرفته بأن حزب الله ممسك بعصا الإدارة وباتَ ملزماً المرور عبره، تقصّد إسماعه لرغبته، لكن بدا له أنّ عند الحزب كلامٌ آخر!
أوصلَ حزب الله رسالته القائمة على تفضيل الإختيار على مبدأ الكفاءة، ووفق الترجمة الإشتراكيّة لهذا المصطلح، يعني سحب المنصب من الوكالة الجنبلاطيّة أو مقاسمته إياه من خلال فرض عدّة شروط تذهب طابع الحصريّة عنه، وبأسوأ الحالات منحه إلى جهة درزيّة خصمه وهنا لب الأزمة.
ثم أنّ جنبلاط كان قد رصد دخول تبدّلات على طريقة تعاطي حزب الله معه توحي في مكان أنّها نزعت الإمتياز الذي كان يحظى به في الضاحية، المثال الفاقع تجسّد بسحب ملف العلاقة من مسؤول وحدة الارتباط والتّنسيق الحاج وفيق صفا، إلى المعاون السّياسي للأمين العام لحزب الله، الحاج حسين خليل، وفي هذا معانٍ سياسية يقرأها «البيك» جيداً.
على هذا الأساس أوعزَ جنبلاط إلى أبو فاعور «نكز» حزب الله، من دونِ تقدير أنّ فعل من هذا النوع قد يؤدّي إلى تجميد العلاقة، وربّما كان جنبلاط يأملُ من وراء «النكز» أنّ يسحب تنازلات من الحزب حيال موضوع وزارة الصحّة.. في العموم العلاقة مجمّدة حاليّاً رغمَ بعض المحاولات السّاعية إلى إحداث خرق، والواضح الآن، أن العودة إن حصلت، لن تكون أبعد من إعادة التّنسيق بين الجانبين.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News