ليبانون ديبايت - سحر غدّار
لنرجع في الزمان نحو ٥٦ عاماً، وتحديداً إلى الثاني والعشرين من تشرين الثاني ١٩٦٣، حين كان الأميركي أبراهام زابرودر يُسجل على كاميرتهِ الخاصة، في مدينة دالاس بولاية تكساس الأميركيّة، مقطع فيديو لمرور سيارة الليموزين الرّئاسية الخاصة بالرئيس الأميركي جون كينيدي. شاءَ القدر لزابرودر ألّا يصوّر وقائع مرور الموكب الرئاسي فحسب، بل أن يوثّق حدث اغتيال الرئيس، ليكون ذاك المقطع الوحيد الذي يُظهر اللحظات الأخيرة لحياة كينيدي، ويجعل ما قام به الرجل الخمسيني يُمكن إدراجه في خانة «صحافة المواطن».
«صحافة المواطن» مصطلح بات يُتداول على نحو واسع في السنوات الأخيرة، لا سيّما مع قدرة أيّ مواطنٍ عادي على أن يتحوّل إلى مواطن صحافي ناقل للأخبار ومنتج للمعلومة ومحمّل لها عبر السُبل المتاحة، في ظل توفّر كل ما يلزم لأداء هذا الدور، بهدف خوض تجربة يُلازمها تحقيق الشهرة أحياناً.
هو لا يحتاج سوى إلى هاتف محمول، وأن يكون متصلاً بالشبكة العنكبوتيّة ليتمكّن، تالياً، من نشر ما يريد على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فايسبوك وتويتر ويوتيوب وغيرها، التي باتت تُشكّل منصّات تضمن انتشاراً سريعاً للمعلومة والخبر والصور ومقاطع الفيديو، وتقوم بالدور عينه الذي تؤدّيه وسائل الإعلام بالنسبة لممارسي مهنة المتاعب. لكن هل يستطيع المواطن العادي فعلاً أن يماثل الصحافي المحترف؟
لا يُمكن إغفال الجوانب الإيجابيّة لعمل الصحافيين المواطنين، ما حدا بوسائل إعلام عديدة إلى تخصيص مساحة لهم للاستفادة من مشاهداتهم ومعلوماتهم ومقاطع الفيديو والصور الخاصة بهم، والشواهد على ذلك كثيرة مثلما حدث خلال «الربيع العربي»، أو خلال حقبة الاحتلال الأميركي للعراق حيث تمّ فضح ممارسات الجيش الأميركي التي كان يتمّ التعتيم عليها.
وجود هؤلاء بشكل دائم في مكان الحدث واستعدادهم لأداء دور الصحافي وسرعتهم في نقل الوقائع من دون تعقيد، يُسهم في الإضاءة على أحداث يتعذر أحياناً على وسائل الإعلام الوصول إليها. لكن في الوقت عينه، لا يُمكن اعتمادهم واعتماد منتوجهم مصدراً وحيداً موثوقاً، إذ لا قواعد ولا ضوابط تحكم عملهم غير الخاضع لأي رقابة على عكس عمل الصحافيين في وسائل الإعلام التقليدية.
قواعد وضوابط كثيرة، وفي مقدمها التحقق من مصدر المعلومة، ومعرفة ماذا يجب أن يُنشر ومتى مما هو متوفر، وما يتطلب ذلك من وعي وإدراك وجعل المصلحة العامة في سلّم الأولويات على حساب «السكوب».
على سبيل المثال، في أحداث سوريا الأخيرة، تداول العديد من المواطنين الصحافيين على مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من مقاطع الفيديو المفبركة والشائعات التي خدمت «المجموعات الإرهابيّة» بشكل أو بآخر، وضربت الروح المعنوية، دون التأكد من صحتها والعودة إلى المصادر الرّسمية والجهات المختصة، إمّا عن جهل أو لغاية في نفس يعقوب.
مثال آخر، نشر صور الضحايا من عدمه مثلاً، وهو موضوع جدلي تنقسم حوله مدارس الصحافة حول العالم أصلاً. الصحافي المحترف والمتمرس يُدرك متى عليه نشر هكذا صور ولأي سبب، بهدف خدمة قضية ما وإيصال رسالة ما، فمثلاً لولا نشر صورة الطفل محمد الدرّة، أيقونة انتفاضة الأقصى، أو صور ضحايا مجزرة قانا، لما أدرك الرأي العام وحشية العدو الإسرائيلي بعدما هاله ما رأى.
الأمثلة كثيرة ولا يمكن تعدادها جميعها، ويجب أن تشكّل دروساً يُستفاد منها في المستقبل. فخلال الحرب المحتملة المقبلة مع إسرائيل مثلاً، والتي يرى المحللون العسكريون أنها ستكون شاملة والأكثر قسوة وشدّة، كيف ستكون الممارسة في الفضاء الالكتروني بين كافّة مكوّناته؟ من سيتكفّل بتجهيز بيئة مقاومة واعية ومحصنة بما فيه الكفاية على مواقع التواصل الاجتماعي؟ من سيتصدى للثغرات الموجودة ويحول دون تكرار الأخطاء كالتي ارتكبت مؤخراً في ما يتعلق بأحداث سوريا مثلاً؟ هل يُدرك رواد هذه المواقع أن أي تصرف غير مسؤول من نشر خبر أو صورة أو مقطع فيديو قد يكون كفيلاً بقلب الموازين وترجيح كفّة العدوّ؟ ما هو دور وسائل الإعلام التقليدية وصحافة المواطن والمواطن العادي في هذا الصدد؟ أسئلتي هذه برسم مخيّلتكم.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News