المحلية

الأربعاء 03 تموز 2019 - 01:00 LD

"الجيوش الإلكترونيّة" بين الواقع والإفتراض

"الجيوش الإلكترونيّة" بين الواقع والإفتراض

ليبانون ديبايت - سحر غدّار

"عاجل: إنفجاران يهزّان البيت الأبيض وإصابة باراك أوباما". تغريدة نشرتها وكالة أسوشيتد برس الإخبارية العالمية ذائعة الصيت في 23 نيسان 2013، لتعود وتنفي الخبر بعد ذلك مباشرة، مؤكدة تعرّض حسابها على موقع تويتر للاختراق من طرف قراصنة على الانترنت. أثار هذا الخبر موجة قلق واسعة، لاسيّما أنه جاء بعد نحو أسبوع من تفجيرات بوسطن وتلقي البيت الأبيض رسالة مشبوهة كانت في طريقها إلى أوباما، واستدعى نفيه عبر الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض حينها جاي كارني، كما أدى إلى انخفاض مؤشر داو جونز بـ125 نقطة قبل معاودة الارتفاع مجدداً.

لم تكن الجهة المسؤولة عن قرصنة حساب الوكالة سوى الجيش السوري الإلكتروني الذي نشر بياناً أعلن فيه تبنّي هذا العمل، وهو سبق له اختراق العديد من الحسابات. ظهور الجيش الإلكتروني السوري ونشاطه منذ نشأته في العام 2011 جعل مصطلح "الجيوش الإلكترونية" ينتشر بشكل كبير مذّاك، وسلّط الضوء على عملها الذي يوازي، وقد يتعدى حتى، بأهميته وتأثيره عمل الجيوش الكلاسيكية بترسانتها العسكرية المدمّرة.

عديدة هي التعريفات للجيوش الإلكترونية، والتعريف الأكثر دقّة هو أنها مجموعات لديها قيادة ومرجعية، على عكس ما يُشاع أنها مجموعات غير منظّمة، تعمل وفق أجندة خاصة هدفها الترويج لوجهات نظر معينة. قد تكون وجهات النظر هذه أحياناً انعاكساً للأفكار الحقيقية التي تدور في خلد القيادات غير القادرة على البوح بها والإفصاح عنها على أرض الواقع، لذلك يتمّ بثّها افتراضياً لخلق حروب وصراعات تعود بمكاسب على أرض الواقع. من أهدافها أيضاً تشكيل رأي عام وتوجيهه، وتشويه سمعة المناوئين لها والتشويش على آرائهم وإسكاتهم بأي وسيلة كالتبليغ عن حساباتهم والسعي لوقفها نهائياً.

تتخذ هذه الجيوش من مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فايسبوك وتويتر تحديداً، ساحات لحروبها الافتراضية، بعدما كانت في البداية تميل أكثر إلى اختراق الأنظمة والأجهزة والتنصّت، على اعتبار أن هذه المواقع المتاحة أمام الجميع باتت الشغل الشاغل في حياة الناس وجزءاً أساسياً منها، وأصبحت تلعب دوراً مهماً في صناعة الرأي العام وترويج الأخبار كونهم يعتمدونها مصدراً رئيسياً للأخبار.

في الحرب على غزة في العام 2014 على سبيل المثال، وبعدما تمكّن الفلسطينيون المقيمون هناك من نقل الصورة الحقيقية من قلب الحدث عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكسبوا تعاطفاً كبيراً، ما جعل مصداقية وسائل الإعلام التقليدية على المحكّ، استنفرت وحدة "الهاسبارا" الإسرائيلية للردّ محاولة عرض "مُعاناة" الجيش الإسرائيلي وما تقوم به المقاومة الفلسطينية، واستمالت الرأي العام الغربي عبر تغريدات من نوع: ماذا لو كانت حماس في بلادكم وتفعل ما تفعله هنا؟ ماذا كنتم ستفعلون؟. ما تقوم به "الهاسبارا" ونظيرتها "وحدة 8200"، وهما وحدتين إسرائيليتين ضليعتين في الحرب الإلكترونية، يوضح الأهمية الكبرى للجيوش الإلكترونية ومدى تأثيرها افتراضياً وبالتالي على أرض الواقع، ذلك أن أي نجاح يُحقق على منصّات التواصل الاجتماعي ينسحب على أرض الواقع، وهذه حقيقة لا مفرّ منها. حتى أن ألمانيا نسجت على المنوال عينه، إذ أعلنت وزيرة الدفاع أورزولا فون دير لاين، من مدينة بون في العام 2017، عن بدء عمل جيش إلكتروني كسلاح مستقل داخل الجيش الألماني التقليدي بعديد قوامه نحو 13 ألف جندي وموظف مدني، وسيتمتع بالندية مع سلاح المشاة والقوات البحرية والقوات الجوية، وسيصبح هذا السلاح الجديد في الجيش الألماني بكامل طاقته اعتباراً من عام 2021.

يُعتبر عمل هذه الجيوش ترجمة لما يحصل على الساحة السياسية من صراعات ونزاعات، فأهم ما يدور في فلكها نجده "ترند" على مواقع التواصل ومن الأكثر تداولاً، وذلك عبر عناصر يمكن اعتبارهم جنوداً إلكترونيين، أو "الذباب الإلكتروني" وهو مصطلح يستعمله المتنازعون للتهكم والاستخفاف والتقليل من شأن الطرف الأخر. لدى هؤلاء أجندة خاصة ويعملون وفقاً لتوجيهات القيادة وأوامرها، بعدما خضعوا لعملية تطويع وغسيل لأدمغتهم وكيّ لوعيهم، وأصبحوا مجرد متلقين وناشرين لوجهات نظر معينة وأدوات لتوصيل الرسائل لا أكثر، دون أي قدرة ذاتية على إنتاج أفكارهم الخاصة وتسويقها.

يقوم الجنود بعمل منظم لتسويق الأفكار التي عليهم تسويقها لتصبح "ترند" على هذه المواقع، لاسيّما إذا تبنّاها أصحاب الحسابات الموثقة وأصحاب المصداقية العالية، وذلك للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من روّادها، بهدف صناعة رأي عام منهم والتأثير عليهم وإقناعهم بهذه الأفكار عبر الترويج لها ونشرها وإعادة نشرها لمواجهة ما يُروّج له الخصم وللتشويش على آرائه. قد تكون هذه الأفكار عبارة عن أكاذيب وشائعات وأمور ملفقة وهذا جائز، وقد تكون حقائق مثبتة بالدليل والوثائق أحياناً أخرى، ولكن الأهم بالنسبة لمن يقف خلف هذه الجيوش هو قطف ثمار ما يتم زرعه افتراضياً على أرض الواقع. الشواهد على ذلك كثيرة، وما يحصل خلال أي انتخابات قد يكون أبرز مثال، إذ أن الجيش الإلكتروني الأكثر قدرة على التأثير على الرأي العام على منصّات التواصل، غالباً ما يكون الأكثر قدرة على قلب المعطيات، وتكون كفّته أرجح في صناديق الاقتراع.

الحروب بين الجيوش الإلكترونية تقتصر على حسابات يُديرها جنود فعليّون، ولا تُستخدم عادة فيها الحسابات الوهمية الموجهة التي تُدار من مكتب هنا ومن مكتب هناك. تلك الأخيرة تدخل في بازار "الترند" و"الرايتينغ" على مواقع التواصل، وحتى في استطلاعات الرأي، ويهدف أصحابها إلى جني الأموال من خلال بيعها وتجييرها، وهو ما يطرح علامات استفهام حول مصداقية ما نراه على موقع تويتر مثلاً في هذا الشأن تحديداً.

في خضم الصراعات الحاصلة بين الجيوش الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، المتفلتة أصلاً وغير الخاضعة لأي ضوابط ورقابة على هذا الصعيد، وما يرافقها من حملات ممنهجة، لا بدّ من أن يستلّح قادة الرأي بقدرٍ كافٍ وعالٍ من الوعي والمسؤولية في مواجهة الأفكار التي يطرحها الخصم والعدو، لاسيّما عندما يتعلق الأمر بصراع مع طرف خارجي. فالمُنتصر في نهاية المطاف سيكون الطرف القادر على تسويق أفكاره افتراضياً، والقادر على تبيان الحقيقة في ما يتعلق بما يروّجه الطرف الآخر، والقادر على خلق حالة إرباك وبلبلة لدى جمهور الخصم، وسيكون تالياً يسيراً عليه ترجمة انتصاره هذا على أرض الواقع.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة