"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
تعود قضيَّة "الجهاديين" في طرابلس لتطلّ برأسِها مُجدَّدًا. حيث أنّه خلال الأيّامِ الماضيةِ، أُحصِيَ حدوث ثلاث علاماتٍ دلَّت على فرقٍ أثار إنتباهِ المراجع الأمنيّة.
الأوّل، إكتشاف حمولة من القذائف الصاروخية "أر بي جي" موضَّبة جيدًا ومحفوظة بأكياسِ نايلون، كانت مُتَّجهة من البقاع إلى طرابلس. غالب الظن، أنها مُرسَلة من قبل أحدِ تجّار السلاح.
تزامن ذلك، مع ملاحظة عدّادات الأجهزة الأمنية ارتفاعًا ملحوظًا بحركة الناشطين الإسلاميين في المدينة، ما مثّلَ الحالة رقم اثنين على سُلَّم العلامات، التي خُتِمَت بتوقيفِ قائد تنظيم "جند الله" الشيخ كنعان ناجي.
وبطبيعةِ الحال، فإنّ العقل الأمني لا بُدَّ أن يأخذَ في الحسبانِ عنصرين على الأقل من أصلِ ثلاثةٍ، نظرًا لتزامنهما، وهو ما يستدعي تشديدَ عمليات الاستعلام والترصّد بحثًا عن أجوبةٍ.
من هنا، لا يُمكِن فصل البند الثالث الوارد في القائمة عن الواقع الميداني الموجود، ولاسيما مع ظهورِ روابطِ صِلةٍ مشتركةٍ بين النشاط الأمني الذي استَجدَّ في طرابلس مؤخّرًا، وبين الموقوف الجديد، بخاصةٍ ذلك المُرتبط بالاعتداء الإرهابي الذي نَفّذه عبد الرحمن مبسوط عشيّة عيد الفطر.
أكثر من مصدرٍ معنيٍّ، يؤكّد توفّر معلومات لدى الأجهزة العسكرية، حول وجودِ ارتباطٍ ما بين "تنظيم ناجي" والإنتحاري مبسوط. نحن نتحدَّث هنا عن إرتباطٍ عقائديٍّ لوجستيٍّ من غير أن يكون تنظيميًّا. وغالب الظنّ، أنّ التنظيم الذي يخضَع لإمرةِ "الشيخ" قد يكون تورَّط بالاستفادةِ من "مشروعِ المبسوط" أو مساعدته لوجستيًّا، من خلال تأمينِ السلاح، من دون الضلوع بشكلٍ مباشرٍ في التنفيذ، وربما ذلك يعود إلى نية إخفاءِ العلاماتِ والبصماتِ.
وبالعودة إلى ذلك اليوم، قِيلَ الكثير حول استدعاءِ الإرهابي لـ"خدمات أمنية" وفّرتها جهة، ساعدته في تنقلاته وإختيار بنكِ الأهدافِ، لكن لم يُصار الى تثبيتها بالدليلِ، على الرغم من توفّر الشكوك الأمنية حولها.
ولمزيدٍ من إثارةِ الضبابِ، خرَجت اصوات تقول بـ"فقدانِ العاملِ المرجعيّ المُنظَّم للعملية"، ما يعني تبرئة ساحة التنظيمات الجهادية من الوقوف خلفها، وحصرها بالتالي، في إطارِ العمل الفردي، ما أوصلَ أحد مراجع الأمن إلى حدودِ إسقاطِ طبائع "الجنون" على "مبسوط" لتبرير هذا التوجه.
وما رفعَ من قيمة هذا الخطاب ووفّر أجواءً تفيد بتصديقه، عدم تبني "داعش" سريعًا العمل. وحين تبنّاه بعد شهرٍ تقريبًا عبر مجلّته الرسميّة، أورَدَ معلومات مغلوطة حوله، ما دلَّ إلى وجودِ قطبةٍ مخفيّةٍ حَتَّمَت الإستمرار بعمليّاتِ التعقّبِ، التي اوصَلَت إلى وضعِ اليدِ على إعترافات دلَّت إلى تورّط ما يقف خلفه تنظيم "جند الله" المأمور من قبل الشيخ ناجي، الأمر الذي حتَّم استدعاؤه، وهذا بمثابة اسقاطٍ لمخارج "التفرّد" و"الجنون".
وقد بيَّنت السجلات، صدور 4 مُذكرات توقيف بحقّه في أوقات سابقة، تتوزَّع بين إنشاءِ تنظيمٍ مُسلَّحٍ وحيازة أسلحةٍ وذخائرٍ وإطلاق النار على عناصر الجيش، كان يرفض الامتثال إليها.
صحيح، أنّ مُذكّرات التوقيف التي كان يرفض ناجي تلبية الاستدعاءات حولها هي السبب "الاجرائي" في توقيفه، لكن العامل الأساس الذي حرّكها ارتبطَ بمذكرةِ إحضارٍ أصدرها القاضي مرسيل باسيل، بعدما تأكدَ له أنّ رفض ناجي الدائم للحضور سيشكِّل عائقًا اضافيًا أمام حضوره للاستماعِ الى قضية "مبسوط"، لذا يتحتّم جلبه إلى التحقيق.
في المعلوماتِ الخاصّة، أنّ الشرطة العسكرية هي مَن تولَّت تنفيذ مضمون المذكرة، مُعتَمِدةً الأسلوب الأمني الإحترافي الذي درجَ استخدامه عادة مع المشتبه فيهم من هذا الوزن. حيث حضرت سيارة تضمّ عددًا محدودًا من العناصرِ، كمنوا لـ"ناجي" في وقتِ الفجرِ، إذ كان يتواجد داخل مسجدٍ لأداءِ الصلاةِ. وعند خروجه، انقضوا عليه ووضعوه في السيارة وتوجَّهوا به نحو بيروت.
هذه الرواية، تنفيها مصادر طرابلسيّة، مؤكدةً، أنّ ناجي عَلِمَ بصدورِ استدعاءٍ بحقِّه مرتبطٌ بمذكرات التوقيف القديمة، وقد طلب استمهاله عدّة أيّامٍ، لكنه تفاجأ لاحقًا بحضور سيارات عسكرية إلى منزله وأخذه مخفورًا.
وحول أسبابِ التريّث، أكَّدت أنّه "كان ينتظر إشارة ما، ربما سياسية!".
هذا الكلام، يقود إلى فهمِ "حال الغضب" التي انتابت بعض رجال الدين والمسؤولين السياسيين في المدينة، الذين اجتمعوا عقب حصول عملية التوقيف، لا من أجل مباركة خطوات الأمن الماضية في تفكيكِ خيوطِ عملية "مبسوط" وغيرها، بل كمادّة للذم بطريقة التوقيف واعتبار أنها "مزعجة" لاهالي المدينة!
هذه الطريقة بتناولِ الملف ورفع شارات الاعتراض، تؤكد مجدّدًا، وجود "غطاءٍ سياسيٍّ" كان ممنوحًا لـ"ناجي" وغيره ما يحول دون تمكُّن الاجهزة العسكرية من توقيفه، وهذا يعود بنا الى الحديث الدائم حول تمتّع "الإسلاميين الجهاديين" بحاضنةٍ سياسيّةٍ في المدينة.
والمشكلة، أنّ من يوفِّر "خدمات التغطية" السياسيّة، يغيب عن باله، أنّ مثل هؤلاء الأفراد لا يمكن ضبطهم. وقد اثبتت التجارب، أنّ خروجهم عن السيطرة أمرٌ قابل للحدوث في أية لحظة، وبالتالي لا يمكن ضبط تصرفات ذئبٍ منفردٍ واحدٍ أو مجموعة ذئاب ضمن قطيع!
لكن هذا ليس كلّ شيء. حيث أنّه وفق "البوانتاج الأمني"، فـ"الشيخ ناجي" متورّطٌ بسلسلةِ أحداثٍ شهدَتها طرابلس استدعت الاشتباه بدوره ما حتّمَ تسطير مذكرات توقيف بحقه.
صحيح، أنّه لم تثبت مشاركته "الشخصية" بشكلٍ مباشرٍ في معاركِ المحاورِ بين باب التبانة وجبل محسن، لكنه كان من المؤيّدين لها إن لم نقل بين المُحرِّضين عليها.
ثم أنّ السجلّات الأمنيّة، تثبت وقوفه على رأسِ إمرةٍ بين 150 إلى 200 مسلحٍ، تمتّعوا بدورٍ أمنيٍّ في طرابلس. إذ أنّ أكثر من وثيقةٍ، تؤكِّد ضلوعهم في العديدِ من عمليات الانتشار المُسلَّح التي شهدتها شوارع المدينة على مراحلٍ، خاصّة خلال أزمتي طرابلس (جبل محسن) وسوريا، وتورّط عناصر منهم بملاحقة مشتبه فيهم بتأييد حزب الله في المدينة وتهديدهم وإطلاق النار عليهم.
ولعلّ أكثر ما تمتلك السجلّات الأمنية معلومات حوله، هو تورّط تنظيم "جند الله" بكافة هيكليّاته، بإرسال السلاح والعتاد والذخائر والمسلحين للقتال في سوريا إلى جانب التنظيمات الإرهابية، وضلوعهم في عمليّات التجهيز العقائدي واللوجستي التي كانت تجري على قدم وساق، وقد تم تثبيت حصولها لاحقًا على فئةٍ من الشبابِ الطرابلسي، بالاضافة إلى وجودِ معطياتٍ متوفّرة حول ضلوعه بتعزيزِ خطوط القتال التي كانت قائمة على المقلبِ السوريٍّ من عكّار لوجستيًّا.
وفي معلومات "ليبانون ديبايت"، أنّ الشيخ ناجي، مَثُلَ يوم الثلاثاء الفائت أمام رئيس المحكمة العسكرية القاضي حسين عبدالله إنفاذًا لاحدى مذكّرات التوقيف السّابقة.
في المقابل، يتولّى القاضي باسيل استجوابه في مضمونِ قضيّة "مبسوط"، مُستَنِدًا إلى قائمةٍ طويلةٍ من الادلةِ.
لكن هذا كلّه لا يحول دون تسلّل المخاوف الأمنية إلى الدوائر المعنية، التي تتلمّس ارتفاع الضغوطات السياسية التي لا تهدف سوى إلى إزالة آثار التهم عن "الشيخ" تمهيداً لتأمين إخلاء سبيل سبق وأن جرى تطبيقه على غيره، أو بالحد الادتى تخفيف التهمة عبر محاولة تبييض صفحته، وتصوير أن التوقيف مرتبط بقضايا قديمة من دون الاشارة إلى الاساس الذي إرتكزَ اليه القاضي باسيل في توقيفه، أي بالاشتياه في ضلوعه بمسألة الارهابي مبسوط.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News