"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
من الواضحِ، أنّ قواعد الاشتباك المعمول بها في الشارعِ اليوم قد تغيَّرت، وتبدو ظاهريًا وباطنيًا، مختلفة عن تلك التي اعتُمدَت منذ 17 تشرين الأول وحتى تاريخ تقديم رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته، ممّا أتاحَ ظهور عوامل جديدة كان يُنظَر إليها عند بدايةِ الحَراكِ بوصفها "شاذة" عنه.
من البديهي القول، أنّ هذا التغيير الذي طاول جوهر الحَراك، أرخَى بثقله ليس على الشارع المُنتَفض فقط بل على الأحزاب السياسيّة الموجودة، على نحوٍ أدى الى حصول عمليّة فرزٍ، كان من نتائجها خروج مناصري حزب الله من السّاحات وفرز "الشيعة" المُتبقين "تحت" إلى مذاهبٍ سياسيّة مُتَعَدِّدة، يساريّة أو مُبهمة ذات ارتباطات غير معروفة، والى دخول أحزاب وتيارات تحمل جينات السلطة وتتبنّى مفاهيمها.
ويمكن القول، أنّ ما ظهر على "الرينغ" وبين طرابلس والكولا وقصقص وعين الرمانة والشياح والضاحية، يكشف، عن تلك الصورة ويمكن اعتباره بمثابة مناورات بالذخيرة الحية لاختبار مدى أهليّة قلب الشارع من وجهة الى أخرى.
صحيحٌ، أنّ التقدير الحالي يؤدي الى القول، أنّ غالبية الثوار الحقيقيين الذين ظلّلوا الساحات منذ بداية الحَراك قد انكفأوا تدريجيًا الى الخيم والنقاشات، لكن الصحيح أيضًا، أنّ الفراغَ الذي تركوه خلفهم أتاحَ لمناصري الاحزاب المختلفين على السلطة "سدّه"، وما جرى على قارعة "الرينغ"، فضحَ المستور وأظهر أنّ المسألة لم تعد بوضع الثوار بوجه الـ "بلطجية" مثلاً، بل باتت المواجهة بين مناصري الأحزاب وجهًا الى وجهٍ.
هذا بالضبط ما يخشاه ليس فقط معشر الأمن الذي اندفع قبل يومَيْن الى عقد اجتماعٍ "نوعيٍّ" في اليرزة تحت عنوان المخاوف من أنّ أي حادثة يمكن أن تشعلَ فتيل انفجار قد يتحول الى مذهبي - طائفي يتحمَّل مسؤوليته من أراد حرف الحَراك عن وجهته، بل العقلاء في السياسة أيضًا.
على هذا النحو، بات البعض يدرك، من المنتفضين الحقيقيين تحديداً، ان "الثورة" التي خطوا حروفها الأولى في ايديهم، تنحرف تدريجياً لمصلحة صراع حزبي - حزبي بروحية مذهبية تقسيمية طائفية نكراء بعدما جرى تسلق مطالبهم من قبل هؤلاء، وصار الصراع الآن يجري وفق المعادلة اللبنانية السائدة: فرق تسد!
للحقيقة، أنّ ما جرى على سهول "الرينغ" ليل الاحد - الاثنين وما تبعه بعد يومٍ، يحمل تلك الخلايا وهو أقرب من حيث الدلالات، الى توصيف الغزوات الماكرة محددة الأهداف من هجوم غوغائي جرى بناءً على حالة هرجٍ ومرجٍ أتت كمفعول رجعي بسبب كلام نابٍ أطلقه مشاكسٌ يتبنّى أفكارًا ثورية مزعومة.
وهذه المقاربة، هي للدلالة على كيفية انتهاجِ أحزاب السلطة نظرية "اللعب على حافة الهاوية"، بحيث يتَّخذون من أيّ حالة شاذة أداةً لتوجيه رسائلٍ مقرونة بالنار.
وبناءً عليه، لم يكن نزول أنصار "الثنائي الشيعي" على جسر الرينغ، إلّا كردِّ فعلٍ على خروجِ متظاهرين آخرين متلطّين خلف "الحَراكِ" على مقلب الاشرفية والكولا، ينتمون الى "القوات" و"الكتائب" و"المستقبل"، يريدون اغلاق الطرق رغمًا عن الحَراكِ، الذي لم يثبت أنّه أصدر ليلتها أيّ دعوة الى فعل مماثل، ما جعل القرار "لقيطًا عنه"، وأظهرت لحظات تطبيقه الأولى أنّ تنفيذه بدأ في مناطق "المستقبل" و"القوات" حصرًا.
ثمة من يستغرب الازدواجية في الاتهام ببعثرة "السلم الاهلي"، بحيث يوجه الى "الثنائي الشيعي" و يبرأ منه شارع القوات - الكتائب - المستقبل - الاشتراكي، الذي وبغالبيّته، محسوبٌ على فريق 14 آذار وقد ثبت في الليالي الماضية، أنّ صاحب "براءة اختراع" التصعيد في الشارعِ تحت إسم الحَراكِ.
وهناك من يستغرب أيضًا، طريقة نزول أنصار الثنائي الشيعي إلى الأرض في تلك الليلة، فينقضها ويقدحها ويذمها ويصوّرها على أنها "زعران بوجه ثوار"، لكنه في المقابل، يعتمد على نحوٍ واضحٍ إنكار وجود مناصري الاحزاب الاخرى وأنّ دفعها الى الشوارع كانت السبب الرئيس في دفع "الثنائي" الى الشوارع نفسها.
في الواقع، إنّ حزب الله أو "الثنائي الشيعي" على وجهِ الدقّةِ والتحديد، لم يثبت أنّهما أصدرا أمر عمليات على صعيد قياديٍّ رفيعٍ من أجل اقحام "فوج الموتوسيكلات" في حمى الشارع، لا بل أنه أبلغَ القيادات الامنية المسؤولة، أنّه سيعمل على ضبطِ "حركة الموتوسيكلات"، طالبًا الاستعانة بقدرات الجيش في كبحِ شرودها الواضحِ. لذا، يمكن القول، أنّ تحرك الجيش عند مداخل الضاحية قبل يومَيْن، أتى بالتنسيق بين الحزب والجيش للحؤول دون خروج مزيدٍ من الدراجات صوب بيروت.
الثابت من حيث الوقائع، أنّ "الثنائي الشيعي" استفادَ على نحوٍ واضحٍ من النزول، وذلك في سياق توجيه رسائل على أعتاب سخونة الملف الحكومي، تفيد، بأنّ "منطقَ التفاوض في الشارعِ هو ممنوعٌ".
وعلى وجهِ الدّقة، أرادَ القول، أنّ استخدامَ الشارع الحزبي بلونٍ طائفيٍّ، يقابله استجداء خدمات شارع يحمل لونًا آخر. وبناءً عليه، هناك من يعتبر، أنّ الرسائل المُتطايرة من الشوارع على شكل ما جرى عند الرينغ أو في الكولا، يمكن اتخاذها كأدواتٍ تكبح جماح الراغبين في خلق شوارعٍ مقابل أخرى، ويمكن أن تستثمر في عملية ترشيد وترتيب اللعبة السياسية.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News