"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
لم تمرّ "حادثة" اللقاء الذي جمع وفد المكتب السياسي لحزب الكتائب اللبنانية بآخر يمثل قيادة الحزب الشيوعي اللبناني مرور الكرام على مناصري حزب السنديانة الحمراء المعمرة رغم الطنّةِ والرّنةِ التي أدى دورها بإتقانٍ حشد منظّري "اليسار الجديد" و"كتبة التقارير ومتبضعي منتجات الـNGOs" من التواقين جدًا لمشاهدة حزبهم وهو يتناحر مع حزب الله.
هؤلاء، الكارهون جدًا لحزب "السلاح الالهي" كما يطلقون عليه، لا يفوِّتون فرصة للتهليل والتطبيل لكلّ لقاءٍ يمكن أن يجمعهم مع فئةٍ تربطهم بها علاقات سياسية مستولدة من حقب تصارع اليمين واليسار ما دام القاسم المشترك بينهما هو المجاهرة في مناصبة العداء لحزب الله، وبالتالي، لا مشكلة لديهما إذا ما أُعيدَ جمع اليسار واليمين تحت سقفٍ واحدٍ، وما المشكلة ما دامت العولمة قوَّضت اليسار ووضعته في ثلاجة إسمها "الاشتراكية الدولية" ذات الامتدادات الأورو- اميركية التي يحظى الزعيم الاشتراكي "طبعًا" وليد جنبلاط بحصّةِ الأسدِ كأحدِ أربابِ دعايتها!
المراهنون على احتمالات سحب الشيوعي من خانة القرب من حزب الله إلى العداء معه بإستغلال التبدّلات التي طرأت في أعقاب إنتفاضةِ 17 تشرين الأول هم كُثرٌ ولا تهمّهم الطريقة أو الأسلوب الذي يؤدّي إلى تحقيق الهدفِ المنشودِ حتى ولو قادتهم الظروف إلى الجلوس مع العدو على "فرد" طاولة وتقاسمه معه الخبز والملح.
هكذا إذًا تعاملَ المنظِّرون مع اللقاء "الكتائبي - الشيوعي" بخلافِ رغبةِ قاعدة الحزب التي عثرت على شوائب من خلف لقاء لا يجتمع الحاضرون فيه على قضيةٍ إستراتيجيّةٍ واحدةٍ، فكيفَ حيال نظرة حول الحلِّ المنشودِ في لبنان، بين من يراه في خانةِ "المدني" خارج القيد الطائفي وبين من لا يعتبره سوى بتبني نهج "سيبته" الفيدرالية على النموذج الطائفي؟
حساسيّة الشيوعيين واضحة في ما له علاقة بالقضايا الوطنية لا تقبل القسمة على إثنَيْن بالأخصِّ القضايا الاستراتيجيّة وفلسطين والمقاومة وكذلك، حساسيّتهم الدائمة من أيِّ انفتاحٍ لا يُراعي المبادئ أعلاه أو يجنح صوبَ السعي خلف مصالحٍ دنيويّة تنتهي عند إنتهاءِ الظرفِ السياسي.
الشيوعيّون من أبناءِ القاعدة وجلّهم من المنتفضين في الشوارعِ، أظهروا امتعاضًا واسعًا من اللقاءِ، من خلال التعليقاتِ التي ظهرَت عبر مواقع التواصل الاجتماعي والاستفسارات التي اجتاحت ارقام المعنيين في قيادةِ الحزب، التي أخذت تسأل عن خطوطِ الالتقاءِ.
في اعتقادِ قسمٍ كبيرٍ منهم، أنّ الحزبَ يخطو خطوة غير ثابتةِ الدعائم وظرفيّة وغير صحيّة، ومن الواضحِ، أنّ المسألة ليست استثنائيّة بل تتمظهَر كسلوكٍ يجري اتباعه ضمن عناوين باهتة، فيما نظرة الطرفِ المُحافِظ داخل الحزب الشيوعي تبدي اعتقادها بوجودِ طبخةٍ ما بالنظر إلى أنّ اللقاء ليس الأوّل من نوعهِ.
ويقول هؤلاء لـ"ليبانون ديبايت"، أنّ مسارَ اللقاء مع أيِّ فريقٍ سياسيٍّ لبنانيٍّ مرحَّبٌ به، لكن له اصوله ولا بد أن يأتيَ ضمن سياقٍ سياسيٍّ واضحٍ لا مصلحي ظرفي ولا معنى للمصالح التي تأتي بشكلٍ ظرفيٍّ في عالمِ السياسة لأنها تغادر قبل أن ترسخَ".
بهذا المعنى، لا نقبل أن يتحوَّلَ الحزب الى كيانٍ من ذواتِ النظرةِ قصيرة المدى بعدما عهدناه صاحب مشروعٍ، وإلّا كيفَ يمكن تفسير حصول أكثرِ من لقاءٍ مع حزبٍ يُصنَّف استراتيجيًّا في الخانةِ المُقابلةِ تحت عناوين محليّة بحتة لا تطاول نظرة الحزب العامة إلى القضية؟
والمشكلة التي تثير قلق قياداتٍ شيوعيّةٍ، أنّ عمليّةَ التقاربِ مع حزب الكتائب جرَت بشكلٍ مستترٍ، إذ إجتمعَ المعنيّون في جلسَتَيْ نقاشٍ على الأقلِّ. لكن "أهل مكّة" ادرى بشعابها، فلا يمكن إخفاء شيءٍ عن الشيوعيين الذين علموا بما يجري، وقبل أن يبدأ، تكون الأسئلة لديهم حول الخلفيات والأسباب، فسارعَ الطرفان إلى إخراجِ اللقاءِ من صفةِ السرّي إلى العلني، وربما كان ذلك يهدف إلى إختبار ردودِ فعل الشارعَيْن وربما الشارع الشيوعي على أوضحِ تقديرٍ، والتي تبيَّنَ أنّها لم تأتِ على قدر الآمال المُعلَّقة من جانبِ القيادة.
والسبب يعود في تقديرهم، الى أنّ الالتقاء مع "الكتائب" أتى نتيجة حالةٍ سياسيّةٍ - شعبيّةٍ - إستثنائيّةٍ تشهدها الساحات، وبهذا المعنى، ليس هناك من أسسٍ واضحةِ المعالمِ لبناءِ علاقةٍ متوازنةٍ قابلة للحياة، فضلًا عن ذلك، فإنّ التباعدَ على مستوى النظرة الاستراتيجيّة ثقيل.
مشكلة الشيوعيين اليوم، يمكن اختصارها في بعضِ الرؤوس الحامية التي تحتلّ جدرانه الدماغية بعد أن تجمَّدَ أوكسجين التاريخ والتجارب في أعماقها بحيث لم يعد باستطاعتها الخروج من لعنةِ الثمانيناتِ رغم قبول الاكثرية منهم بمسار نظرية التطور التي وضعتهم في مقام القابل بالدور الأميركي تحت صفة "الإنفتاح".
قد يخرج قائل ويقول، أنَّ من يثيرون الأفكار المُعترِضَة على أيِّ تقاربٍ مذكور مع أيِّ حزبٍ يتموضَع على الضفةِ المُقابلة، ينتابهم الجمود العقائدي كما يحلو للبعضِ نعت كلّ من يختلف معهم في النظرة الايديولوجية، لكن الصحيح، أنّ هناك رهانات تحتلّ ادمغة البعض تهدف إلى إقحامِ الشيوعي في أغراضٍ صراعيّةٍ ضمن بيئتهِ، بخاصّةٍ الجنوبيّة، النيّة من خلفها إستثمار مجالاته في خلقِ زعزعةٍ أهليّةٍ تؤدي غرضها لاحقًا.
وعلى ما يقول قيادي شيوعي كبير، أنّه ومع بروز حالةٍ إعتراضيّةٍ داخل البيئة الشيعيّة يتولى الشيوعيون تفسيرها وترجمتها على نحوٍ واضحٍ، "دخلت" عليهم مؤسسات مجهولة الصفة وغير حكوميّة لتقدِّم الدعم لهم وتعزيز خلق مثل بنية الاعتراض هذه، والمصيبة، أنّ تلك المؤسسات ذات ميول سياسيّة واضحة تعادي المقاومة في جوهرها، ما يمكن أن يدلَّ على الأهدافِ التي تريد تحقيقها على ظهرِ مطالبِ الشيوعيين الذين يمثلون اللسان الناطق بحقوقِ غيرهم.
وهؤلاء طبعًا، يسعون إلى إقحام الشيوعي في بازارٍ صراعيٍّ طويل عريض يحلو للبعضِ تسويقه على أطلالِ أحداثِ الثمانينات، وللحقيقةِ، وضع مشابه لا يمتّ للشيوعي بصلة وإنّ إستخدامه بهذه الطريقة يرمي الى المساهمةِ في إختراقِ بيئةٍ طائفيةٍ تعلم قيادات الشيوعي بدقة أهدافها.
ويختم القيادي، أنّ بعض "الاشاوس" الذين يحتلّون الجدران الدماغية الشيوعيّة يجدر التنبه إلى أنّهم من الخارجين عن صفوفِ الحزب منذ مدّةٍ، وبالتالي، لا معنى لادعائهم مصلحته وهم يتموضعون في أحضانِ "تركيا وقطر وجناب الـ NGOs".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News