"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
حين تقرَّرَ إلتآم المجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا الاسبوع المنصرم لم يكن هناك أيّ ملف تتجاوز أهميَّته موضوع إنتشار "كورونا".
كان الفيروس يركض إلى الأمام والدولة تلحق به من الخلفِ. لعبةُ من يستطيع القبض على الوباءِ أولًا! لذا فقد طغى "كوفيد - 19" على ما عداه وأحال الملفات الاخرى على غرفةِ الانعاشِ...
التجربة اللبنانية دائمًا فريدة، و"فريدة" هنا لا تعرف من أين ستخرج عليها المفاجأة! عنوة عن أي بلدةٍ آخر، فرَّخَ الوباء أزمات عديدة كان من بينها أزمة السجون، وحين كان المجتمعون منهمكون في بحثِ الطريقةِ الأفضل لـ "تصريفِ الوباءِ" سقطَ عليهم الملف مرة واحدة، ما أجبرهم على فتحِ ورشةِ نقاشٍ تحت عنوان: "دراسة الجدوى من إصدار قانون العفو".
قبلهم، تصنف الحكومة من السّاعين خلف تحقيقِ إنجازٍ ذات معالمٍ قضائية. باكرًا اخضعت التشكيلات القضائية إلى النقاشِ وحين حلَّ "كورونا" فتح المجال لمناقشةِ إقرار العفو العام. يُقال، أنّ للحكومة مصلحة في إثباتِ قدراتها أو تحقيقها لهدفٍ يرفعها درجة على السُلّم الشعبي، لكن تبقى المشكلة في الآليةِ الأفضل، وفي بلدٍ مثل لبنان، تُصبح الآلية مقسَّمة وفق العداد المذهبي الطائفي.
ليس سرًّا، أنّ المستشارين من العاملين على ضفّةِ الحكومة بدأوا التنقيب منذ مدّةٍ عن صيغةٍ جيدة لإقرار قانون العفو، وكان البحث قبل عقدِ المجلسِ الأعلى للدفاع جلسته يدور بالضبطِ حول الصيغةِ الأفضل، عفو عام أم خاص، فأتاحَ إجتماع المجلس وفق "البوانتاج" الذي حضر المساعدة في إحصاءِ النتائج وتشريح كلّ حالة بحالة.
ما أسعَفَ الحاضرين ووفَّرَ لهم نظرة شمولية حول الملف، تولي أحدهم تقديم شرحٍ "مهنيٍّ" مفصَّل حول أوضاعِ السجون والموقوفين مطعَّمَة بمطالعةٍ قانونية قضائية وافية فنَّدت الايجابيّات والسلبيّات من وراءِ أيّ قرارٍ مماثلٍ وأتاحَت تقديم وجهةِ النظر القانونية التي فصلت الحالات ووضعتها ضمن أعمدةٍ عدّة على أيّ قانونٍ مُقبِل أن يلحَظها ويشملها:
- سجناء أَنهوا محكوميَّتهم لكنهم ما زالوا في التوقيفِ لأسبابٍ مادية لها صلة بالكفالاتِ.
- سجناء لم يحاكموا أصلًا وقد تخطوا مدة عقوباتهم في حال حكموا (سواء جنح أو جنايات) أصبحت تتراوح بأكثر ما قضوا في السجن.
- سجناء أمضوا الجزء الأكبر من محكومياتهم، وآخرون لم يتبقَ لهم سوى أشهرٍ فقط.
- أسماء مواطنين معمَّمَة كمطلوبين سواء صادرة بحقهم مذكرات توقيف أو وثائق إتصال أو كُتب معلومات.
من الملاحظات التي وضعت قيد التمحيص أيضًا، دراسة الإكتفاء بمدّة التوقيف لبعضِ المحكومين من الذين أمضوا فترة من محكوميّتهم من دون إثارة أيّ نوعٍ من المشاكل، مع تضمين إقتراح القانون بندًا يتيح شمل العفو المحكومين الذين مضى على توقيفهم ما يقلّ عن سنةٍ واحدةٍ، وهؤلاء يعدّون من الاغلبية.
لكن طبعًا، مفهوم العفو واسعٌ، ولدى اللبنانيين "حساسية" أمام الكثير من الملفات من بينها العمالة أو سفك دماء العسكريين، لذا كان لا بد من صيغةٍ ترعى مثل هذه الامور ولا تتجاوزها ولا تزرع في أيّ مشروعٍ صواعق قد تؤدي لاحقًا إلى تفجيره.
المهتمون بمقتضيات القانون يميلون أكثر صوب منحه صفة الخاص لا العام، هذا يعني أن شمولية أي قانون مماثل محدودة وترعى الضوابط. رئاسة الجمهورية موضوعة في الصورة. المقرَّبون منها ينقلون انتفاء المشكلة لديها ما دام الاقتراح سيُدرَس في لجانٍ قضائية مختصَّة ويأخذ في الإعتبار مراعاة بعض التفاصيل الخاصة. حزب الله ينضوي تحت مفهوم الرئاسة. ما يهمّه أن يُستَثنى من أيّ قانونٍ مُقترَح كلّ متهمٍ بقتل عسكريين ومدنيين وكبار الموقوفين من منظماتٍ إرهابية مثل داعش وأخواتها.
على أي حال، لقد فهم أن لدى رجالات القانون ما يشبه التخريجة لبعض التفاصيل العالقة، باتت في متناول الحكومة وأذيع أو عرض القسم الأكبر منها أمام "المجلس الأعلى".
على سبيل المثال، يتيح القانون شمل الموقوفين الاسلاميين المتهمين لكنه يحتجب عن المتورطين والمحكومين بجرائمٍ لها صلة بسفكِ دماءِ عسكريين أو إرتكاب أفعالٍ إرهابية مثبَّتة بالادلةِ بحق المدنيين. أمرٌ من هذا القبيل في حالِ حدوثهِ يفكّك لغمًا أساسيًا تعتبر الحكومة أنّه يقف كعائقٍ أمام صدور أيّ قانونٍ مماثل فضلًا عن تفكيكهِ حجةِ الرفض السُنّي.
على المستوى الشيعي، يُتيح القانون إنهاء قضايا الملاحقات العالقة والمشمولة بغالبيّتها ضمن نطاق بعلبك - الهرمل، فيتمّ بموجب ذلك رمي أكثر من 40 ألف مذكرة في سلة المهملات.
يُقال، أنّ الحكومة في واردِ تبنّي التوصيات أعلاه وهي تنتظر وضعها ضمن جدولٍ زمنيٍّ مُعيَّن للبدءِ ببحثها على طاولةٍ أوسع، لكن كتبة التقارير كانوا أسرع! ثمة كتبة أينما كان، بات لهذه الحرفة مدرسة تدرس أصولها وخباياها. كان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في بيتهِ الباريسي "يحجر نفسه" بعيدًا من السياسةِ إلى أن وصله التقرير المُفصّل حول ما جرى بحثه خلال الاجتماع مع مراعاة وضع بند "العفو" تحت خانة "مهم للغاية".
فهم الحريري المتخلي عن واجباته النيابية أن ثمة من يطبخ طبخة العفو عن "الإسلاميين" مستغلًا غيابه من دون علمه، هذا شيء يضرّه طبعاً. استيقظَ فجأة ثم أخذ يُغرِّد على "تويتر" باحثًا عن مصير مئاتِ الموقوفين الإسلاميين، ليساهم بنقل النقاشِ من الغرفِ المُغلَقَة إلى السطوحِ.
إستغرَبَ كُثرٌ استفاقة الحريري المتأخرة، لكن بالعودة إلى ما يدور من خلفِ الكواليس يصبح إهتمام الرجل أو بالاحرى خشيته من تمرير مثل هكذا قانون مفهومة وربما واقعية!
الحريري الذي حمل لواء "العفو العام" ووظَّفَه في بازار إنتخابات 2018 يرى أنّ تمكّن حكومة حسان دياب بمساعدة قوى 8 آذار على إقرار قانون العفو يمثل ضربةً قاسمة له أمام شارعهِ السُنّي، تقريبًا تأتي بمثابة ضربةٍ من بيتِ ابيهِ ما يظهر فشله وعدم قدرته أو غياب الرغبة لديه في تمرير قانونٍ مماثل رغم وعوده كلّها.
أمرٌ من هذا القبيل سيمنح "تذكرة" إلى حسان دياب، وسيجعل من قوى 8 آذار تنافس الحريري في عمق شارعه في شارعهِ، وبمعنى أوضح، تسلبه ورقة مؤثرة لطالما حاول استثمارها ... على الأرجحِ، أنّ الحريري لن يدع أيّ قانونٍ مماثلٍ يمرّ طالما هو ليسَ على رأسِ كرسي السراي.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News