المحلية

الخميس 23 نيسان 2020 - 02:00

عن كورونا فاطِمَة أخبَرَتني

عن كورونا فاطِمَة أخبَرَتني

"ليبانون ديبايت" - روني الفا

الجائِحات تسكن الوَعيَ الباطِنيَّ للبشريَّة. إسمُ كورونا العلميُّ حَديثُ الوِلادَة. فصيلَتُه في علمِ المختبرات تمتدُّ على فترة تُحصى بعقدين تقريباً. في خلال هذه المدّة طرأت عليه عدّة تحوّلاتٍ تمظهرت بِتسميات عدَّة أيضاً. الفيروس بالمَعنى الأنتروبولوجي عمره أكثر من ألفَي سَنة. وُجِدَ قبل المِجهَر وقبل المعادلات الكيميائية في أنابيب المختبرات. عرفته البشرية في مختبرات الخوف.

التوجّس الوجودي من الأوبئة دائِم الحضور في خواطر وهواجس البشرية. قبل الهيدروكسي كلوروكين كان مُستحضَر التضرّع والصلاة أحد أنجع الأدوية الفعّالة.

يحضرني نصٌّ إنجيلي من صيدليّة المسيح. يحدّثنا عن يسوع الداخل إلى الهيكل لِطرد الصيارِفَة وتجّار الحَمام. تَكاثَروا منذ سَنوات في العالَم. لَم يُذِقهُم أحدٌ طعمَ العَصا. لَم يصرخ فيهم أحدٌ زاجِراً مُهَمدِراً في الزمن المعاصِر.

قَلَبَ يسوع موائدَ الصَّيارفةِ ومقاعدَ باعةِ الحمامِ على ما جاء في إنجيل متى 21 وقالَ لهم: مَكْتُوبٌ أنَّ بَيْتي بَيتاً للصَّلاةِ يُدعَى أَمَّا أَنتم فَجعلتُموهُ مغارةَ لُصُوص.

ما حدثَ لَم يكُن مجرَّدَ قَلب طاولات في الهيكل بل كان انقِلاباً على نظام العهد القديم برمّتِه. العالم الذي تركه لنا يسوع ليكون معبدَ صلاة حوّلناه إلى ماخور. مِن وجهَة النّظر هذه ، كورونا يعيدُ تنظيفَ العالم ويقلبُ نظامَه رأساً على عَقِب.

فِي صَباحِ اليومِ التَّالِي لموقعة الطّرد، رَجِع يسوع من أورشليم فبلَغَ منه الجوع على الطريق. وإذ رأَى شجرةَ تِينٍ اتَّجه إِليها. لم يجِد عليها إِلّا الورقَ فقال لها: لا يَكُنْ مِنكِ ثَمَرٌ بَعْدُ إِلى الأَبد. يبِسَتِ التّينةُ في الحال. لم يأبه يسوع للتينة كفصيلةٍ من الشجر المثمر. أراد تذكيرنا عبر دهشة تلاميذه آنذاك أنَّ الإيمان يَقلعُ الجبال ويطرحُها بالبحر مضيفاً أن كُلَّ ما نطلبُه في الصَّلاةِ بإِيمانٍ، ننالُه.

ليسَ من المبالغَة بِمَكان أن نعترِف بأننا تقمّصنا التينَة اليابسَة وكارَ الصّيارِفَة والتّجار. صِرنا أنسباءَهم. صاروا مثالاتِنا العليا. بإيقوناتِهم المزوَّرَة تحدّينا الله. خَطَفتنا مِن هَشاشَتِنا عِصابَةٌ من مُرَوِّجي الأوهام. كانَت جُلودُنا بِحاجَةٍ إلى عَصا. عصا شبيهَة بتلك التي قَلب فيها يسوع طاوِلات التّجار. ألسِنَةُ اللهّب التي تَصاعَدَت من كاتدرائيَّة نوتردام منذ سَنَة جسّدَت عَصا المَسيح.

المسيحُ لا يحرقُ كاتدرائيات. في نوتردام ترَكَ لنا المسيح إكليلَ الشّوك المقدَّس دونَ أن تلتَهِمَه النّار. مثل إبراهيم كانت النارُ على الإكليل بَرداً وسلاماً. يتحلق حولَه المؤمنون في زمن كورونا. وقودُهم زمن الصّوم. صحنُهُم الطّائِر زمن القيامَة.

ترَك لنا يسوع إكليل الشّوك. أرادَنا أن نعتَمِرَه. اعتمَرنا قبّعات ديور ولانسيل. القَتَلَةُ مِنّا اعتَمروا خوَذاً واقيَةً من الرّصاص. كان لا بدّ من إكليلٍ بَديل. إنّما إكليلٌ خَلاصي. كانَ كورونا الترجمَة الجَسَدية لِخلاصِنا من الدمار الإقتصادي والسياسي. تعِبَ الله مِن تدخّلنا السافِر في تناغم الكَون كما صاغَته اليد العليا. فكّكنا البُنى والشعوب والحَواضِر والدّول. والأخطَر فكّكنا الأفراد في أغلى ما لديهم. هياكِل أجسادِهم حيث كانَ يحلو للروح القدس الإقامَة.

لا يُعدَمُ الله وسيلَة إلا ويخاطبنا عبرَها. حتّى عبر الإنترنت يخاطِبنا الله. عندما يحينُ وقتُ التواصل معه ينقَطِع الواي فاي. عبرَ شاشاتِنا نتواصَلُ أفقياً. التَواصلُ العَمودي مَعدوم. الصّلاةُ هي إنترنت عمودي. تُعيدُنا إلى الرَّحيق. إلى الإنشِطار عن يَوميّاتِا وزمنيّات المناكَفَة. الزمنيّات ليسَت من لَدُنِ الله. باكتِساب نعمَة الإنشِطار لَن نعود جِزءاً مِن الحَرَكة الدّائريَّة لِعقارِب السّاعة. سندخل الأبديَّة. ستَكون عذابات كورونا قارِباً يُبحِر بِنا إلى حضنِ المطلَق.

بِتنا مَخلوقات " نَتفْلِكسيَّة ". أناجيلنا صنّعنا بِها هَواتِف ذكيَّة. تتمحوَر أهدافنا في زمن كورونا حولَ ما تبقّى مِن سِلَعٍ تَرَفيَّة على رفوف المحالّ التّجاريَّة. امتَهنّا الإبتِذال. الموسيقى الوَحيدَة التي لَم ننجَح في اغتيالِها في زمن الحَجر هي زقزقة العَصافير.

المسيح قام في كنائِسِنا الفارِغة. هل نطلب علامَات أزمِنَة أقوى من هذه العلامَة؟ مسيحيَّة جديدة تنتظرنا على قارِعَة كورونا. أكثَر إلتِصاقاً بالجروح. خصوصاً جروح الضّعفاء. هذا هو المَعنى الميتافيزيقي لِكورونا. جسّدّته نزهَة البابا فرنسيس وَحيداً صَوب كنيسَة سانتا ماريا ماجوري في روما. مثيرٌ لِقشعريرَة روحيَّة أن نعودَ إلى القسم الثالث مِن سرّ فاطِمَة الموحَى بِه عام 1917: " سيتجوّل الأب الأقدَس في مَدينَة كبيرَة نصفِها رُكام وممتلئَة بالجثث. سيرتَجِفُ ويمشي مترنّحًا تحتَ وطأةِ العذاب والآلام ".

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة