"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
ما جرى الليلة ما قبل الماضية مشابه تماماً لما حدثَ ليلة 17 تشرين الأول 2019. جموع من مختلف المناطق اللبنانية بما فيها خندق الغميق والضاحية زحفوا صوب ساحة رياض الصلح للتعبير عن غضبهم من إنهيار الليرة. هذه المرة كان الغضب موجهاً صوب الدولار وبدرجة أقل نحو حكومة ساهمَ في إنتاجها الثنائي الشيعي. هذا أفرغَ عن سؤالٍ مركزي: هل سحب الثنائي الغطاء عن الحكومة؟
على الأرجح لا، فـ"الثنائي" ليسَ في وارد رمي البلاد المُنهكة بفم الذئب. هم يعلمون أن أي خطوة من هذا النوع مردودها إنتحاري، والإنتحار في مثلِ حالتنا الراهنة مُكلف على الجميع تحديداً حزب الله. هل ندع البلد ينتحر؟ الجواب كلا!
هي تنفسية إحتاجها حزب الله لـ"ترييح شارعه" لذا يُشاع أن "قبّة باط الحزب" ليلاً كان لها مهمة وظيفية محددة، سياسية - شعبية. في الأولى، ارادَ وضع رسائله في صندوقة بريد المعنيين فحوها أنه مستعد للنزول إلى الشارع متى كانت هذا الشارع يُفيد في رد الاعتداءات تحت جناح الدولار أو يُستخدم لأغراض استهدافيه يُراد مسّه بها، وعلى الأرجح الرئيس حسّان دياب ليس ضمن قائمة أهدافه، بينما الثانية وهي الأهم، دفع من خلالها إلى تذويب الجليد الذي تولد عن تجاوزات السبت الماضي التي حُمّلَ أوزارها وكانت نتيجتها أن أدت إلى حصول تشققات بالجملة سواء لدى الحلفاء أو على ضفة الخصوم.
على أي حال ثمة من يقول أن البديل في السراي إلى حد ما متوفّر. في هذا الكلام عودة إلى معادلة الحريري والتعايش مع الاختلافات تحت سقف ربط النزاع. ما يعطي انطباعاً ايجابياً، تلك الجولات التي نشطت عقب مظاهرة 6/6 والتي ألمحت إلى دور ما للشيخ سعد "تهدوي" هذه المرة يسعى إلى تنفيس التراكمات التي نتجت عنه، تفيد ضمنياً حزب الله. في ضوء ذلك ذهبَ الظن نحو توفير ظروف عودة الحريري ولو أن الأجواء الحالية او الظروف التي أخرجت الحريري ما زالت هي نفسها، ما معناه أنه ليس في وارد العودة.
يُسجل للحريري الدور الذي أداه في ليلة "فتنة السبت". الجميع، بما فيهم الثنائي الشيعي، أدركَ أن البيئة السنية تتعرض لعملية "سطو سياسي" أبطالها مجموعات بهاء الحريري وأشرف ريفي. تلك المجموعات ومن خلال نشاطها الواضح، ظهرَ أنها لا تعير اهمية إلى الفتنة السنية - الشيعية التي يتخوف منها الطرفان السياسيان، الثنائي وتيار المستقبل، بل تسعى الى نيل مكتسبات سياسية على ظهر الفتنة.
أثارَ ذلك إنتباه "الثنائي الشيعي" الذي لم يجد حلاً إلا برفع التنسيق مع سعد الحريري طالما أن الابواب لم توصد معه. الاخير ظهرَ أنه يتفاعل، وهذا ينطلق من عمله المسبق أن الأضرار ستلحق به حكماً طالما أن الموجود الآن محاولات لسحب البيئة السنية من يده. تحرك على أكثر من مستوى. في البداية أمرَ عناصره بالخروج من الشارع وعدم افتعال أي مناوشة مع أنصار "الثنائي" و "حادثة بربور" تأتي هنا من خارج السياق طالما أن المستقبل برأ نفسه ملقياً المسؤولية على "مجموعة شاذة لا تأتمر منه". الخطوة الثانية تركيزه على وأد الفتنة عبر التنسيق على الأرض، والثالثة كانت في تسطيره بياناً "تهدوياً" أعاد انتظام الأمور على الأرض. هذا كله يُحسب للحريري وليس عليه.
دور كهذا، عزّز من أوراق سعد الحريري لدى الثنائي الشيعي، وبالتالي بات هذه الأخير ينظر إلى سعد على انه طرف نستطيع التعاون معه من اجل انهاء هذه الظاهرة في الشارع، أي ظاهرة استدراج الفتنة بهدف نيل مكاسب سياسية، وهذا يُمهد إلى صوغ إتفاق جديد ربما يقود سعد الحريري إلى السراي ضمن شروط جديدة طبعاً، لكن هذا لا يعني أن العودة ستتم الآن أو أنه رفع التنسيق مع الحريري موجّه ضد حسان دياب، الذي يُدرك تماماً مدى أهمية "الخطوط" المفتوحة بين الثنائي وبيت الوسط.
لكن في الواقع، أن هذا الكلام من الباكر الحديث فيه، فالرئيس الحريري لا يظهر أن لديه النية في العودة إلى السراي أقله حتى الآن، هذا تنقله أوساطه، بدليل أنه غير مستعد للخوض في غمار "معركة الانقاذ" في ظل انعدام الرؤى الانقاذية، وعليه لماذا يُقحم الحريري نفسه وسط هذه "المعمعة" و "يشيل الحمل" عن ظهر غيره ويلقيه على ظهره؟
لدى الثنائي الشيعي نفس التقدير تقريباً، ولو أن بعض المقربين من أحد أطراف الثنائي يذكر أن الحريري قد يكون يمتلك "مفتاح صندوق النقد" وهو أوصل رسائل إيجابية في هذا الاتجاه. التقدير الأساسي لدى "الثنائي" ما زال في الرهان على أدوار الرئيس حسان دياب. بالنسبة إلى "الثنائي الشيعي" يحوز الرئيس دياب على درجة عالية من العلامات، فهو لغاية الآن لم يظهر أن لا نية لديه في إنتاج حل بل على العكس يجهد في إنتاج هذا الحل رغم كل العراقيل.
صحيح أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لا يتردد في القول أمام زواره إن تجربة حكومة التكنوقراط الحالية لا تشجع على تكرارها مستقبلاً لكن ذلك لا ينسحب على الرئيس دياب شخصياً الذي يسجل له نشاطه الفريد وعمله 18 ساعة في اليوم.
في الخلاصة، الرئيس دياب ليس في وارد الاستقالة ابداً. في الحقيقة ليست مدرجة على جدول أعماله. الثنائي الشيعي يسعى للتكامل مع الحريري ودياب معاً كلٌ من موقعه، أما الحريري فيترقب اللحظة المناسبة آخذاً وقته في استعادة جميع أوراقه التي تتكفل بوصوله على ظهر خيل أبيض إلى السراي.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News