كتب الأستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، رائد المصري:
بهدوء...فليتأكد الكل..وكلهن يعني كلهن... بأنّ هذه المنظومة السياسية التي حَكَمَت لبنان منذ الطائف قد هُدِمَت بالفعل في إنفجار مرفأ بيروت، بعدما تحصَّنت وغَرَزَت أظافرها عميقاً أمام زلزال إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005، وبعد الزلازل التي هزّت المنطقة العربية، ولا سيَّما سوريا في العام 2011 الى اليوم، وهو ما يعني أنّ العَقْد السياسي الجديد الذي تحدّث عنه ماكرون لا يُمكن أن يتحقَّق إلّا بضمان تسوية جديدة لوظيفة إقليمية محددة للكيان اللبناني يبدو حزب الله أقرب إليها ومرغماً من أيِّ حزب أو طرف سياسي طائفي أو مذهبي عَبَثَ بكلِّ مكونات البلد ورَهَن إقتصاده وماله للخارج وللمستعمرين، فالكل تورَّط وأفْسد وأَكَلَ وشبع حتى الثَّمالة من مال وجنى وعرق ودم الشعب.
فلا يجب أن يقبل اللُّبنانيون اليوم التموضع بين تسوية إقليمية ودولية تُعيد إحياء مومياءات المنظومة الحاكمة التي قتلت اللُّبنانيين ببطء طوال السنوات الثلاثين الماضية، ثم إختارت قتلهم بسلاح دمار تفجير مرفَأِهِم في الرابع من آب وبين فدراليات الطوائف التي ستؤدِّي الدور الوظيفي في مرحلة التحوُّلات الإقليمية...
فالخيار الأمثل هو في الدولة المدنية الذي وحده يُمكن أن يُخرج لبنان من قدَرِه المحتوم، لو قدّر له ولقواه الحيَّة في ثورة 17 تشرين من أن تحوِّل هذا الوطن المُتْعب الى حقيقة عملانية وبناء دولة المواطنة القابلة للتحقيق. فإذا ثبُتَ أنَّ التحقيق المحلِّي غير منتج ويتحكَّم به الفاسدون، والتحقيق الدولي يدوِّر زوايا المِلفات سنوات وسنوات حتى تذوب نهائياً كما أتت نتائج التحقيق الدولي في مِلف إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فلمَن يشتكي اللبنانيون؟ وهل المطلوب أن يستسلموا؟...
فالواضح أنَّ فريقين في لبنان يتحفَّزان المشهد السياسي رغم الخبرة السياسية والإيديولوجية التي يتمتَّع بها أو يتميَّز بها فريق على الآخر ونقصد به هنا فريقا حزب الله وقوى ثورة 17 تشرين، حيث أثْبتت الأحداث أنَّ صوابية مواقف إنتفاضة الشعب اللُّبناني وثباتها على الخطاب الوطني الإصلاحي العابر للطوائف قد أعطاها الثِّقة والمصداقية والتعويم الشعبي الذي بوديء في التأطير والتنظيم والتنسيق بين كلِّ فئات المجموعات الثورية لإنتاج وحدة فكرية ومرجعية سياسية تتماهى مع سائر القوى والأحزاب المنضوية تحت مظلَّة 17 تشرين السياسية.
أما بالنسبة لحزب الله الذي خَسِر الكثير شعبياً ومناطقياً من مناقبيته ومثالياته التي طالما تغنَّى بها على مدى عشرات السنين، ليظهر أخيراً أنَّه الحصن الباقي والحامي لدولة الطوائف والمذاهب ومعها تبيَّن حمايته القوى التي أفْسدت في البلد وسرقت أموال الناس، حيث أنه وإلى اليوم لم تتوجَّه الإتهامات صوبه في إنفجار المرفأ، وخرج من قرارات المحكمة الدولية المتعلِّقة بإغتيال الرئيس رفيق الحريري غير محمَّلٍ لا بالأعباء والإتِّهامات السياسية ولا الأمنية، وكأننا بهم يقولون طوينا صفحة الخمسة عشرة سنة وعلينا البدء من جديد في إعادة بناء وإنتاج نظام سياسي بديل في لبنان، وما عزَّزه تطمينات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لحزب الله وهي تطمينات أميركية ظهرت بوضوح في عملية إسقاط حكومة الرئيس حسان دياب.
فإذا كانت جهوزية محور المقاومة الممتد من طهران الى غزة والحضور الإيراني في الجولان السوري وقوة المقاومة في جنوب لبنان وعلى حدود فلسطين الشمالية قد أرعبت إسرائيل وأميركا ورسمت حدود قواعد الإشتباك، فإنَّ إتفاقية تبادل السفارات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة قد جعلت الأولى في حضورها وخطر الإستراتيجي كبيراً على موانيء وشواطىء وحدود إيران، فتبادل التطويق الإستراتيجي ظاهر ويبدو أنه سيتبعه تسويات في إعادة ترتيب النظام الإقليمي بالتفاهم بين طهران وواشنطن أولاً، وبين تركيا ومصر وإسرائيل ثانياً، ليكون لبنان جزءاً من إعادة هذا الترتيب المتعلِّق بمرور أنابيب النفط والغاز وإنتاج الطاقة على ساحل المتوسط، وهو ما قبل به مبدئيا حزب الله بإنتظار إنضاج التسوية الكبرى في الأقليم الشرق أوسطي، وهذا بدوره يتطلَّب تنازلات عمادها وأساسها قبول حزب الله الأولي وقراءته للواقعية السياسية ولو كانت صعبة والتسليم بمندرجاتها، لكن شروطها تخليص لبنان من شوائب الفساد الطائفي وقواه المستحكمة بمفاصل الدولة بإرادة دولية وإرادة قوى 17 تشرين الحيَّة وليس بتسليم وبتنازل من حزب الله..
إنَّها الإنفجارات الكبرى التي تُحْدِث تغييراً في الستاتيكو الجامد في لبنان،بفعل عناد حزب الله ووقوفه أمام حركة التحولات السياسية، وبفعل قوة ومتانة هذا النظام الذي تعفَّن وبدأت عدواه تطال الجميع وتُغْرِق الكل في مستنقع الأزمات والحروب...فهل يُعيد حزب الله حساباته مجدداً وواقعه ووهجه الذي أثْبت أنه يتطلب صدمة بقوة كهرباء لبنان المفقودة منذ عقود..؟؟ سؤال ستجيب عنه الأيام والأسابيع القليلة المقبلة...".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News