"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
افتتحت مفاوضات الترسيم غير المباشرة في الناقورة موسم الخلافات السياسية بين الحلفاء. ما جرى خلال اليومين الماضيين من تمايز بين موقفي قصر بعبدا وحارة حريك لا يُمكن قياسه من خارج سياق عام بدأ "يركب" منذ ما بعد دخول المبادرة الفرنسية مدار الأجواء اللبنانية والتغييرات التي حكمها ذلك الدخول.
في السابق، كان الخلاف مضبوطاً تحت سقف "التنفيس" ضمن نطاق "مواقع التواصل" من دون أن يتعدى ذلك المستوى السياسي الذي كان عملياً يلجأ إلى التنفيس ضمن "الشُعب المرجانية" تحت أعماق البحر السياسي الافتراضي، أما الآن فـ"كبر حجر الخلاف" بات يحول دون قدرة المواقع الافتراضية على استيعابه.
شكّل البيان "الثنائي" الموقّع من قبل حزب الله وحركة أمل نقلة نوعية ونقطة تحوّل في العلاقة مع القصر الجمهوري. من المرات النادرة بل هي المرة الاولى منذ إبرام تفاهم مار مخايل عام 2006 التي يرتفع فيها الخلاف حول وجهات النظر إلى درجة إصدار بيانات بمعانٍ سياسية قاسية رغم أن "القصر" لم يُستدرج إلى ردود فعل مقابلة وهذه نقطة تُحسب له بعد أن حُسبت وسجلت عليه الكثير من النقاط لدى "الحاضنة الشيعية". سابقاً، كانت سمة العلاقة التي تجمع ما بين التيار الوطني الحر وحزب الله أنها تحصر الخلافات ضمن الجدران الاربعة مع الحرص على عدم تسرّبها على أن يجري حلها وفق الاطر المناسبة. الآن، إنفجر الخلاف وتسرّب إلى الخارج بطريقة فجة ودفعةً واحد ما قادَ "الشيعية السياسية" إلى إطلاق حمم بيان جرّد "وفد القصر" من شرعيته السياسية والميثاقية!
قبل ذلك، كان معهوداً تبادل القصف المركز عبر بيانات صادرة عن حركة أمل والتيار الوطني الحر نتيجة نزاعات دائمة بين الجانبين، كان يبقى حزب الله في منأى عنها، بل دوماً ما كان يعمل ومن خلف الكواليس على محاولة تليين مواقف الجانبين ومحاولة "ربط النزاع" بينهما على قاعدة "المساكنة الضرورية" تحت سقف سياسي واحد، أما الآن ومع إندلاع الاشتباك على هذا النحو مع قصر بعبدا، من هي الجهة صاحبة الصلاحية والقدرة التي ستتبرّع في حل المأزق التفاوضي؟
بيان "الثنائي الشيعي" الذي وفي المناسبة لا يصدر بهذا الشكل الثنائي المزدوج إلا حين يبلغ التهديد حدود المساس بالخطوط الحمراء، جاء استثنائياً في توقيته ومضمونه السياسي وتوجهاً صريحاً لموقف يمكن تعميمه على الحلفاء والخصوم على السواء كما أنه حمل عتباً صريحاً ومباشراً على قصر بعبدا يحصل للمرة الاولى. أنه مؤشر حول مدى الانزعاج الذي وقع على الثنائي الشيعي من جراء تثبيت القصر موقفه حيال طبيعة الوفد "العسكري – المدني" الذي شُكّل لتمثيل لبنان في المفاوضات غير المباشرة حول ترسيم الحدود مع العدو الاسرائيلي.
مبدئياً، ومن حيث التوقيت، بدا صدور البيان بعيد منتصف الليل ملفتاً. عملياً، لم يكن البيان ليصدر لو جرى التعامل مع "إعتراضات الثنائي" على محمل الجد، بل أن الوقائع المسجلة عن مجريات اليومين اللذين سبقا موعد انعقاد الجلسة الاولى للتفاوض في الناقورة، تظهر أن الجانب الشيعي وحين بات في متناوله أسماء أعضاء الوفد "من المدنيين"، حاول العمل مع القصر الجمهوري على محاولة إدخال تعديلات على الأسماء وإعادة "تركيب الوفد" ضمن شروط عسكرية سبق وجرى الاتفاق عليها بين الجانبين. لكن القصر (نقول القصر وليس الرئيس ميشال عون) تعامل مع القضية على أنها "حقوق مكتسبة ومن صلب صلاحيات الرئاسة" وليس ثمة أسباب لعدم الاستجابة إلى طلب الثنائي كما لم تجرِ الاستجابة إلى طلب رئاسة الحكومة من قبله. عليه، مضى في خياره من دون أن يبادر إلى الرد أو التعليق على اتصالات ومراسلات الثنائي الشيعي المفتوحة طيلة نهار الثلاثاء، وهذه سابقة!
مع ذلك، ابقى الثنائي الشيعي، وتحديداً حزب الله خياراته مفتوحة من أجل تأمين اتفاق مع القصر الجمهوري طيلة تلك الليلة رغم أنه كان يختبر أنواعاً جديدة غير معهودة في العلاقة معه، من المراوغة وعدم التجاوب مع الحليف.
ما اوصل الثنائي الشيعي إلى إصدار مثل ذلك البيان وفي هذا التوقيت بالذات، اي بعيد منتصف الليل، كان إدراكه بفشل كافة المحاولات التي وضع لها سقفاً زمنياً وهو الساعة صفر من نهار الاربعاء، لذا كان يتحتم عليه إصدار موقفاً صريحاً من خيار نقل المفاوضات من إطار عسكري إلى إطار مدني يوفر في جوهره تلبية للاملاءات الاميركية والغايات الإسرائيلية الساعية إلى إدخال تعديلات على مقاربة حزب الله وحركة أمل للوفد، أي عملياً محاولة التقدم عليهما بنقطة شكلاً ومضموناً.
من هنا، يمكن البدء في قراءة الحساسية المفرطة التي لم يستطع الحزب إلا التعامل معها وفق هذا المنطق. مع ذلك، الحزب لم يغلق بابه بوجه القصر الجمهوري الذي يتوجب عليه الآن المبادرة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News