المحلية

الأربعاء 10 آذار 2021 - 04:08

اليرزة تنتفض!

اليرزة تنتفض!

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

هل بات الجيش اللبناني الملاذ الوحيد للناس الهاربين من "بطش" السلطة بدولارها وأحزابها؟ سؤال تبادر إلى الأذهان في معرض التحوّل الذي أجراه قائد الجيش العماد جوزف عون، على نسخته العسكرية وإدخال تعديلات عليها من النوع الثوري.

ثمة رغبات دفينة عند الناس لم يعد من مجال لإخفائها أو إنكارها، تستبطن شعوراً بالإزدراء و"القَرَف" ناح الطبقة السياسية. جرى التعبير عن ذلك في أكثر من مناسبة، سواء اليوم أو بالأمس لا فرق. وما يزيد من تنمية هذا الشعور، تصرفات أحزاب السلطة، بموالاتها ومعارضاتها، التي تستبيح "إطاراتها المشتعلة" الشوارع الآن تحت شعار "إعادة بناء الدولة"، أي الجماعات التي أعادت استدعاء وتفعيل منطق الكانتونات والمعابر والتدقيق في الهويات. هؤلاء الناس، بأجمعهم، ما زالت البزّة المرقطة تعني لهم شيئاً، وعند هذه الضفّة ثمة منهم ، من يرى أن الخلاص قد يأتي على أيدي العسكر، ولو أن في ذلك مبالغة أحياناً، أو ردّ فعل عاطفي لا يأخذ في الحسبان الأطر التي تكفل عادة مراسم انتقال السلطة.

عملياً، الإستجداء بالعسكر لإنقاذ البلاد من الوضع الذي ترزح فيه، سواء كان ذلك مقبولاً لدى البعض أم لا، تُسأل عنه الطبقة السياسية نفسها التي، ومن وراء أفعالها، أدّت بالناس إلى اعتماد هذا النهج سبيلاً للتحرّر من سطوتها، مع العلم أن اللجوء إلى حالة مماثلة يحتاج إلى أطر دستورية وقانونية غير متوفرة، بدليل أن دستورنا الجليل لم يوفّر المخارج لحالة الإستعصاء السياسي في حال وجدت، أو يمنح صلاحيات ذات بعد سياسي إلى الجيش. وبالتالي، من المحال حدوث ما يصبو إليه البعض من تسلّم الجيش للسلطة، إلّا من خلال انقلاب، وهو أمر مُحال حدوثه في بلد قام على توازنات دقيقة وتُعَدّ الطائفية بأحزابها وجماعاتها مصدراً للسلطات. مع ذلك، وفيما لو أُجري استفتاء جدي وموثوق به اليوم حول شكل النظام البديل عن هذا المترهل، ومن هي الجهة المخوّلة ببنائه، لكانت المؤسّسة العسكرية قد تصدّرت القائمة من دون منازع.

لقد جسّد موقف قائد الجيش العماد جوزاف عون في اليرزة قبل يومين نقطة تحوّل على صعيد المؤسّسة. إنها المرّة الأولى بعد اتفاق الطائف، التي يبادر فيها الجيش إلى توجيه كلام "مرتفع السقف" تجاه الطبقة السياسية، لا بل إنها المرّة الأولى التي يستخدم فيها قائد للجيش إصبعه، لتوجيه رسائل تحذير إلى قيادة سياسية بلغة جسد صارمة. وإذا ما قرّرنا الغَوص أكثر، لقلنا إنها المرّة الأولى بعد الطائف التي تشهد خروج اليرزة عن شور بعبدا، عسكرياً.

قد يدعي البعض أن دوافع قائد الجيش "شخصية"، بمعنى أنه بادر إلى بادر به في لحظة مشاهدته ضعف السلطة السياسية، لذا تقدّم في محاولته لتأمين مصالح تخصّ مؤسّسته، سيما بعدما رأى أن الأزمة بدأت تتسلّل إلى أفواج الجيش. ربما هذا صحيح، لكن الصحيح أكثر، أن كلام قائد الجيش، ما كان ليكون، لو أنه لم يجد أن البلاد تنحدر صوب فوضى أمنية أولاً، وبعدما لاحظ مساعٍ لتوريط الجيش عبر وضعه في وجه الناس ثانياً.

يتحسّس الجيش الخطر، ويعلم بمخاطر النزوح إلى هذه الحالة بمقدار علم الساسة بها، وفي انفلات الأمن في الداخل أذية تمارَس بحق الجيش، المنهك أصلاً، لذا، أتى كلام عون في مقام تحذير السلطة السياسية من مغبة التفريط بالحد الأدنى من الأمن المتوفر، وتذكيرها أن الجهة المولجة حفظ هذا الأمن، يتم استهدافها من الجهات المتّهمة بزعزعة الأمن، والتي تدعو إلى تطبيقه في آن.

وعلى نفس القدر من الأهمية، لا يُمكن تجريد كلام العماد عون من أهداف داخلية تخصّ الجيش. جوزف عون يتحسّس الضحالة التي تعانيها المؤسّسة على المستوى المالي، وإن بحث في وجوه العسكر لوجد حالة العَوَز ترتسم في عيونهم. عند هذه الحالة، كيف يمكن لمؤسّسة أن تأمر عنصراً محتاجاً؟ إنها معضلة لا تفهمها السلطة، السلطة التي تتلاعب في الدولار اليوم لأجل تمرير أهداف سياسية، تتحمّل دون غيرها وزر تشحيل موازنات الجيش التي وصلت في نسختها الأخيرة إلى مستوى 90% في المقام الأول.

وللحقيقة، أحياناً لا يمكن إعفاء مؤسّسة الجيش من المسؤولية. حين كانت السلطة السياسية تبادر إلى "تشحيل الموازنة المرقّطة"، كانت اليرزة عادة ما تستقبل الفعل بالإمتعاض والصراخ عبر الإعلام، من دون المبادرة باتجاه اتخاذ أي خطوة فعالة، وفي النهاية كانت تؤدي التحية والسلام.

خلال المرحلة الأخيرة، أي حين بدأ الدولار بالنضوج والخروج من شرنقة الـ1500 ليرة، كانت مؤسّسة الجيش تُعاين الظلم اللاحق بحقها بصمت. كان يمكن وخلال سريان مفعول الحكومة مثلاً، أن تبلور "اليرزة" نوعاً من "لوبي" يحفظ مصالحها داخل السلطة، سيّما حين بدا وكأن الحكومة الأخيرة تحفظ بين أركانها ،عناصر مهمة تفيد الجيش. كان يجب حينها أن يُفرض على السلطة بالحد الأدنى، أن تمنح العسكريين سِلفة من خارج أساس المعاش، لكن لم يحدث أي شيء من هذا القبيل، واكتفت المؤسّسة بالصراخ في غابة السلطة.

الآن وصلنا إلى ما كنا نحذّر منه دوماً، لا بل أكثر من ذلك، هناك من يعتقد أن ثمة محاولة لاستهداف الجيش آخذة بالتطوّر، إلى جانب مصلحة لدى البعض في خلق "حالة قلق" ثم جعلها تُسيطر على المؤسّسة العسكرية، من زاوية زرع اليأس في نفوس العسكر، وتعويم عدم الثقة بالمؤسّسة والمراهنة على النتائج المتوخاة في سبيل إحداث الفرق. وهنا يحضر سيناريو تعميم الأنباء حول فرار العسكريين بشكل يومي في بعض الأحيان، وهو ما ينمّي الشعور حول وجود أهداف من خلفية ذلك، قد تصل أحياناً إلى محاولة تفريغ المؤسّسة العسكرية من عناصرها، أو وضعها في وجه الشعب، كما يحلو لبعض مستشاري القصر أن يفعلوا، بدل تأمين الحلول التي تثمر في إخراج الناس من الشارع.

من جديد نعود إلى الإستثمار السياسي السيء في مؤسّسة الجيش، والذي يمكن الإشارة إليه في أكثر من حالة. هنا، هل استنسب قائد الجيش اللحظة للإنقضاض على هذه الفرقة، واستئصال تلك النزعة؟ بصراحة أكثر، هل قرّر قائد الجيش الإفلات من سيطرة السياسيين؟

ثمة من يجيب بـ"نعم"، بل يعتقد أن "شهر العسل" مع بعبدا وسواها قد حلّ زمانه، وأن الجيش بدأ بسلوك درب الإنتفاضة على الحالة الراهنة بكل تفاصيلها. مع ذلك، وعلى المقلب الآخر، ثمة من يقلّل من أهمية كل تلك الأنباء، لا بل يدّعي أن جوزف عون "من عظام الرقبة". "صحيح أن لا علاقة له بالحالة العونية، لكن يكفي أنه كان وما زال اختيار الرئيس وموضع ثقته". عملياً، على جوزف عون المبادرة إذاً.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة