"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
سيغلق العام الحالي على واحدةٍ من أسوأ الأزمات السياسية التي تعصف في البلاد، ولا بوادر توحي بأن المُقبل سيغدو أفضل. عملياً نحن أمام واقعٍ مؤلمٍ حيث توجد حكومةٌ مكتملة الأوصاف الدستورية، لكنها معطوبةٌ إجرائياً وميثاقياً، غير قادرةٍ على الإنعقاد وبالتالي كرّست معادلة لا حكومة أو حكومة مشلولة دون وجود اختلافات كبيرة عن حكومة حسان دياب، ودون أن تجعل البلاد تخرج من شرنقة التعطيل الحكومي الذي بدأ غداة 4 آب المشؤوم.
إذاً نحن بالفعل قد دخلنا عنبر الرابع من آب من دون أن نخرج منه بعد، لا بل تتكدّس المساوئ وفق أشكالٍ مختلفة تحمل معها مؤشرات ذات خطورة على الوضع السياسي العام غير القابل للتطور.
صحيحٌ أن الفرنسيين قد دخلوا على خطّ وخز الحالة السياسية بإبرٍ منشّطة، لكن الصحيح أيضاً أن حضورهم لا يجاري أسباب العطب السياسية الحقيقية، أو يعمل على إيجاد حلولٍ له، ولعلّ حضورهم أقرب إلى محاولة فرض التوازن الداخلي أو ربما عدم دفع الأمور إلى مزيدٍ من التأزيم، يشاطرهم في ذلك الأميركيون، الذين يسعون إلى جعل الفترة الفاصلة عن الإنتخابات النيابية، فترةً هادئة نسبياً وذلك يأتي من خلفية إفساح المجال أمام القوى التغييرية لطرح نفسها كبديلة، وهذا طبعاً يحتاج إلى جوّ معين، من دون أن يخفّ الضغط السياسي الأميركي طبعاً، ففي النتيجة يعمّق الأزمة من دون انفجارها ،يضاف إليه الضغط السياسي الأميركي ما شكّل في الواقع ظروفاً مساعدة لنشأة و تمدّد تلك التيارات.
يبقى الوضع السياسي الداخلي هو الأهمّ. عملياً، نعيش اليوم أمام انشطارٍ واضح في العلاقات السياسية: خلافٌ عميق بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" وأعمق بين التيار وحركة "أمل"، وربما أعمق أكثر مع "القوات اللبنانية"، وخلافات غير قليلة بين القوى السياسية مجتمعة والمجموعات السياسية المعارضة الأخرى. يُضاف إلى كلّ هذا الجو السلبي، تنازعٌ "ناعم" يجري بين الرئاسات الثلاث بنسب متفاوتة، وغياب الحلول التي يبدو أنها وضعت على الرفّ، ربما لأسباب إنتخابية بحتة أو رغبة في تحصيل إمتيازات تحت الضغط.
صحيحٌ أن العلاقة بين الرئيسيْن نبيه بري ونجيب ميقاتي عميقة، لكن ما حصل في عين التينة مؤخراً ولو أن البعض يفضّل تشبيهه بحالة "التمثيل"، لكنه واقعي وقد أدى إلى نشوء خلل في ميزان العلاقة بين الجانبين. الخلل نفسه يعتري حالة الميقاتي بما له صلة بموضوع رئاسة الجمهورية.
صحيحٌ أخرى أن الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، يحيطان الداخل والخارج علماً أن علاقتهما متساوية ولا يشوبها شائبة، لكن التمحيص في بعض الآليات والإجراءات المتّبعة يظهر عيباً في مكان، ويمكن ردّ ذلك العيب إلى طبيعة تناول رئيس الحكومة للقضايا الداخلية، ومشاهدته يزاحم رئاسة الجمهورية على مواضيع عدة، وملاحظة أنه يسعى إلى "تطوير" صلاحيات رئاسة الحكومة بالممارسة ومن خارج أي نص، وهي خطوة يبدو أن رئاسة الجمهورية قد عزمت على الردّ عليها بطرقٍ مختلفة وتتخفّى تحت الإطار الرسمي والدستوري.
فمثلاً شهد قصر بعبدا قبل أيام، نوعاً من أنواع المبارزة الناعمة غير المُعلنة تحت جنح حالة انعقاد المجلس الأعلى للدفاع، وقد سادت الأقاويل الصحف والمنابر، مع ذلك يعمّم الرئيسان أن الدعوة إلى التئام المجلس كانت طبيعية ومتوقّعة، في ظلّ المسافة الفاصلة عن محطة الأعياد حيث يعلو الشأن والاهتمام الأمني على غيره. لكن في المقابل طبيعة القرارات التي اتُخذت، تجاوزت الشأن الأمني وامتدّت إلى قضايا حياتية كان يُفترض أن تتولّى الحكومة اتخاذها كمثل تمديد حالة التعبئة العامة إلى أواخر آذار المقبل والتي تحتاج عادةً إلى قرارٍ صادر عن الحكومة.
ومع تبلور هذه الحالة، ساد إعتقادٌ وعلى نطاق واسع، أن رئيس الجمهورية أعاد تفعيل آلية الممارسة نفسها التي اعتمدها إبّان حكومة الرئيس حسان دياب السابقة. حينها، كانت الحكومة مستقيلة، وكان دياب يتذرع لعدم انعقادها ولو استثنائياً بأنها مبتورة وغير مكتملة الأوصاف، فأتاح لرئاسة الجمهورية أن تتمدّد إلى عمق صلاحيات الرئاسة الثالثة وتتّخذ قرارات على صعيد البلد عبر المجلس الأعلى للدفاع، ما كان يتسبّب بانتفاضةٍ دورية من جانب "الرباعي السني" الذي كان يتمثّل فيه –وما زال- رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي. اليوم، وإلى حدٍ ما، يُعيد رئيس الجمهورية اعتماد نفس الأسلوب والطريقة بمقاربة الأزمة السياسية الحالية ولو بشكلٍ أنعم. فصحيح أن ثمة حكومة مكتملة الأوصاف الدستورية موجودة وتنشط عبر اللجان لكنها لا تلتئم كمجلس، وقياساً على قواعد بعبدا، تعدّ معطوبة عملياً، ويمكن إسقاط عليها الصفة ذاتها التي أُسقطت على حكومة دياب، بمعنى أنها حكومة عاجزة ويرفض رئيسها أن تلتئم، بخلاف الأسباب من وراء الرفض.
ومن قبيل ذلك، ثمة من يجد أن عون بات يبرع في آخر الأمتار من عهده، في الردّ على محاولات عرقلته. ففي النتيجة، هو وفريقه السياسي يسعيان لتحقيق شيءٍ ما خلال آخر أمتار العهد، ولا يطمحان أن يغلق الزمن عليه وهو مرتمي تحت إطار عريض من العرقلة، كحال ما وصل إليه الرئيس إميل لحود خلال نهاية الولاية الممددة له. معنى ذلك أن عون، سيزيد من "الطحش" على حكومة ميقاتي وصلاحياتها ، ما دام أن الأخير جالس من دون القيام بأي حركة لتفعيل حكومته، وفي هذا المقام كأن عون يوصل رسالة إلى ميقاتي عنوانها: "البديل جاهز (المجلس الأعلى للدفاع)، وإن لم يعجبكم ذلك، أعيدوا النشاط إلى مجلس الوزراء".
عملياً، هذا يعني أن الضرب من تحت الحزام قد بدأ، وعلى الأرجح سيدوم إلى فترةٍ غير معلومة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News