رصد

السبت 29 تموز 2023 - 08:37

"إستراتيجية المنع" تُبعد الروس عن الشواطئ الأوكرانية في البحر الأسود

placeholder

رواد مسلم - نداء الوطن

يقف العالم قلقاً ومشدوداً يراقب التصعيد العسكري غير المسبوق في البحر الأسود، نظراً لأهميته الجيوستراتيجية وتأثيره على سلاسل إمداد الغذاء، ومسارات التجارة الخارجية للدول المتشاطئة في إتجاه البحر المتوسط عبر مضيقي البوسفور والدردنيل، وعلى مسار تصدير الطاقة الروسية إلى تركيا عبر أنابيب خط "بلو ستريم"، والطموح الروسي بالوصول إلى المياه الدافئة ودول جنوبي أوروبا عبر البحر الأسود. فتدهور الأمن هناك ينعكس سلباً على طرفي الصراع بشكل مباشر وعلى العالم بكامله بالدرجة الثانية.


هدف التصعيد في البحر الأسود هو تحقيق السيادة الروسية البحرية على كامل البحر الأسود من دون شروط وإبعاد النفوذ الغربي المتمثّل بدول "حلف شمال الأطلسي" عنه، وهذا الهدف ليس بجديد بالنسبة إلى الروس، فهم يسعون للسيطرة على البحر الأسود منذ أواخر القرن الثامن عشر، وفي المقابل تدافع أوكرانيا عن حدودها البحرية وتريد استعادة شبه جزيرة القرم الاستراتيجية المحتلّة منذ العام 2014 عبر تكتيكات عسكرية يعتبرها العلم العسكري دفاعية.



ينبغي أخذ التحذيرات الروسية على محمل الجد باستهداف أي سفن تُحاول الوصول إلى الموانئ الأوكرانية لمواصلة شحن الحبوب، لأن موسكو لن تتسامح على الأرجح مع أي محاولة لتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود رغماً عنها، ليس لأن الرئيس فلاديمير بوتين سيعتبر ذلك تحدياً له فقط، بل لأنه لن يتخلّى ببساطة عن ورقة القوة التي يمتلكها في الصراع مع أوكرانيا والغرب، وهي حصار الموانئ الأوكرانية في الجنوب. كما لن يسمح للغرب بإيجاد موطئ قدم له في البحر الأسود من بوابة تأمين صادرات الحبوب.


لا تمتلك أوكرانيا قوّة بحرية هجومية أو دفاعية، لذلك تلجأ إلى "استراتيجية المنع" لحرمان وصول البحرية الروسية إلى شواطئها، ففي أقصى الحال ستعتمد الزوارق أو الغواصات المسيّرة المفخّخة لضرب السفن الروسية أو الجسور في شبه جزيرة القرم، أو الطائرات المسيّرة التي يمكن أن يصل مداها إلى 800 كلم، أو على الصواريخ التي تملكها، مثل صاروخ "نبتون" المضاد للسفن الموجود في أوديسا.


و"نبتون" صاروخ سوفياتي الصنع ومعدّل في أوكرانيا عام 2020 وقادر على تدمير هدف بحري في نطاق 300 كلم، ويمكن للصاروخ الذي يبلغ طوله 5 أمتار ويعمل بمحرّك أن يُسافر بسرعة تصل إلى 900 كلم/ساعة، ويُحلّق بارتفاع 10-15 متر فوق مستوى سطح البحر، وفي المرحلة النهائية من الرحلة، ينخفض إلى 3-5 أمتار فوق سطح البحر للتغلّب على أنظمة الدفاع المعادية، ويُمكنه أيضاً التهرّب من أنظمة الدفاع الصاروخي مثل تلك الموجودة على متن السفن الروسية.


كذلك، يتوافر صاروخ "هاربون" الأميركي المضاد للسفن، المقدّم من الغرب العام الماضي، الذي يُمكن إطلاقه من الغواصات والطائرات وبطاريات الشاطئ والسفن، ويصل مداه الأقصى إلى 185 كلم إذا أُطلق من الجو، أو 140 كلم إذا أُطلق من البحر، ويستخدم نظام توجيه متميّز، ويعد الصاروخ مخصّصاً للعمل في كافة الأحوال الجوية، ويستطيع التحليق على مستويات مخفوضة فوق سطح البحر، بصورة تجعل اكتشافه من قبل العدو في غاية الصعوبة، وتستخدم النسخة المطوّرة منه التي يستخدمها الجيش الأوكراني، نظام توجيه مزدوجاً يعتمد على نظام التموضع العالمي (GPS) ونظام الملاحة بالقصور الذاتي (INS)، الذي يسمح له بمتابعة مساره نحو الهدف حتى في توجيه (GPS).


يبدو أنّ استراتيجية الحرمان والمنع الأوكرانية التي تستخدمها بوجه القوّة البحرية الروسية، إيجابية منذ أن تمكّن صاروخ "نبتون" الأوكراني من تدمير الطرّاد الحربي الروسي "موسكوفا" في نيسان العام الماضي، وإسترداد جزيرة الأفعى الاستراتيجية المطلّة على شواطئ أوكرانيا الجنوبية وإجبار الجيش الروسي على الإنسحاب منها، فلم تشهد أوكرانيا أي محاولة إقتراب من القوات البحرية الروسية في إتجاه شواطئها. فكييف تسعى إلى خلق منطقة عازلة تمنع فيها القوات البحرية الروسية من الإقتراب، حتى إنّ الجيش الأوكراني يستخدم المسيّرات البحرية بشكل مميّز لضرب الأهداف الاستراتيجية في شبه جزيرة القرم، كما حصل عند ضرب جسر كيرتش مؤخراً.


الأسلحة المقدّمة لأوكرانيا من الغرب تُساعدها على تعزيز موقعها الدفاعي في حرب البحر الأسود، فبالرغم من أنّ ميزان القوّة البحرية والبريّة والجويّة لصالح الجيش الروسي، إلّا أنّ "استراتيجية المنع" الأوكرانية المعزّزة بالصواريخ البحرية الغربية والمسيّرات، تلعب دوراً بارزاً بإبعاد أي تهديد روسي عن شواطئ أوكرانيا المطلّة على البحر الأسود، وهذا التهديد بالطبع سينعكس على العالم بكامله لما للبحر الأسود من أهمية تجارية واقتصادية واستراتيجية لأوكرانيا والناتو.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة